إعداد مبارك أجروض
تشير آخر البيانات الواردة من الدول التي ظهر بها COVID-19 إلى أن العدد الأكبر من ضحاياه هم من جنس الرجال، ويعتقد خبراء الصحة أن الاختلافات الجنسية تلعب دورا هاما في مسألة التقاط العدوى. كما تشير دراسات أجريت على مصابين بالفيروس في الصين إلى النتيجة ذاتها، منذ ظهور الفيروس لأول مرة في دجنبر الماضي، وحتى مع الفيروسات الأخرى من عائلة كورونا مثل SARS و MERSوجدت دراسات أن غالبية الضحايا كانوا أيضا من الرجال، فلقد كشف العلماء أن الرجال أكثر عرضة للإصابة بأعراض حادة من COVID-19، مقارنة بالنساء. وفقاً لصحيفة “تليغراف” البريطانية.
إن العوامل التي يمكن أن تكون وراء هذه الظاهرة هو أسلوب الحياة، ففي بريطانيا، على سبيل المثال، لا يزال عدد الرجال المدخنين يزيد بـ 16.5% عن نسبة النساء المدخنات. وإذا كان الشخص مدخنًا، فهو أكثر عرضة للموت بسبب أمراض الرئة أو القلب، الأمر الذي ربما يجعل التعافي من COVID-19 أكثر صعوبة حيث تكون تلك المخاطر عالية بالفعل بين الفئات التي قامت بتصنيفها هيئة الصحة الوطنية البريطانية. كما تم ربط السمنة بمدى خطورة المضاعفات عند الإصابة بCOVID-19، حيث قال كبير علماء الأوبئة في فرنسا بروفيسور جان فرانسوا دلفريسي إن زيادة الوزن هي عامل خطير رئيسي للأشخاص المصابين بفيروس كورونا المستجد. وأفاد المسح الصحي لإنجلترا عام 2017 أن الرجال أكثر عرضة من النساء لزيادة الوزن أو السمنة (بنسبة 67.2% بين الرجال مقارنة بـ 61.5% للنساء)
ولكن هل يمكن أن يكون هناك تأثيرات أقوى وأعمق على مستوى خلايا الجسم؟ تقول عالمة النانو تكنولوجي الدكتورة ميشيل ديكنسون، إنه في حين أن الآليات التي تكمن وراء الاختلافات بين الجنسين معقدة وهناك بعض السلوكيات التي تظهر أكثر لدى الرجال (مثل التدخين)، لكن يبدو أن تفاعل جسم الذكر مع فيروس كورونا يختلف عن الأنثى فيما يتعلق بالعوامل المناعية والهرمونية والجينية. تقول الدكتورة ديكنسون: إنها ” ليست المرة الأولى التي يظهر فيها هذا الاختلاف بين الجنسين، إذ كان تأثير مرض سارس وإنفلونزا وإيبولا وفيروس نقص المناعة (السيدا) على الرجال مختلفًا عن النساء.
وتظهر الأبحاث أن أجسام النساء تبدي مقاومة أفضل في محاربة العدوى، وذلك بفضل الهرمونات والعديد من جينات الوظائف المناعية التي ترتكز على كروموسومات Xولا يوجد لدى الرجال إلا كروموسوم X واحد فقط. مما يعني أن النساء عادة ما يتمتعن باستجابات مناعية أقوى من الرجال، باستثناء أثناء فترات الحمل، كحالة طبيعية مؤقتة تساعد في حماية أجنتهن من مهاجمة النظام المناعي لها. ويسود اعتقاد أن هذا الأمر يرتبط بهرمون استروجين الأنثوي، الذي ثبت أنه يرتبط بالخلايا المناعية وينشط جزيئات مكافحة الأمراض. تشرح الدكتورة ديكنسون: أنه “عندما أصيبت الفئران بفيروس سارس، كانت نسبة الوفيات بين الفئران الذكور أكثر، إلى حين قام الباحثون بتجربة إزالة المبيضين (وبالتالي الإستروجين) من الفئران الأنثوية، وعندئذ ارتفعت معدلات الوفيات بين الفئران الإناث بشكل كبير.
