وزيرة الخارجية ،”ليز تروس” تلعب بالنار، وصفت في بحر هذا الأسبوع الرئيس الروسي” فلاديمير بوتين” بأنه ” عميل مارق” يفتقر إلى العقلانية، و “لا يهتم بالمعايير الدولية”، ونتيجة لذلك، قالت: “سنواصل المضي قدما وبشكل أسرع لإخراج روسيا من أوكرانيا باكملها”.
من الواضح أنها تستمتع بحربها المتخيلة بالوكالة على الدب الروسي ولا يبدو أن أحدا في “وايتهول” قادر على كبح جماحها.
إن استخدام كلمة ” نحن” يحدد علنا مصالح بريطانيا مع مصالح “كييف”، تدعو ” تروس” إلى إرسال المزيد من المساعدات الاقتصادية والعسكرية إلى أوكرانيا، وتتأرجح هذه المساعدة الآن على شفا الانخراط العلني مع روسيا، ويبدو أنها تريد جيران روسيا المنشقين الاخرين، “مولدوفا وجورجيا”، للانضمام إلى التحالف، على الرغم من أن”بوتين” غير عقلاني وغير موثوق به، إلا أن”تروس” تجادل بأنه عرضة للردع ولن يرد بتهور على عدائها المتصاعد، لم تذكر في أي مكان الخطر الذي ينطوي عليه التصعيد المنشود، ناهيك عن التنازلات المحتملة للسلام.
إنها دبلوماسية “التابلويد”، قبل زيارته المثيرة إلى كييف هذا الشهر، أمر “بوريس جونسون” أيضا ” فلاديمير زيلينسكي” بعدم تقديم أي تنازلات ” لبوتين”، وهو خط تسعى ” تروس” بوضوح لمنافسه.
ليس من المعروف أن يمارس القادة الديمقراطيون مناورات حربية لإثارة ناخبيهم، ولكن يجب أن تكون هذه أول مسابقة على زعامة حزب المحافظين يتم خوضها على حدود روسيا.
من الصعب تخيل وقت أكثر حساسية وخطورة لمثل هذه التصرفات الغربية مما هو عليه الآن، تشهد أوكرانيا بعض اكثر الفظائع المروعة منذ الحرب العالمية الثانية والصراع في يوغوسلافيا السابقة، لا يوجد عذر يمكن تصوره لما يفعله “بوتين” بجاره، لكن القضية المشتعلة ليست فظاعة الحرب.
من الطبيعي أن يكون من المناسب لأوكرانيا اليائسة الادعاء بأن الصراع الحالي يهدد بالانتشار خارج حدودها وإلى أوروبا على نطاق أوسع ، في الواقع، شهدت أوكرانيا منذ ثماني سنوات صراعا انفصاليا، لم يستلزم هذا الصراع إشراك بقية أوروبا أو الولايات المتحدة، لكن “تروس” تعلن أن “بوتين” يريد ان يتسبب في “المزيد من البؤس الذي لا يوصف في جميع أنحاء أوروبا”، إنها لا تقدم أي دليل على الافتراض الجسيم والمثير للقلق، مع الحاجة الضمنية للانتقام العسكري الغربي .
قد يكون” بوتين” وحشا وكاذبا حسب قول “تروس”، لكن هل هم محقون في إرسال المساعدة إلى الأشخاص الذين يضطهدهم؟ لكن يجب على الاستراتيجي أن ينظر إلى أبعد من الاهانات لتقييم المخاطر والاحتمالات على الأرض، تتطلب لحظة الخطر الأقصى هذه كل الحكمة والمهارة التي حسمت كوبا بصعوبة في الستينيات، يجب ان نتذكر بعد ذلك أنه كان على كلا الجانبين النزول إلى أسفل.
