الحكامة الترابية في وقتنا الراهن
مراد علوي ـ MOURAD ALLIOUI
يندرج مفهوم الحكامة ”la Gouvernance”، من جهة، ضمن شبكة مفاهيمية لكونه يرتبط ارتباطا عميقا بمجموعة من المفاهيم من قبيل: (مفهوم التنمية، مفهوم المجتمع المدني، مفهوم المواطنة، مفهوم دولة الحق والقانون)، ومن جهة ثانية، فإن لهذا المفهوم سيرورة تاريخية خاصة به، حيث ارتبط بكيفية إدارة الدول والحكومات للشأن العام.
لذلك أصبح لفظ الحكامة “Gouvernance”، يفيد معنى الرقابة والتوصية والتدبير، وأصبح منظرو الليبرالية الجديدة يلحون على أن المقصود بالحكامة هو الجمع بين الرقابة من الأعلى، الدولة، والرقابة من الأسفل، المجتمع المدني.
إن موضوع مسار ومتطلبات الحكامة الترابية بالمغرب موضوع شاسع ومعقد، وهذا التقديم، سيقارب الموضوع من خلال الإجابة عن الإشكالات التي يطرحها، والتي يمكن تكثيفها في إشكالية مركزية، ما هو مسار ومتطلبات الحكامة الترابية بالمغرب؟
أمام التحولات الكبرى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي ميزت السنوات الأخيرة، وأمام حجم التحديات والرهانات الجديدة التي يعرفها المغرب، وجدت الدولة نفسها مدعوة ليس فقط لمتابعة جهودها في مجال التنمية وتطوير التجهيزات الأساسية، بل أيضا للقيام بمهام أخرى ذات أهمية خاصة؛ وهي تشجيع وتقوية الإدارة المحلية بشقيها المعينة في إطار اللاتمركز والمنتخبة في إطار اللامركزية.
فلتحقيق التنمية الشمولية المستدامة والمنشودة أصبحت المراهنة أكثر من أي وقت مضى على المستوى الترابي، أو ما يسمى بالمقاربة الترابية في التنمية، بعد أن أثبتت المقاربة المركزية فشلها وعدم قدرتها على تحقيق متطلبات التنمية الحقيقية.
وفي هذا السياق فإن الدولة المغربية مدعوة للقيام بمجموعة من الإصلاحات المحلية وسن العديد من الاستراتيجيات على جميع الأصعدة والمستويات الإدارية، الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية والثقافية.
وذلك باتباع سياسة عمومية محلية متكاملة وشاملة قوامها اللامركزية الحقيقية واللاتمركز الفعال.
ثم تأخذ بعين الاعتبار مختلف الإشكالات التي تعاني منها التنمية والتحديات التي تواجهها، قصد إتباع استراتيجية ترابية على المدى القريب والمتوسط، ولم لا البعيد قصد تحقيق تنمية هادفة وفاعلة لعموم التراب الوطني.
فمند ما يزيد عن عقد من الزمان أصبحت الدولة والمنظمات والهيئات الوطنية والدولية تتداول بمناسبة تدبيرها لأنشطتها وتقديمها لخدماتها مصطلحا او مقاربة جديدة لتدبير الشأن العام أو الخاص ويتعلق الامر بالحكامة.
ويعرف الدارسون والخبراء والمختصون هذا المفهوم بأنه تعبير عن ممارسة السلطة السياسية وإدارتها لشؤون المجتمع وموارده المادية والمالية والبشرية الخ. ولكن تجدر الإشارة، في هذا الصدد، إلى أن هذا التعريف قديم؛ لأنه يركز ويدل فقط على آليات ومؤسسات تشترك في صنع القرار، الشيء الذي جعل هدا التعريف يطرأ عليه تطور بحيث أصبح مفهوم الحكامة يعني حكم تقوم به قيادات سياسية منتخبة وأطر إدارية كفأة لتحسين نوعية حياة المواطنين وتحقيق رفاهيتهم، وذلك برضاهم وعبر مشاركتهم ودعمهم.
في إطار مناخ عالمي مليء بالأحداث المؤثرة في الواقع وصيرورته، يجد المغرب نفسه أمام تحديات تحتم عليه إيجاد مناخ ديمقراطي يشجع النقاش وحرية التعبير عن الأفكار والآراء.