نشرت الباحثة زوي إكسيروكوستاس من جامعة نيو ساوث ويلز مؤخرا فرضية تسمى X المكشوفة هي سبب في طول أعمار النساء مقارنة بالرجال بشكل عام. وتشرح في فرضيتها لماذا يعتبر وجود كروموسومين X متطابقين (كما هو الحال في الإناث) يعد مفيدًا لطول العمر: تشير الفرضية إلى أن وجود كروموسوم Y صغير (كما هو الحال في الذكور البشرية) يعني أنه سيكون أكثر احتمالًا للتعبير عن سمات غير مرغوب فيها إذا كان هناك خطأ ما في الجين الموجود في أحد الكروموسومات X .“في حين أن وجود كروموسوم X في الإناث يعني أنه إذا كان هناك خطأ ما في الجين الموجود في كروموسوم واحد، فمن المحتمل أن تكون لديها نسخة فعالة من هذا الجين على كروموسوم X الآخر الخاص بها وتختفي بشكل أساسي (أو تتصدى) لأي أخطاء، وبالتالي لا تعبر عن السمة غير المرغوب فيها. وأنه يمكن أن تكون هذه السمات غير المرغوب فيها أي شيء موجود على الكروموسوم X.
وتعطي الباحثة مثالًا لتبسيط الفكرة حيث تقول إن الجين المَعيب ربما يلعب دورًا صغيرًا في المناعة أو وظائف الجهاز التنفسي. وكما هو موضح من قبل الفرضية، فمن المرجح أن يعبر الرجال عن هذا الجين الخاطئ أكثر من النساء (لأن النساء لديهن كروموسوم X إضافي ومن المرجح أن تكون نسخة جيدة من هذا الجين) وبالتالي يعمل جهازهن المناعي /التنفسي بطريقة مثالية بعكس الرجال. وعادة، لن يتم ملاحظة مثل هذا الخطأ الجيني الصغير طالما أن جسم الذكر مازال قادرًا على العمل بشكل طبيعي، ولكن في حالة الإصابة بعدوى فيروس كورونا، فيمكن أن يكون عاملاً كبيرًا يؤثر على كيفية قدرة أجسام الذكور على مقاومة المرض. وتشير إكسيروكوستاس إلى أنه ثبت أيضًا أن التستوستيرون يعمل كمثبط للمناعة، وربما يكون أحد الأسباب التي تلعب أيضًا دورًا في زيادة معدلات الوفيات بين الرجال بالمقارنة مع النساء بسبب فيروس كورونا.
إلى ذلك يعزز الإستروجين الدفاعات المناعية ويعمل كمضاد للأكسدة، وفقًا لبحث علمي دنماركي، نُشر في مجلة PNAS في عام 2018، تناول أسباب طول عمر النساء مقارنة بالرجال أثناء انتشار الأوبئة. ويشير فريق البحث، الذي قادته عالمة الأوبئة البروفيسورة فيرجينيا زارولي، إلى أن أعداد الرجال، الذين يصابون بالعديد من الأمراض المعدية والفيروسية والطفيلية والفطرية والبكتيرية، أكثر من النساء قبل انقطاع الطمث. تقوم النساء بمعالجة الأكسجين بشكل أسرع من الرجال عندما يقمن بممارسة الرياضة، وفقًا لدراسة عام 2017 من جامعة واترلو. قال ريتشارد هيسون، الأستاذ بكلية العلوم الصحية التطبيقية المتخصص في أمراض الشيخوخة وصحة الدماغ بجامعة واترلو: تم التوصل إلى “أن عضلات النساء تستخرج الأكسجين من الدم بشكل أسرع، وهو ما يشير علمياً إلى تمتعهن بنظام تنفسي ممتاز”. ومن خلال معالجة الأكسجين بشكل أسرع، تقل لدى النساء احتمالات تراكم الجزيئات المرتبطة بإرهاق العضلات والإجهاد وضعف الأداء الرياضي.
وتشير الدكتورة ديكنسون إلى عنصر آخر ربما يفسر سبب قوة مقاومة النساء مقارنة بالرجال عند الإصابة بعدوى كورونا وهو بروتين يسمى ACE2. تشرح الدكتورة ديكنسون قائلة: “يفضل فيروس كورونا عند العدوى أن يلتقط الخلايا، التي تحتوي على بروتين ACE2 في سطح الجسم الخارجي. وأظهرت الأبحاث الحديثة (وإن كانت مازالت تحتاج لمزيد من المناظرات والمراجعات) على بعض مرضى COVID-19 في الصين أن مستويات بروتين ACE2 تكون أعلى لدى الرجال عنها لدى النساء، لاسيما مرضى السكري أو أمراض القلب والأوعية الدموية”. وإلى ذلك تخلص الدكتورة ديكنسون إلى أنه “على الرغم من أنه لا يزال هناك المزيد من الأبحاث التي يتعين إجراؤها، إلا أنه يبدو أن الإناث بطبيعتهن الفطرية لديهن قدرة أكبر وأكثر قوة لمجابهة مرض COVID-19.
التعليقات مغلقة.