أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

الداكي: السياسة الجنائية لبلادنا تضع قضايا الطفولة ضمن أبرز أولوياتها الاستراتيجية

جريدة أصوات

ألقى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة، السيد الحسن الداكي، اليوم الإثنين، كلمة بمناسبة اللقاء الوطني لتتبع تنزيل مخرجات المناظرة الوطنية حول حماية الأطفال في تماس مع القانون – الواقع والآفاق.

 

وهذا نص الخطاب:

حضرات السيدات والسادة، الحضور الكريم كل باسمه وصفته والتقدير الواجب له.

السيدات والسادة الافاضل؛
اسمحوا لي بداية أن أرحب بكم بمدينة فاس، العاصمة الروحية والعلمية والثقافية للمملكة، ملتقى الحضارات ورمز التعايش، التي تحتضن لقاءنا المبارك هذا والذي نأمل أن يكون محطة غنية بنقاشاتها ومخرجاتها بخصوص موضوع على قدر كبير من الأهمية يتعلق بحاضر ومستقبل أطفال هذا الوطن العزيز من أجل تكريس حماية حقيقية وفعلية لهذه الشريحة من المجتمع بمختلف فئاتها، وأغتنم هذه الفرصة لأتقدم لكم بعبارات الشكر والامتنان على حرصكم على المشاركة في هذا اللقاء الوطني، وتحملكم عناء السفر لنكون جميعا معا في هذا الموعد المبارك.

 

 

 

إن عقد هذا اللقاء يأتي في أعقاب تخليد بلادنا لليوم الوطني للطفل الذي يوافق يوم 25 ماي من كل سنة، والذي يشكل مناسبة سنوية تؤكد فيها مختلف المؤسسات والقطاعات المعنية وهيئات المجتمع المدني تجندها من أجل النهوض بأوضاع الطفولة ببلادنا تنفيذا للالتزامات الدولية والوطنية للمملكة المغربية عبر تنزيل البرامج والاستراتيجيات والأوراش الوطنية المفتوحة لضمان حياة كريمة لأطفالنا، وهو ما يعكس مركزية قضايا الطفولة في مختلف السياسات العمومية الوطنية وفي ذلك ترجمة للرؤية الملكية السديدة لصاحب الجلالة حفظه الله.
واغتنم هذه المناسبة للتوجه بالشكر الجزيل لشركائنا الاستراتيجيين في مسار حماية الطفولة: السيدة وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة والسيد وزير الصحة والحماية الاجتماعية والسيد وزير الشباب والثقافة والتواصل على التعاون البناء والاستعداد الدائم للتفاعل الإيجابي مع مبادرات رئاسة النيابة العامة الذي تجسد من خلال الانخراط في عملية التشخيص الأولي لواقع الطفولة بالمغرب أثناء الإعداد لعقد المناظرة الوطنية حول موضوع “حماية الأطفال في تماس مع القانون -الواقع والآفاق-” والذي استمر من خلال تتبع تنزيل مخرجاتها، ويعتبر لقاء اليوم فرصة سانحة لاستعراض ومناقشة حصيلة وآفاق هذا التنزيل.
والشكر موصول للسيدة ممثلة منظمة الأمم المتحدة للطفولة بالمغرب على الدعم المتواصل لبرامج رئاسة النيابة العامة في مجال تعزيز حماية الطفولة ودعم آليات الشراكة والتنسيق في هذا السياق. كما أشكر السيدة سفيرة الاتحاد الأوروبي على التفاعل المستمر مع مختلف مساعي رئاسة النيابة العامة في المجالات المتعلقة بتنزيل مضامين السياسة الجنائية لبلادنا.

