أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

الخطب المقترحة ليوم غد الجمعة

أصوت

الخطبة الأولى

الحمد لله ربِّ العالمين، وليِّ الصَّالحين وناصر المؤمنين، نحمده سبحانه وتعالى، ونشكره ونستعينه ونستغفره، إنَّه نعم المولى ونعم النَّصير، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا رادَّ لفعله، ولا معقب لحكمه، ونشهد أنَّ سيِّدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيُّه وخليله، صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله الطَّيبين الطَّاهرين، وصحابته الغرِّ الميامين، وعلى التَّابعين لهم بإحسان إلى يوم الدِّين.

أمَّا بعد، فيا أيها الإخوة والأخوات في الإيمان، يقول الله تعالى في محكم تنزيله:

﴿وَذَكِّرْهُم بِأَييَّٰمِ اِ۬للَّهِۖ إِنَّ فِے ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبّ۪ارٖ شَكُورٖۖ﴾[1].

وإنَّ من أيَّام الله تعالى التي منَّ بها علينا نحن المغاربة أيامَ المسيرة الخضراء التي يخلِّد الشَّعبُ المغربي ذكراها يوم السَّادس من نونبر من كلِّ سنة، باعتبارها محطةً تاريخيةً فارقة، ومدرسةً ملهمةً للأجيال في صناعة التَّاريخ بفضل الله تعالى، ثم بفضل حكمةِ وحنكةِ مبدع المسيرة الخضراء جلالة المغفور له مولانا الحسن الثَّاني طيَّب الله ثراه، وأكرم مثواه، حيث أُلهم رحمه الله فكرة المسيرة الخضراء، واختارها طريقةَ سلميةَ حضاريةَ للتَّعبير عن تمسُّك المغاربة بوحدتهم التُّرابية تجاه قضيتهم، وتوجه رحمه الله بندائه السَّامي للشَّعب المغربي الذي قابل هذا النِّداء بالاستجابة، فقام الكلُّ قومةَ رجلٍّ واحدٍ، طاعةً للإمام، ووفاءً للوطن، وحمايةً للثُّغور والحدود.

فانطلقت المسيرة الخضراء من جميع أقاليم المملكة، حتى أدَّت رسالتها وبلغت غايتها، واعترف القريب والبعيد بعبقرية مبدِعها، وأضحت ملحمةً ملهمةً للأجيال، تُستفاد منها الدُّروس والعبر، نذكر منها في هذا المقام ما يأتي:

أولا: أن حدث المسيرة الخضراء لم يأت من فراغ، بل كان من حكمةِ قائدٍ محنَّك، وزعيمٍ مُلهم، يتحلَّى بإيمانٍ راسخٍ واثق بربِّه، ويتَّصف بأخلاق الأمراء، وحكمة الملوك، وشيَم السَّلاطين.

ثانيا: أن المسيرة الخضراء مَثَّلت أسلوباً حضارياً في استرداد الحقِّ بالطُّرق السِّلمية، ما وُجد لذلك سبيلاً، فهي مسيرةٌ قرآنيةٌ تسلَّح فيها المتطوعون والمتطوعات بالقرآن الكريم، وبإيمانهم بالله تعالى، وتصديقهم بوعده الذي لا يُخلف، مصداقاً لقوله تعالى:

﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ اُ۬لْمُومِنِينَۖ﴾[2].

المؤمنين بعدالة قضيتهم، من غير اعتداءٍ على أحد، ولا رغبة في النَّيل من القريب ولا البعيد، بل هي صلةُ رحمٍ بين شمال وجنوب، وشرق وغرب المملكة المغربية، شعبٌ واحدٌ، يحضن أبناءه وطنٌ واحدٌ بكلِّ مكوناتهم الدِّينية، والتَّاريخية، والثَّقافية.

 

ثالثا: أنَّ المسيرة الخضراء تدلُّ دلالةً واضحةً على وحدة المغاربة، وتشبثهم بأهداب العرش العلوي المجيد، مجنَّدين وراء أمير المؤمنين، بما يمليه إيمانهم وتستوجبه بيعتهم الشَّرعية المنوطة بأعناقهم؛ امتثالاً لقول النبي ﷺ:

» وأنا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ اللهُ أَمَرَنِي بِهِنَّ : السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ، وَالْجِهَادُ، وَالْهِجْرَةُ وَالْجَمَاعَةُ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قيدَ شِبْرٍ؛ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ، وَمَنْ ادَّعَى دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنَّهُ مِنْ جُثَا جَهَنَّمَ « ، فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ الله، وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ؟ قَالَ: »وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ؛ فَادْعُوا بِدَعْوَى الله الَّذِي سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ الله»[3].

قال ابن العربي في شرح هذه الكلمات الخمس: “هي لزوم الطَّريقة التي يتمسَّك بها النَّاس، ولا يكون المرء شاذاً خارجاً عن منهاجهم، وهذه الجماعة هي: الصَّحابة، والتَّابعون، والأخيار المسلمون في جادَّة الدِّين، ومنهاج الحقِّ المبين، وهي جمع الكلمة، واجتناب الفرقة، والاتفاق على أمر”[4].

