الحصان الفرس أو “اييس” في الثقافة وفي الثرات الشعبي الامازيغي
بقلم الحسن اعب
تعد الأحصنة حيوانات ثديية تنتمي لمملكة الحيوانات عائلة الخيليات، وتمتلك الأحصنة ذيولًا طويلة وجذوعا عضلية وشعرًا قصيرًا ورقابًا طويلة تختلف بأحجامها حسب سلالتها، إذ تتكون مما يزيد عن 400 سلالة مختلفة، فأكبر سلالتها تصل أوزانها إلى 998 كغ وأصغرها بوزن 54 كغ، وتنتشر الأحصنة في جميع أنحاء العالم ما عدا القارة القطبية الجنوبية، فمنذ أكثر من خمسين مليون سنة؛ نشأت بدايةً في أمريكا الشمالية ومن ثم امتدت إلى كل من أوروبا وآسيا، وبعد ذلك انقرضت الأحصنة المتبقية في أمريكا الشمالية وأُعيد إدخالها مرة أخرى من قبل المستعمرين الأوروبيين حدث ذلك منذ حوالي 10،000 عام، وسيتم الحديث في هذا المقال عن الحصان الأمازيغي الأصيل.
يعد الحصان الأمازيغي من سلالة الحصان الأصلي لدول شمال أفريقيا، كما أنه يعد فرعًا من فروع الحصان العربي، ويكمن الاختلاف بينهما بأنّ حجمه أكبر وطول ذيله أصغر، كما أنّه يمتلك شعرًا عند أعلى حوافره وخلفها مقارنةً مع الحصان العربي، ويتميز هذا النوع من الأحصنة بالسرعة العالية والقدرة على التحمل، ويتواجد منه مجموعة متنوعة في الولايات المتحدة والتي تعرف باسم الحصان الامازيغي الإسباني الذي يعد من سلالة الخيول الأصلية التي جاءت من إسبانيا وبألوان متعددة، ويستخدم هذا الحصان من قبل الأميركيين الأصليين في مزارعهم وللفروسية، ولكنه على وشك الانقراض في ذلك المكان؛ ويعود السبب في ذلك إلى وجود سلالات أكبر حلت محله.
وتعد الأحصنة، ومنها الحصان الامازيغي حيوانات اجتماعية تعيش في البرية على شكل مجموعات تسمى القطعان، ويتكون القطيع الواحد من ثلاثة إلى عشرين حصانًا يقودها ذكر الحصان الذي يطلق عليه اسم “الفحل”، أما بقية القطيع فهم من إناث الأحصنة وصغارها، كما أنها تعد حيوانات عاشبة، أي آكلة للنباتات فقط، وفيما يخص تكاثرها، فإنّها وبعد مدة حمل تصل إلى 11 شهرًا تلد صغارها التي تسمى ب”المهر”، وتكون هذه الصغار قادرة على الوقوف بعد وقتٍ قصير من الولادة، وتُصبح ناضجة من عمر ثلاثة إلى خمسة سنوات، وعند وصول ذكر الحصان إلى مرحلة النضج يقوم “الفحل” بإخراجه من القطيع؛ ليجد قطيعًا آخر من الإناث يمكنه قيادته.
و يمتلك الحصان البربري مجموعة متنوعة من الخصائص، ومن هذه الخصائص الجسدية أنّه يمتاز بخفة وزنه وظهره وذيله القصيرين أيضًا، أما جسمه فقوي ويمتلك حوافر، واللون السائد له هو اللون الرمادي، ولكنّه يمكن أن يتواجد بألوان أخرى؛ كاللون الأسود واللون الكستانئي واللون البني، كما يبلغ طوله حوالي 1.47-1.57 مترًا، فعلى الرغم من عدم قدرة الحصان البربري على المشي بشكلٍ جيد إلا أنه يمتلك قدرة عالية على الركض كالعدّاء، وتبعًا لهذه الميزة فلقد تمت الاستفادة من سلالة هذا النوع من الأحصنة كمخزون لتطوير سلالات الأحصنة الأخرى التي تستخدم للسباق مثل أحصنة “ثوروبريد” و أحصنة “كوارتر” الأمريكية وأحصنة “ستاندرد بريد” وغيرها من الأحصنة.
الحصان الامازيغي يُعد إحدى أقدم سلالات الخيول في العالم، حيث تؤرخ النقوش الحجرية القديمة التي وُجدت ببعض المغارات والجداريات بمناطق الشمال الإفريقي العلاقة الخاصة التي ربطته بسكان هذه المناطق، فالأمازيغ الذين استوطنوا هذه المناطق منذ قرون عدة ورافقتهم الأحصنة الأمازيغية في أنشطة الصيد وفي ترحالهم، وحروبهم وغزواتهم، استخدمه أهالي جبال الأطلس الممتدة على طول الأراضي المغربية والقبائل المستقرة بالسهول الفلاحية الغربية للبلاد، في مختلف تفاصيل حياتهم.
