أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

الذكاء الاصطناعي: بين التسهيل وتهديد المهارات البشرية

جريدة أصوات

 

في نهاية عام 2022، أطلقت “أوبن إيه آي” روبوت الدردشة “شات جي بي تي”، لتبدأ حقبة جديدة من التفاعل بين البشر والذكاء الاصطناعي. وسرعان ما أصبح هذا النموذج جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية للمستخدمين، حيث انتقل من مجرد أداة لإنجاز المهام الروتينية إلى مساعد في كتابة الأبحاث الدراسية وحتى إعداد المستندات الرسمية في الشركات.

لكن هذا الانتشار السريع أثار مخاوف من تآكل المهارات الكتابية لدى الأجيال الجديدة، سواء في المجال الأكاديمي أو المهني. ومع ذلك، يرى الخبراء أن التحدي الحقيقي لا يكمن في الكتابة، بل في الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي لأداء مهام أكثر تعقيدًا، مثل الحسابات الرياضية وكتابة الأكواد البرمجية.

مخاطر التخلي عن المهارات الأساسية
يشير “ليف ويذربي”، مدير مختبر النظرية الرقمية بجامعة نيويورك، إلى مثال صارخ لهذا الخطر: أحد طلابه كان يعتمد على كتابة أكواد برمجية لتحليل البيانات في تجاربه العلمية، لكنه توقف عن ذلك بعد ظهور “شات جي بي تي”، وبات يعتمد كليًا على الذكاء الاصطناعي لكتابة الأكواد وتفسير النتائج دون بذل أي جهد في الفهم أو التحليل.

هذه الظاهرة ليست معزولة. فحتى المبرمجون المحترفون، مثل “أندريه كارباثي”، بدأوا يستخدمون تقنيات مثل “فايب كودينج”، التي تتيح كتابة الأكواد عبر الأوامر الصوتية للذكاء الاصطناعي. ورغم أن هذه الأدوات تقدم حلولًا سريعة، فإنها غالبًا ما تنتج أكوادًا معيبة يصعب تصحيحها. والأخطر من ذلك، أن بعض المطورين اعترفوا بأنهم فقدوا القدرة على كتابة الأكواد يدويًا بعد الاعتماد المفرط على هذه التقنيات.

تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل
لا تقتصر المخاوف على تدهور المهارات الفردية، بل تمتد إلى تغيير هيكلة سوق العمل. فقد أعلنت شركات كبرى مثل “غوغل” و”مايكروسوفت” أن أكثر من 25% من أكوادها البرمجية تُكتب الآن باستخدام الذكاء الاصطناعي، مما دفعها إلى تخفيض عدد الموظفين في أقسام البرمجة. حتى أن “أوبن إيه آي” تسعى للاستحواذ على شركات متخصصة في أدوات البرمجة بالذكاء الاصطناعي، في خطوة تُنذر بتراجع الطلب على المبرمجين البشر.

وتشير تقارير من مؤسسات مثل “سيجنال فاير” و”زيكي” إلى انخفاض حاد في توظيف المبرمجين المبتدئين، حيث تتجه الشركات نحو الأتمتة الكاملة. هذا التحول قد يؤدي إلى اختفاء تدريجي للمؤسسات التعليمية التي تُعِدُّ مهندسي البرمجيات، تمامًا كما حدث مع العديد من المهن اليدوية بعد الثورة الصناعية.

نحو “أمية حسابية” جديدة؟
في الماضي، كانت الأمية تعني عدم القدرة على القراءة والكتابة، لكن في عصر الذكاء الاصطناعي، قد يصبح الإنسان “أميًا” من الناحية الحسابية والتحليلية، رغم تمتعه بمهارات القراءة والكتابة. فالاعتماد المفرط على الآلات قد يفقد البشر قدرتهم على الإبداع والتفكير النقدي، مما يهدد بظهور مجتمع غير قادر على حل المشكلات المعقدة دون مساعدة الذكاء الاصطناعي.

بينما تُسهل هذه التقنيات حياتنا اليومية، فإن التحدي الأكبر يكمن في تحقيق التوازن بين الاستفادة منها والحفاظ على المهارات البشرية الأساسية. فبدون هذا التوازن، قد نجد أنفسنا في مستقبلٍ نعتمد فيه كليًا على الآلات، دون أن ندرك أننا فقدنا القدرة على التحكم فيها.

التعليقات مغلقة.