فحذَّرهم من الشُّذوذ والخروج عن جماعة المسلمين، وحثَّهم على السَّمع والطَّاعة، واجتناب الفرقة، وجمع الكلمة، ورأب الصَّدع، ولَمِّ الشَّمل، والالتفاف حول قائد الأمَّة؛ لأنَّ الموافقة بين المسلمين أصل الدِّين، والافتراق أسُّ الفساد وهدمٌ للدِّين. وهذا ما التزمه المغاربة، حين حفظوا البيعة الشرعية للإمام، وظلوا متمسكين بالثَّوابت الدِّينية والوطنية، فهي الضَّامن الأوحد لحسن سياسة الدُّنيا، وحراسةً للوطن والدِّين.

رابعا: أنَّ الَّصحراء المغربية عرفت تطوراً كبيراً في جميع المستويات منذ تحريرها من نِيرِ الاستعمار إلى اليوم، وركب أهلها قطار التَّنمية المستدامة، والنَّهضة الحقيقية كما هو حال إخوانهم في كلِّ جهات المملكة المختلفة، فأصحبت صحراؤنا بهذا العزم والانخراط واحة من الأمن والاستقرار، تتوالى فيها المنجزات والمشاريع العظام.

عباد الله، بهذه المبادئ الوطنية، والقيم الدِّينية انتصر المغرب في قضاياه الوطنية، وبها تتوالى انتصاراته في جميع الميادين والمحافل الدولية لقضيته الوطنية، وعليها يجب الاستمرار والدَّوام نحو مزيد من الرُّقي والازدهار.

نفعني الله وإيَّاكم بقرآنه المبين، وبحديث سيِّد الأولين والآخرين، وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين، آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

الخطبة الثانية

الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف المرسلين، سيِّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون، ممَّا يستفاد كذلك من ذكرى المسيرة الخضراء المظفرة، أنَّها أصبحت رمزاً للنَّهضة المغربية، وشعاراً لكلِّ تقدُّم وازدهار، فشهدت المملكة المغربية مسيراتٍ تلو مسيرات، خصوصاً في عهد مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السَّادس حفظه الله وأيَّده، منذ توليه عرش أسلافه المنعمين، وهو يقود سفينة المغرب من انتصار إلى انتصار في جميع الأصعدة: السِّياسية، والاقتصادية، والتَّعليمية، والصِّحية، محققاً منجزات كبرى، ومفتتحاً مشاريعَ عملاقة في التَّنمية، والحماية الاجتماعية، والبُنى التَّحتية، وغيرها من المنجزات والمشاريع التي يراها القاصي والدَّاني، وأصبح المغرب في عهده الميمون، محطَّ أنظار العالم، ونال إعجاب الأمم والشُّعوب المختلفة.

حفظ الله مولانا الإمام، الملك الهُمام، بما حفظ به القرآن الكريم، وجعل مفاتيحَ الخير على يديه، لنصرة الحقِّ وأهله، ومتَّعه بالصِّحة والعافية حتى يحقِّق لشعبه ووطنه وأمَّته كلَّ ما يسعى إليه من رقيٍّ وازدهار، آمين.

هذا وصلُّوا وسلِّموا على الهادي الأمين، النَّبي الأمِّي سيِّدنا محمد، فاللهم صلِّ وسلِّم على سيِّدنا محمد خير الورى وشفيع الأنام، وارض اللهم عن ساداتنا أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن آل بيت النَّبي الطَّيبين الأطهار، وصحابته الهداة الأخيار، والتَّابعين لهم بإحسان، ما تتابع اللَّيل والنَّهار.

وانصر اللهم من قلدته أمر عبادك، وبسطت يده في أرضك وبلادك، مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمداً السادس، نصراً عزيزاً تعز به دينك، وترفع به راية أوليائك، اللهم كن له ولياً ونصيراً، ومعيناً وظهيراً، وأقر عين جلالته بولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولانا الحسن، وشد أزر جلالته بشقيقه السَّعيد الأمير الجليل مولانا رشيد، وبباقي أفراد الأسرة الملكية الشَّريفة، إنَّك سميع مجيب.

وارحم اللهم الملكين المجاهدين بطلَي التَّحرير والاستقلال، المتفانيَين في خدمة شعبهما، واستكمال وحدة وطنهما؛ مولانا محمداً الخامس، ومولانا الحسن الثَّاني، اللهم طيِّب ثراهما، وأكرم مثواهما، واجعلهما في مقعد صدق عندك، واجزهما عنَّا أحسن الجزاء، وأجزل لهما العطاء، إنك لذو فضل على النَّاس.

اللهم آمن روعاتنا، واستر عوراتنا، وأقلَّ عثراتنا، وفرج كرباتنا، ويسر أمورنا وأمور المسلمين أجمعين. اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، الذين استرخصوا دماءهم، وأموالهم لإعزاز الدِّين، وصون كرامة الوطن والمواطنين، واحفظ اللهم حماة الوطن والدين، السَّاهرين على أمنه في جميع الثُّغور، المادية والمعنوية.

اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسق عبادك وبهيمتك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت.

ربَّنا آتنا في الدُّنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النَّار، سبحان ربِّك ربِّ العزَّة عمَّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين.

 

التعليقات مغلقة.