 

 

 

أيها الحضور الكريم؛
إن ما حققته بلادنا من مكتسبات ما هو إلا انعكاس لإيمان راسخ بمحورية أوضاع الطفولة، وتجسيد لإرادة قوية للنهوض بها، عبر عنها المغرب من خلال التوقيع المبكر على الاتفاقية الأممية لحقوق الطفل في نفس السنة التي صدرت فيها، وهو ما شكل دعوة صريحة إلى تكثيف الجهود الوطنية للنهوض بحقوق الطفل وحمايتها.
وقد مضت بلادنا قدما خلال العقدين الأخيرين في تعزيز هذه الحقوق تنزيلا لرؤية جلالة الملك محمد السادس حفظه الله وأيده، وتأكيد جلالته في العديد من خطبه ورسائله السامية على أهمية النهوض بأوضاع أطفال بلادنا، سواء من حيث توفير الحماية الجسدية والمعنوية، أو من حيث تحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها. ونستحضر في هذا الإطار مقتطفا من الرسالة الملكية السامية بمناسبة إطلاق “حملة مدن إفريقية بدون أطفال في وضعية الشارع يوم 24 نونبر 20 18 جاء فيها:
“…. فيجب ألا تنحصر جهود حماية الأطفال في الحفاظ على سلامتهم الجسدية والمعنوية والنفسية، بل ينبغي أن تقترن أيضاً بتوفير الشروط الكفيلة بالنهوض بأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ولا تستلزم حماية الأطفال تجنيبَهم أسباب الخوف فحسب، بل تقتضي كذلك تخليصهم من براثن الفاقة والحاجة، ومدهم بكل ما من شأنه أن يكفلَ كرامتهم.
فهذا التحدي، وإن كان جسيماً بحمولته، فهو جدير بأن نخوض غماره من أجل كسب الرهانات المرتبطة به…..”
انتهى النطق الملكي.

 

 

 

 

 

كما تحظى حماية حقوق طفلات وأطفال بلادنا بعناية خاصة لصاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة للامريم رئيسة المرصد الوطني لحقوق الطفل ورئيسة الاتحاد الوطني لنساء المغرب، من خلال حرص سموها على دعم المشاريع ذات البعد الاجتماعي والتنموي الهادفة إلى تحسين ظروف عيش الأطفال، وذلك من منطلق إيمان سموها الراسخ بأن الأطفال يجسدون أمل ومستقبل البلاد.
وترجمة لهذه العناية تبنت بلادنا نهجا تشريعيا يروم توفير الوقاية والحماية الشاملة للأطفال انطلاقا من كون الآثار الإيجابية للارتقاء بأوضاع الطفولة لا تقتصر على الطفل ومستقبله فحسب، وإنما تمتد لتشمل الأسرة والمجتمع ككل، وهو ما سعى دستور سنة 2011 لضمانه من خلال إعطاء دفعة قوية لحماية الأطفال والتكفل بهم، حيث نص صراحة في الفصل 32 منه على أن “الدولة تسعى لتوفير الحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية”.
كما كرست مختلف النصوص التشريعية الوطنية هذا النهج عبر سن العديد من المقتضيات القانونية الرامية إلى توفير حماية ناجعة للأطفال في تماس مع القانون وإرساء آليات للتكفل بهم، وهو ما شكل أحد أهم مقومات النهوض بأوضاع الطفولة وساهم في بناء صرح عدالة صديقة للأطفال تضمن وصولهم إليها بكل يسر ونجاعة بصرف النظر عن وضعياتهم سواء كانوا ضحايا أو في خلاف مع القانون أو في وضعية صعبة، أو متخلى عنهم أو شهود أو مهاجرين. الشيء الذي تعمل أجهزة العدالة جادة على تفعيله من خلال حرصها على تقصى المصلحة الفضلى لهؤلاء الأطفال في كل الإجراءات التي تهمهم وطيلة مسار التكفل بهم بدء من التشخيص القانوني لوضعهم وإلى غاية اتخاذ التدبير الملائم في حقهم وتتبع تنفيذه ضمانا لإدماج حقيقي لهم في المجتمع.