حتى الآن في هذا النزاع، عمل “الناتو” بانضباط ذاتي مثير للإعجاب، لقد حددت معايير مساعدتها لا وكرانيا وتمسكت بها، توقف حصار “الناتو” الاستفزازي للغاية لروسيا على مدى عقدين من الزمان في جورجيا و أوكرانيا، مع العلم ان المضي قدما سيؤجج موسكو بشكل دائم، ظل “الناتو” بمعزل عن احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم ودونباس، كان هجوم” بوتين” على “كييف” هذا الربيع من ترتيب مختلف، لكن حلف “الناتو” غاير مرة أخرى رده، كانت قادرة على تقديم جبهة موحدة لروسيا بينما لم تدعو موسكو للرد خارج حدود أوكرانيا.
لا يبدو أن العقوبات الغربية ولا المساعدات العسكرية لأوكرانيا قد ردعت “بوتين” ذرة واحدة، لقد زادوا بشكل كبير تكلفة غزو روسيا على أوكرانيا، ولكن كما تعلم الديمقراطيات الغربية جيدا، فإن تكلفة المغامرات العسكرية لا تؤثر دائما على السياسة، سوف يستقر “بوتين” عندما يشعر أنه وصل الى الحد العسكري المسموح به، وهذا هو سبب وجود سبب وجيه لإرسال أسلحة إلى “كييف”، كما أنه سبب للإنسانية المشتركة المتمثلة في الترحيب باللاجئين الاوكرانيين، وهو ما نفته سياسة الهجرة ” لجونسون” نفاقا، لا شيء من هذا هو سبب استعداد الصراع للاستمرار، ناهيك عن أن المخاطرة بجر “الناتو” الى القتال ،بصرف النظر عن أي شيء آخر، فإن الحرب مع “الناتو” ستعزز بشكل كبير شعبية “بوتين” المحلية.
كما تم الإشارة إليه في مفاوضات “مينسك” عام 2015، وطرحت في “إسطنبول” في مارس المنصرم، يجب أن يكون هناك حل وسط، اذا لم يكن هذا الأمر يتحول الى معاناة مستمرة، يجب أن تتضمن الصفقة النهائية أمن أوكرانيا ودرجة من الحكم الذاتي ل”دونباس”، سيكون هذا فوضوي.
لا يمكنها ان تمنح “بوتين” النصر لكنها ربما تعترف “بالطابع الروسي” لشبه جزيرة القرم، وجنوب شرق أوكرانيا، إن لم يكن ل “اوديسا”، كانت هناك مؤشرات على أن “زيلينسكي” سيقبل شيئا من هذا القبيل، ومع ذلك، فإن هذه النتيجة بالتحديد هي التي يعارضها “جونسون” و “تروس” الآن، على أمل تعزيز الدعم من المتحاربين – وجماعات الضغط الدفاعية – داخل حزب المحافظين.
يجب دائما إدانة الاعمال الوحشية التي تمارسها الدول على الدول الأخرى من قبل العالم الاوسع، لكن الإدانة شيء، محاربة شيء آخر، عندما تتدخل الدول في شؤون الآخرين يكون ذلك عادة، إن لم يكن دائما، دمويا وغير ناجح.
يبدو أن أوكرانيا تقترب مما يمكن أن يكون معركة نهائية مع روسيا في الجنوب، وربما يتبعها طريق مسدود ونوع من التسوية.
أسوأ ما يمكن ان يواجهه “زيلينسكي” هو الحلفاء الغربيون في الولايات المتحدة وبريطانيا بقيادة السياسيين “جو بايدن” و ” جونسون” ، اللذين يشعران أنهما أضعف من أن يدعموه محليا في تنازلات السلام.
لم يصرح “جونسون” و “تروس” أن الصفقة الأوكرانية يجب ان يقررها “زيلينسكي” وشعبه، يريدون منه أن يواصل القتال طالما أن الأمر يتطلب هزيمة روسيا تماما، إنهم بحاجة إلى انتصار في حربهم بالوكالة، وفي الوقت نفسه، يمكن رفض أي شخص يختلف معهم باعتباره ضعيفا او جبانا أو مؤيدا “لبوتين”.
التعليقات مغلقة.