ويرتبط الحصان الامازيغي بإحدى أقدم الرياضات الحربية في المغرب والتي تدعى”التبوريدة”، حيث يُعد الحصان الامازيغي مطواعا، سهل الترويض، ويتميز بخفة وتوازن في الحركة، وهو ما يُؤهله لأداء الحركات البهلوانية والانسجام مع باقي خيول السرب في أداء عرض التبوريدة (الفنتازيا الشعبية)، التي تبدأ باصطفاف أحصنة سرب الخيالة وانطلاقهم في العدو بذات السرعة وإطلاق البارود من فوهة بنادقهم الخشبية.
رمز من رموز الجمال بدون منازع وعلامة من علامات القوة والعنفوان بدون منافس ألا وهي الخيل.
إلى ماذا يرمز الحصان عند الأمازيغ؟
الحصان يرمز للنجاح، الحرية، السفر، الشجاعة، القوة، السلطة، النبل، الحكمة والإخلاص؛ وهو أيضا رمز للحياة والموت، والنعمة والجمال.
والحصان يعتبر أيضاً رمز للولاء والإخلاص، وقد يكون يرمز إلى روحك المحاربة، إنه المقاتل الشجاع الذي يعيدك إلى منزلك بأمان بعد رحلتك الطويلة والبعيدة.
كان الحصان يرتبط بالحرب والخصوبة، فمع الحرب يأتي النصر والسيطرة والحياة طويلة، والثروة التي تأتي مع الانتصار في المعركة.
وعند الأمازيغ يرمز الحصان في المنام من الرؤى التي تبعث بالتفاؤل والأمل في نفس الحالم، لأن الحصان، أو اييس بالأمازيغية يعتبر من اجمل الحيوانات البرية، فهو حيوان معتز بنفسه، ويعتبر رمزا للشموخ والعز والجاه، ورؤيته في الحلم عند الأمازيغ من الرؤى الجميلة والمحمودة المحببة التي تبشر بالخير والرزق والفرج.
ولهذا فقد نظم الشعراء الأمازيغ القدماء وحتى المعاصرين قصائد شعرية رائعة تتحدث عن الحصان الفرس أو “اييس” بالامازيغية حيث يتعلق الأمر بالاناقة والجمال والسرعة والشعر الكثيف الجميل الذي يميز الحصان عن باقي الحيوانات، بل كثيرا ما شبهوا النساء الجميلات، وحتى الرجال الوسيمين بالحصان والفرس، وشبهوا المرأة أحيانا بالفرس والراكب الذي يعني الرجل بالفارس والدي يسمى بالامازيغية “امناي”، وعنه قال احد الشعراء الأمازيغ القدماء:
اوانا ءيران امارگ ات ءيسن
ءيگا زوند اييس اد ءيغارن
ءيقان تيد ؤمناي اد ءيحرشن
هنا الشاعر شبه الفرس او الحصان بالشعر والموسيقى والغناء، وهذا هو المقصود ب”امارگ” كما تفيد أيضا هذه الكلمة الشوق، أي في نظر هذا الشاعر من أراد أن يصبح شاعرا حقيقيا فما عليه إلا أن يكون مثل الفارس الذي يستطيع ان يركب على ظهر حصان سريع، والذي يعرف كيف يركب عليه فذلك هو الشاعر الحقيقي؛ وقال عنه شاعر آخر “الرايس الباز”:
ءيويغ أكد اركاب نك ؤكان اياييس
ءيهنا الحال مراد ءيس كا كان ءيمالاس
“اركاب” بالعربي هو الفارس، والمقصود به هنا هو الرجل، أما “اييس” الذي هو الفرس أو الحصان فيعني به المرأة؛ وقال عنه شاعر آخر، والذي يعد من أبرز الشعراء القدماء:
اماوال اغ ايزيگيز واييس ءيحوران
ؤلا عاد اوگما تاونزا ؤلا تيشاف نس
هذا النوع من الحصان الذي تحدث عنه الشاعر ليس كبقية الاحصنة، فهو يقصد الفرس الخاص المعروف في ميدان المعارك والحروب، والشيء الذي يبين لنا ذلك هو ذكره كلمة “اماوال”، التي تعني ساحة او ميدان المعركة، كما يقصد بها أيضا القاموس.
هدا فيما يخص بعض الاشعار، أما في المثل الشعبي الامازيغي، فيبقى الفرس أو الحصان في الذاكرة الشعبية مكتوب بمداد من الإعجاب والتقدير؛ وعنه يقول المثل الشعبي الأمازيغي.
-اللهم د تومزين د وايي سؤلا د تيمزين بلا اييس
أي من الخير لك أن تتزوج ولا يمكن لك ان تبقى وحيدا بدون ابناء.
– ءيگنزي اك ءيمالان اييس ءيحوزان
أي من خلال جبهتها تظهر لك المراة الحرة الرائعة.
التعليقات مغلقة.