 

 

 

ولا يخفى على حضراتكم في هذا المقام، أن السياسة الجنائية لبلادنا تضع قضايا الطفولة ضمن أبرز أولوياتها الاستراتيجية، وبذلك فإنها باعتبارها الجهة القائمة على تنفيذ مضامين هذه السياسة، حرصت منذ تأسيسها على إيلاء هذه الفئة أهمية خاصة، من خلال السهر على تفعيل جميع الصلاحيات التي يمنحها لها القانون لتوفير الحماية اللازمة لهم من جميع صور الاستغلال والانتهاكات والإيذاء. وتعتبر خلايا التكفل بالنساء والأطفال بالنيابات العامة آلية ناجعة لتحقيق هذه الأهداف السامية، إذ يسهر أعضاء النيابات العامة، إلى جانب باقي مكونات هذه الخلايا، على حسن استقبال الوافدين عليها من مختلف فئات الأطفال، والاستماع إليهم في ظروف ملائمة، وتقديم ما يلزمهم من دعم ومساعدة ومرافقة، في استحضار تام للبعد الاجتماعي والإنساني الذي يراعي وضعية هؤلاء الأطفال.
وفي هذا الإطار فقد استقبلت هذه الخلايا خلال سنة 2023 ما مجموعه 35355 طفلا، منهم 26770 طفلا ضحية و1294 طفلا في وضعية صعبة إلى جانب 7394 طفلا في خلاف مع القانون، تم الاستماع إليهم ومرافقتهم وتوجيههم نحو الخدمات القانونية أو الاجتماعية أو النفسية أو الصحية وغيرها.

 

 

 

كما تعمل النيابات العامة على تفعيل دورها التنسيقي بين مختلف المتدخلين من قطاعات حكومية وغير حكومية ومجتمع مدني، عبر اللجن المحلية والجهوية للتكفل بالنساء والأطفال، بما يضمن تنسيق الخدمات وتكاملها تحقيقا للمصلحة الفضلى لهذه الفئات في المقام الأول.
ومن أجل توحيد وتجويد أداء النيابات العامة على المستوى الوطني، حرصت رئاسة النيابة العامة على توجيه العديد من الدوريات تحث من خلالها قضاة النيابة العامة على تعزيز الحماية القانونية للأطفال من كل أنواع العنف والاستغلال وإساءة المعاملة والإهمال، وتجنيبهم كل الأوضاع الضارة بهم أو المفضية إلى إهدار كرامتهم، مع الحرص على التطبيق الصارم للقانون في مواجهة كل من يرتكب أفعالا جرمية في حقهم، وضمان عدم إفلات الجناة من العقاب.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الدوريات لم تقتصر على مجالات الحماية المقررة لفائدة الأطفال فحسب بل امتدت لتشمل جوانب وقائية هامة يأتي في مقدمتها الحد من زواج القاصر، وذلك بإصدار توجيهات واضحة لأعضاء النيابة العامة قصد العمل على تقديم الملتمسات التي تشدد على الطابع الاستثنائي لزواج القاصر وفقا لمنظور المشرع المغربي في هذا الإطار، مع الحرص على إنجاز الأبحاث الاجتماعية والخبرات الطبية والنفسية الضرورية لفائدة القاصر مراعاة لمصلحتها الفضلى، ولتجنيبها مخاطر الزواج المبكر وآثاره الوخيمة على حاضرها ومستقبلها.

 

 

 