ولأجل مواجهة هذه التحديات، عرفت المؤسسات السياسية بالمغرب طفرة حقيقية تمثلت بالأساس في:
– تنظيم انتخابات ديموقراطية وتقوية سلطات البرلمان في مجال مراقبة العمل الحكومي.
– إحداث مجلس استشاري لحقوق الإنسان، يضم ممثلي جميع الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية؛
– تعديل قوانين الحريات العامة؛
إضافة إلى تحديات اقتصادية فرضها واقع العولمة الجارف والذي جعل المغرب في درجة 125 من حيث التنمية الاقتصادية والبشرية على المستوى العالمي؛ كما أنه يعاني من 55% من الأمية و%15 من سكانه النشيطين، فقد أصبحت مسألة الحكامة في قلب مشروع العصرنة والمرتبطة بالأساس بالاقتصاد والمجتمع؛ هذه الدينامية تسترعي قسطا هاما من الاهتمام والنقاش بين أوساط الرأي العام، وذلك لعدة أسباب يمكن إجمالها عموما في:
الالتزام القوي لجلالة الملك محمد السادس الرامي إلى تسريع وثيرة التغيير من أجل الحفاظ على مجتمع قوي وموحد ومن أجل تكريس ثقافة القرب والمشاركة والتشارك.
غير أن المحيط المتغير الذي نعيش فيه والذي يستهدف إيمانا جماعيا من طرف المجتمع المدني ومختلف الفاعلين الاجتماعيين، وضرورة رفع المغرب لمجموعة من التحديات والمرتبطة بالعولمة؛ يجد نفسه أمام أصوات مرتفعة وطلبات متعددة لملاءمة الواقع مع التحولات المؤسساتية وأدوار الفاعلين في التنمية المحلية.
وفي مواجهة هذه التحديات، وبهذه الإرادة الهادفة إلى السير إلى الأمام، فإن المقاربة الجديــــدة المتمثلة في الحكامة، تصطدم بواقع مرير تملؤ جوانبه ظواهر متعددة متمثلة في البيروقراطية الإدارية التي تنخرط في كل ما هو دامس من أجل الحفاظ والاحتفاظ بكل وضعية تذر امتيازا، إضافة إلى النقص على مستوى الحياة السياسية، وأيضا الأحزاب السياسية التي أضحت تكرس واقع الانتهازية لتقوي بشكل كبير سوء تسيير واضح على مستوى تدبير الشأن المحلي.
ففي ظل هذه البيئة يطرح التساؤل كيف يمكن تحقيق تنمية تؤسس لحكامة محلية جيدة وفي مستوى التطلعات؟ كيف يمكن لنظام حكامة محلية جيدة أن تساهم في تعميق الإصلاحات اللامركزية الجارية بالمغرب؟ وكيف يمكن تحسيس المجتمع المدني بالمسؤولية الملقاة على عــاتقه؟
والإجابة على هذه التساؤلات ستساهم لا محالة في تنمية الأبعاد الأساسية للحكامة المحلية بالمغرب، ووضع الدور الجديد للدولة ضمن إطار يسمح بضمان صيرورة مسلسل اللامركزية واللاتمركز.
وقبل الإجابة على هذه التساؤلات نرى من الأفيد توضيح وتحديد مجموعة من المفاهيم المرتبطة بالحكامة…
الحكامة هي أولا وقبل كل شيء تعبير عن ممارسة السلطة السياسية وإدارتها لشؤون المجتمع وموارده، وهذا هو التعريف المعتمد من طرف أغلب المنظمات الدولية.
وهو في واقع الأمر مفهوم قديم يدل بالأساس على آليات ومؤسسات تشترك في صنع القرار.
ومنذ عقدين طرأ تطور على هذا المفهوم وأصبح يعني حكم تقوم به قيادات سياسية منتخبة وأطر إدارية كفأة لتحسين نوعية حياة المواطنين وتحقيق رفاهيتهم، وذلك برضاهم وعبر مشاركتهم ودعمهم.
شروط الحكامة:
التعليقات مغلقة.