أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

الحكامة البيئة الطاقية والمائية وأثرها على المجتمع المغربي

بدر شاشا

بدر شاشا

 

لم يعد النقاش حول البيئة اليوم ترفاً فكرياً أو خطاباً سياسياً مناسباتياً. بل ضرورة وجودية مرتبطة بشكل مباشر بمصير الأوطان واستقرار الشعوب.

والمغرب، الذي يتموقع جغرافياً بين المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، ويزخر بتنوع بيئي وموارد طبيعية متقلبة. وجد نفسه مضطراً لمراجعة نموذج تدبيره البيئي والموارد الحيوية، من ماء وطاقة وغابات ونفايات. ضمن رؤية شاملة تدمج الاستدامة مع الحكامة الرشيدة والعدالة المجالية والاجتماعية.

يعرف المجال البيئي بالمغرب، اليوم. دينامية جديدة تحركها تحولات مناخية عميقة. مع تزايد في الطلب على الموارد وتحديات التوسع الحضري وضعف الأمطار وزحف التصحر وندرة الماء وارتفاع درجات الحرارة. إضافة للنمو السكاني. وهو ما جعل المملكة تنتقل من مرحلة الاستهلاك التقليدي للماء والطاقة والغابات إلى عصر التدبير الذكي والمندمج. المعتمد على الحوكمة البيئية الشاملة.

الحوكمة الطاقية: تحول نحو التنوع والاستقلال

أمام ارتفاع أسعار المحروقات وتغيرات السوق العالمية واتفاقيات المناخ. اعتمد المغرب سياسة انتقال طاقي طموحة، تقوم على تنويع مصادر الطاقة وتطوير الطاقات المتجددة، خاصة الشمسية والريحية. مشاريع ضخمة كـ”نور ورزازات” و”نور ميدلت” ومزارع الرياح في “طرفاية” و”العيون”. لقد أصبحت هاته المشاريع تمثل نماذج للانتقال الطاقي في إفريقيا.

هاته التحولات لم تكن فقط بيئية، بل اجتماعية واقتصادية أيضاً. حيث خلقت فرص شغل محلية وشجعت على الاستثمار. كما ساهمت في تقليص التبعية الطاقية للخارج.

الحوكمة المائية: من الوفرة إلى الندرة ثم إلى الابتكار

يواجه المغرب منذ سنوات ضغطاً مائياً حاداً، بسبب التغيرات المناخية وتراجع التساقطات. في مقابل ارتفاع متزايد للطلب الفلاحي والصناعي والسكني على المياه. ولأجل ذلك، تم إطلاق مشاريع استراتيجية أبرزها تحلية مياه البحر، مثل محطة “أكادير” ومحطات “الداخلة” و”آسفي”. وذلك بغاية تقليل الضغط على السدود والفرشات الجوفية.

كما تم تعزيز معالجة المياه العادمة وإعادة استعمالها في سقي المساحات الخضراء والملاعب. لتوفير المياه الصالحة للشرب والاستعمال الزراعي. هذا التوجه جعل من الماء مورداً ينبغي تدويره بدل استنزافه. والانتقال بالتالي من منطق الاستهلاك إلى منطق الاقتصاد والاستدامة.

الحوكمة الغابوية: من التهديد إلى التثمين

تشكل الغابة بالمغرب نحو 12% من مساحة البلاد. وقد ظلت لعقود ضحية التهميش والاستغلال غير العقلاني. وهو ما أدى لتآكلها وتهديد تنوعها البيولوجي. إلا أن الاستراتيجية الجديدة “غابات المغرب 2020-2030″، أعادت الاعتبار لهذا الرأسمال الطبيعي. وذلك من خلال مقاربة تشاركية تدمج الجماعات المحلية وتُثمن المنتجات الغابوية، مثل الأركان والفلين والعسل. وتربط التنمية بالمحافظة على الموارد.

وقد كرس هذا النموذج مبدأ العدالة البيئية. حيث تستفيد الساكنة القروية من مداخيل الأنشطة الغابوية، في مقابل التزامها بحمايتها. وهو ما يعزز روح المواطنة البيئية ويقلل من الهجرة القروية.

تدبير النفايات: من عبء بيئي إلى ثروة اقتصادية

شكلت النفايات الحضرية والصناعية والطبية لعقود هاجساً بيئياً وصحياً، خصوصاً في المدن الكبرى. غير أن اعتماد سياسة الفرز وإعادة التدوير وتثمين النفايات غيّر المعدلة. دفع العديد من الجماعات المحلية لاعتماد شركات لإنتاج الطاقة من النفايات. أو إعادة تدوير البلاستيك والمعادن. وهو ما ساهم في خلق مناصب شغل جديدة. وبالتالي تحسين ظروف العاملين في هذا القطاع غير المهيكل وتحويل النفايات من خطر إلى فرصة اقتصادية.

معالجة المياه العادمة والساحلية: درع بيئي وصحي

يمثل التلوث الساحلي الناجم عن مياه الصرف الصحي كارثة بيئية تهدد الثروة البحرية والسياحة الساحلية. لكن وبفضل برامج وطنية، أصبح المغرب يتوفر على العشرات من محطات المعالجة الحديثة، مثل محطة “الدار البيضاء”، “سلا” و”أكادير”. والتي تعالج المياه قبل طرحها في البحر أو تستعملها في الفلاحة. وهو ما ساهم في حماية الصحة العامةز وبالتالي ضمان توازن النظم البيئية وتحسين جاذبية المدن الساحلية.

الأثر على المجتمع المغربي: وعي بيئي جديد وتنمية مستدامة

هذه الدينامية البيئية الجديدة انعكست على المجتمع المغربي من عدة زوايا. أولاً، ازداد الوعي لدى المواطن بقضايا البيئة. حيث أصبح مفهوما “الفرز من المصدر” و”النجاعة الطاقية” و”التدوير” جزءاً من الثقافة اليومية في بعض المدن. كما خلقت المشاريع البيئية فرص شغل واستثمار في مجالات الطاقة والماء والتدوير. وهو ما ساهم في تنمية محلية مستدامة. كما ساهمت هذه السياسات في تقليص الفوارق المجالية. حيث استفادت مناطق هامشية من مشاريع بيئية واقتصادية كبرى.

لقد أصبح واضحاً أن مستقبل المغرب يمر عبر بوابة البيئة. وأن الرهان على الحوكمة الرشيدة للموارد الطبيعية ليس مجرد خيار تنموي بل ضرورة وجودية. فالماء والطاقة والغابات والنفايات ليست فقط موارد، بل عناصر تدخل في صميم الأمن القومي البيئي والاجتماعي والاقتصادي. وضمان الاستقرار في وجه التقلبات العالمية

التعليقات مغلقة.