حضرات السيدات والسادة؛
يلتئم هذا اللقاء بعد مرور سنة على انعقاد المناظرة الوطنية التي نظمتها رئاسة النيابة العامة بشراكة مع وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة وبدعم من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، أيام 19-20-21 يونيو 2023 حول موضوع “حماية الأطفال في تماس مع القانون -الواقع والآفاق-” تحت شعار “من أجل تكفل ناجع ومندمج بالأطفال في تماس مع القانون”، والتي عرفت مشاركة وازنة من مختلف المتدخلين والفاعلين في مجال حماية الطفولة، وشكلت بحق محطة فارقة لتعزيز مسار التكفل بالأطفال في تماس مع القانون وشهدت نقاشا عميقا ورصينا من خلال جلسات عامة وورشات موضوعاتية متخصصة لامست بالدرس والتحليل المحاور الأساسية ذات الصلة بمختلف فئات الأطفال، مما مكننا جميعا من الوقوف على المكتسبات التي راكمتها بلادنا في تعزيز حماية الطفولة، وكانت أيضا فرصة لإجراء تقييم دقيق لواقع هذه الحماية، وأسفرت أشغالها الهامة عن توصيات تناولت مختلف الجوانب المؤطرة لهذه الحماية، سواء منها ما يتعلق بالتشريع، والسياسات العمومية، أو الممارسات القضائية ، وكذا ما يتعلق بالموارد البشرية، وآليات التتبع و الرعاية اللاحقة وغيرها، وها نحن اليوم بصدد الوقوف على حصيلة تنزيل هذه التوصيات والمخرجات.
وقد توجت فعاليات هذه المناظرة بالتوقيع على اتفاقية ثلاثية الأطراف بين كل من رئاسة النيابة العامة ووزارة الشباب والثقافة والتواصل ووزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، وهي الاتفاقية التي أحدثت إطارا عاما للتعاون والشراكة بين الأطراف، كما رتبت التزامات مشتركة في مقدمتها:
• إعداد بروتوكول حماية يوضح خدمات التكفل بالأطفال في تماس مع القانون؛
• توفير إيواء متخصص وفعال لمختلف فئات الأطفال وخاصة الأطفال في وضعية صعبة وكذا الأطفال ضحايا الجريمة؛
• تشخيص الوضعية الراهنة للأطفال المودعين بمراكز حماية الطفولة التابعة لوزارة الشباب والثقافة والتواصل، لتيسير وتفعيل عملية التصنيف من قبل الأطراف؛
• تشخيص وجرد آليات الحماية الاجتماعية المتوفرة ترابيا، من مراكز ومؤسسات تربوية وغيرها، وإعداد قائمة بذلك توضع رهن إشارة الأطراف.

 

 

 

حضرات السيدات والسادة؛
تفعيلا لهذه الالتزامات فقد اغتنمت وزارة التضامن الإدماج الاجتماعي والأسرة مناسبة الاحتفاء باليوم الوطني للطفل هذه السنة للتوقيع على اتفاقية متعددة الأطراف تم بمقتضاها إعطاء الانطلاقة “للبروتوكول الترابي للتكفل بالأطفال في وضعية هشاشة”. وتجدر الإشارة إلى أن هذا البروتوكول تم وضعه في إطار عمل مشترك جاد وبناء بين رئاسة النيابة العامة ووزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، جسد مفاهيم العمل التشاركي والتقائية الأدوار ووحدة الأهداف.
وبالنظر لتعدد المتدخلين والخدمات المقدمة للأطفال في حاجة للحماية، والحاجة إلى تدبير وضعياتهم بمختلف أصنافها فقد جاء هذا البروتوكول لتنظيم مختلف التدخلات وضمان تكاملها في إطار كل من مساري الحماية الاجتماعية والقضائية، ومن أجل تحقيق غاية أساسية هي توحيد عمل كافة المتدخلين في مجال الطفولة وتعزيز التنسيق بينهم من أجل الارتقاء بالتكفل بالأطفال في وضعية هشاشة، مشكلا بذلك وثيقة مرجعية تحدد مهام ومسؤولية كل متدخل على حدة وكذا الخدمات النموذجية الواجب توفيرها لكل طفل حسب وضعيته.

 

 

 

وتميز هذا البروتوكول باستحضاره لمختلف المراحل التي قد يمر منها الطفل في حاجة للحماية، عبر مستويي الوقاية الأولية والمتقدمة لتجنيبه وضعية التماس مع القانون، والتعرض للخطر ليفصل بعد ذلك مسار التكفل به قضائيا داخل مدار الحماية متى قدر له التماس مع القانون سواء كطفل في وضعية صعبة أو ضحية لفعل جرمي وفي وضعية مخالفة للقانون وذلك عبر مختلف المراحل التي يمر منها انطلاقا من عملية الرصد والتبليغ وإلى غاية اتخاذ التدبير المناسب له وإمكانية مراجعته، من أجل تأهيل الطفل وإدماجه في إطار مشروع حياة متكامل يضمن عودته الآمنة للحياة بعيدا عن الوصم بمختلف أبعاده النفسية والصحية والاجتماعية.
ونظرا لأهمية التنسيق بين المتدخلين في مجال حماية الطفولة، وضع البروتوكول الترابي تصورا واضحا يحدد آليات التنسيق المعنية ونطاق تدخلها من خلال مستويين رئيسيين، الأول يعنى بالتنزيل الترابي للسياسات العمومية والتكفل الاجتماعي بالأطفال في وضعية هشاشة، والذي تشرف عليه اللجن الإقليمية لحماية الطفولة، والثاني يهم التكفل القضائي بالفئات المستهدفة والذي تشرف على تنسيقه اللجن المحلية والجهوية للتكفل بالنساء والأطفال التي ترأسها النيابات العامة بمختلف محاكم المملكة.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛

 

 

 

من نفس المنطلق، ومن أجل الارتقاء بخدمات التكفل القضائي بالأطفال والرفع من مستوى أداء قضاة النيابة العامة عند تدبيرهم لقضايا الأطفال في تماس مع القانون المعروضة عليهم بما يتلاءم والمعايير الدولية المؤطرة لعدالة الأحداث، بادرت رئاسة النيابة العامة إلى فتح مجموعة من الأوراش تسعى من خلالها إلى تنفيذ التزاماتها بمقتضى نفس الاتفاقية، أبرزها العمل على وضع دليل بشأن “تحديد مؤشرات نجاعة التكفل بالأطفال في تماس مع القانون” باعتباره وثيقة مرجعية ستساهم في تكريس مفهوم العدالة الصديقة والناجعة للأطفال.
واعتبارا للأهمية التي يكتسيها توفير الإيواء المناسب للأطفال في تماس مع القانون باختلاف وضعياتهم، ومن أجل الوقوف على واقع هذه الخدمة ورصد الإمكانات المتاحة من جهة، والصعوبات والتحديات المرتبطة بها من جهة أخرى، عملت رئاسة النيابة العامة على إجراء تشخيص لواقع مراكز الإيواء التي تستقبل الأطفال بناء على مقررات قضائية على مستوى مختلف الدوائر القضائية بالمملكة، معتمدة في ذلك على مجموعة من العناصر والمحددات من بينها التوزيع الجغرافي لهذه المراكز وتخصصها وطبيعة الفئات المستهدفة من قبلها وطاقتها الاستيعابية وغيرها، حيث أفرزت المعطيات المتوصل بها – من النيابات العامة وكذا الجهات الوصية على تلك المراكز- ، وجود تفاوت على مستوى توزيعها الجغرافي وكذا تغطيتها لمختلف فئات الأطفال، فإذا كانت بعض الدوائر القضائية تتوفر على عدد من المراكز قد يفي باحتياجات إيواءهم، فإنه تم تسجيل عدم توفر دوائر أخرى على أي من هذه المراكز، الأمر الذي يطرح صعوبات عملية في تدبير هذه الخدمة وينعكس سلبا على مسار التكفل القضائي بالأطفال، كما تم تسجيل نقص هام في المراكز المخصصة لاستقبال بعض الفئات كما هو الشأن بالنسبة للأطفال في وضعية إعاقة أو الأطفال المدمنين، وهو ما يدعونا إلى تكثيف الجهود لتجاوز هذه التحديات ضمانا لتكفل ناجع بهذه الفئات.

 

 

 

وفي نفس السياق، وتنفيذا للالتزام المشترك بمقتضى نفس الاتفاقية بشأن تشخيص الوضعية الراهنة للأطفال المودعين بمراكز حماية الطفولة، تم العمل على جرد الأطفال في وضعية صعبة المودعين بالمراكز المذكورة بغية نقلهم إلى المؤسسات الاجتماعية رعيا لمصلحتهم وذلك في إطار اجتماعات تنسيقية بين الأطراف الموقعة على الاتفاقية، وفق مؤشرات ومعطيات دقيقة مكنت من تحديد احتياجات كل طفل حسب وضعه الخاص، وقد بلغ مجموع الأطفال الموجودين في وضعية صعبة والمودعين بمراكز حماية الطفولة ما مجموعه 266 طفلا وطفلة تم تجميع مختلف المعطيات والبيانات اللازمة لتيسير اختيار التدبير الأنسب لهم ونقلهم إلى وسطهم الأسري أو إلى مؤسسات اجتماعية معنية بالتكفل بأوضاعهم الصعبة، ولتنزيل هذه المبادرة عملت رئاسة النيابة العامة بمعية النيابات العامة على تقديم الملتمسات الضرورية لقضاة الأحداث والمستشارين المكلفين بالأحداث لتغيير التدبير المتخذ في حقهم وفق المعايير السالفة الذكر.
وإيمانا منها بأن أي تدبير يتم اتخاذه لفائدة الطفل كيفما كانت وضعيته تكون الغاية الأسمى منه هي تأهيله وإعادة إدماجه على الوجه السليم كفرد صالح داخل المجتمع بعيدا عن المؤسسات السجنية، فقد بادرت رئاسة النيابة العامة إلى التنسيق مع المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج من أجل تشخيص وضعية الأطفال في خلاف مع القانون المودعين بهذه المؤسسات والذين يزيد عددهم عن 1000 طفل، في أفق الاشتغال على تجنيبهم التدابير السالبة للحرية والاستعاضة عنها بمختلف الخيارات المتاحة قانونا وواقعا من أجل التكفل بهم وفق ما تفرضه المقاربة الإصلاحية والتأهيلية لعدالة الأحداث.

 

 

 

وجدير بالذكر أنه في إطار التفاعل الإيجابي مع هذه المبادرة شرعت السلطات القضائية المختصة في تغيير تدبير الإيداع لصالح عدد من هؤلاء الأطفال.
حضرات السيدات والسادة؛
إن ما سلف بسطه من خطوات ومبادرات بما تحمله من عناصر إيجابية وما تنطوي عليه من إكراهات واقعية، سيشكل أرضية نقاش مستفيض خلال فعاليات هذا اللقاء الوطني الذي يلتئم على مدى يومين، سواء أثناء الجلسات العامة أو خلال الورشات الموضوعاتية، ليتسنى ترصيد المنجزات والمكتسبات، والوقوف على المعيقات الحقيقية والتحديات المطروحة مع اقتراح الحلول الممكنة لها، وسيكون هذا اللقاء فرصة سانحة أيضا لإعطاء انطلاقة جديدة واستشراف البرامج والأوراش المستقبلية الكفيلة بالنهوض بوضعية أطفالنا والانتصار لمصلحتهم الفضلى.
وفي ختام هذه الكلمة أجدد شكري لكل من السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية والسادة وزراء العدل، الشباب والثقافة والتواصل؛ التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة والصحة والحماية الاجتماعية، والسيد المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج ولكل الشركاء الحاضرين معنا ولكل من ساهم في الإعداد لهذا اللقاء وفي تفعيل أهدافه لمصلحة الطفولة بصفة عامة وفي تماس مع القانون بصفة خاصة، كما لا تفوتني الفرصة دون أن أتوجه بالشكر والتنويه لقضاة وأطر رئاسة النيابة العامة الذين تابعوا بكل حرص توصيات المناظرة وسهروا على تفعيلها وتقديم حصيلتها اليوم.

 

 

 

ونأمل والمناسبة هذه أن يسفر هذا اللقاء الوطني عن فتح آفاق جديدة لتطوير التكفل بالأطفال في تماس مع القانون، ملتمسا من الجميع العمل على تكثيف الجهود والتعاون من أجل تفعيل الالتقائية وتحقيق النجاعة والفعالية للنهوض بوضعية أطفال بلادنا للأفضل، ليكونوا بحق في صلب النموذج التنموي الوطني الجديد الذي ننتظر من تنزيله تجويد مستوى العيش لكل مواطنينا. ولنستجيب كفاعلين في حقل الطفولة للتوجيهات الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، وأقر عينه بولي عهده المولى الحسن وبصنوه الرشيد المولى رشيد وبسائر أفراد الأسرة الملكية إنه سميع قدير وبالإجابة جدير.
وسعيا لتحقيق كل ذلك نتوكل على الله سبحانه وتعالى مصداقا لقوله عز من قائل ” ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ” وقوله تعالى ” وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون”
صدق الله العظيم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

التعليقات مغلقة.