أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

الروائية غادة سعيد: مواقع التواصل الاجتماعي عرّت بالفعل «الأصنام» الثقافية والسياسية

حوار: علي الراعي
خمسون عاماً… أكثر أو أقلّ قليلاً؛ الروائيون هم أنفسهم، الشعراء هم ذاتهم، التشكيليون هم بعينهم، وكذلك نجوم الدراما، والسينما والمسرح، وحتى القصة، وغير ذلك من وجوه قدمت نفسها، أو ثمة من قدمها على أنها «النخبة»، وكان على الجميع أن يقتنع بهذه النخبة على مدى العقود حيث قُدمت لها المنابر والتي هي من الندرة أيضاً، وكان على المتلقي الأب، وربما الجد، ومن ثم الابن وصولاً إلى الأحفاد… أجيال وهي لا تعرف في المشهد الإبداعي غير هؤلاء الذين تكرسوا بفعل أكثر من سبب ودافع… منها: أنهم جاؤوا على ساحة يبدو أنها كانت خاوية، ثم تلقفتهم إيديولوجيات بعينها حزبية ودينية وقومية، وبعد ذلك جرى نفخهم حتى مرحلة الانفجار، وهو ما كشفه إفلاسهم في العقود الأخيرة عندما بقوا يراوحون عند «بيضة الديك» والنجومية البائدة.
إلى أن كان عصر الفيسبوك؛ الذي كشف كل تلك الهشاشة، أو على الأقل أنها لم تكن الوحيدة على الساحة، وأمثالها كثيرون جداً تمّ غمرهم وإهمالهم في الظل، وقد احتكرت المنابر… لكن مع «ديمقراطية النشر الإلكتروني» انكشف الجميع، وما تمّ التعتيم عليه خلال نصف قرن انكشف خلال سبع سنوات هي عمر الحرب على سوريّة… كيف تمّ ذلك؟ هو ما سنعرفه في تفاصيل هذا الحوار مع الأكاديمية السورية المقيمة في البرتغال غادة سعيد، التي طالما رصدت المشهد الثقافي عن قرب شديد، ومن ثمّ عن بعد ومن مسافة… تقول غادة سعيد أستاذة الأدب المقارن في جامعة بورتو – البرتغال وجامعة مدريد إسبانيا:
الأصنام الثقافية
نعم لقد عرّت مواقع التواصل الاجتماعي بالفعل «الأصنام» الثقافية والسياسية بشكلٍ كامل، وكسرت «قداسة النخب» أو ما يطلق عليه الفرنسيون مثلا «لاكريم دو لاسوسيتي» أي «قشدة المجتمع». تلك الأصنام التي صنعها الإعلام التقليدي الذي كان وما زال متحكماً… غالباً هي أدوات تدين بالولاء للسلطة السياسية، أو لبعض الأحزاب المعارضة من خلال صحفها ومنابرها، ومن ثمّ لم يكن النقاش حول الأعمال والمؤلفات يمر بشفافية، بحيث أن طرق مناقشة تلك الأعمال تأتي عبر الصحف على شاكلة مقالات للمدح وإعطاء صورة جميلة وقوية وعاطفية عنها، أو من خلال محاضرات «يتقيأ» فيها أحدهم على الجمهور من دون أن يفسح المجال للنقاش وبأعذار واهية وأهمها ضيق الوقت!
وترى سعيد؛ أن مواقع التواصل الاجتماعي فتحت باب الحرية على أوسع نطاقه، لدرجة أن السرعة والحق في المعلومة والنقاش والتعليق أعطيا مصداقية للمؤلفات ولقراءات مختلفة ومن عدة زوايا… وبما أن هامش حرية التعبير في وطننا العربي كانت وما زالت ضيقة، ذهب أكبر رواد مواقع التواصل في إحداث أسماء مستعارة حتى يتمكنوا من ممارسة حريتهم ونقدهم اللاذع وأحياناً الجارح والمتطرف بكل حرية. وتضيف: في الغرب مثلاً، ومنذ بداية القرن كانت الأسماء المستعارة تشكل «نخبة» ثقافية ضرورية للتحايل على القوانين خاصة قوانين الجوائز مثل: «رومان غاري» سنة ١٩٨١، واسمه الحقيقي هو «رومان كاسو» نال جائزة «غونكور» باسمين مختلفين في حياته، وهذه الجائزة مثلاً من أهم شروطها أنها لا تمنح لأي كاتب مرتين… لكنها لا تشترط إدلاء بطاقة التعريف حتى يترشح لها شخص ما، لأن من يُرشح «الكتاب أو المطبوع» هي هيئات مستقلة مثل دور النشر أو النقاد أو الصحافة أحياناً، ورقم مبيعات الكتاب وعدد طبعاته التي تكون أرقامها شفافة وموضوعة تحت رهن الجمهور وخاضعة للضريبة ولمراقبة وزارة المالية لفرنسا… مثلاً الكاتبان الإيطاليان ألبرتو مورافيا وجيروجيو باساني، وهما اختارا اسمي ألبرتو بينتشرلي وجيورجيو مارتشي هربا من الرقابة الفاشية.
الأسماء المستعارة
على كلًّ في الأدب معايير وأبعاد أخرى وللأسماء المستعارة موازين تتلاعب بنجاح العمل أو فشله. جورج إليوت، ا.م.برنارد، هاربر لي، جورج ساند وغيرها من الأسماء، ما كانت إلا تذكرة للوصول إلى النجاح الأدبي، وشخصيات وهمية أوجدتها أقلام نسائية، لتتكفل هذه الأسماء المستعارة بضمان وصول العمل الأدبي إلى أيدي القرّاء… «ستيفن كينغ» كتب عددًا من رواياته باسم ريتشارد باشمان، وتمكن بذلك من تجنّب شروط ناشره بعدم نشر أكثر من كتاب واحد سنوياً… الأسماء المستعارة في الأدب الغربي الحديث والمعاصر، خُلقت معظمها كما قلت للتحايل على القوانين الأوروبية في الجوائز وللاستفزاز أحياناً، ويبقى الكشف عن صاحبها هو سبق «صحفي» محض، وليس بوليسي، ولا يعد جريمة، لأن الكاتب الذي اعتمد اسماً مستعاراً ليس في نيته ربح الجائزة المالية، بل إيصال فكرته وانتشائه بالانتصار العلمي والأدبي، وهو من يرفع شعار: القوانين وضعت لتخترق.
أما لماذا الاسم المُستعار؛ فتردف غادة: الكاتب هنا يُرسل نوعاً من الاحتجاج عن منظومة قانونية تحاول أن تمنح جوائزها مساواة بين كل الأقلام، كيفما كانت… وهو ما يحثنا على أن نتساءل: من أعطى لهؤلاء «الأصنام» العربية صفة الانتماء «للنخبة الثقافية» أو أن يكونوا «قشدة» في بلدانهم؟ عن ذلك تُجيب: باعتباري دكتورة «أدب مقارن» وناقدة وأكاديمية في جامعة بورتو – البرتغال، عادة نناقش الكتاب كنص أدبي محض وفق مدارس نقدية وقواعد علمية لا غبار عليها، حتى لو أتى ذاك النص بأفكار متطرفة وليست في صالح سلطة ما. لأن ما يهمنا هو جمالية النص كنص أدبي أو فلسفي. ولا ننظر من هو صاحبه… كما نجد من بين الأدباء العرب الجزائري «محمد مولسهول» الذي اعتمد في بداياته اسم زوجته «ياسمينة خضرا» لأنه كان لا يزال ضابطاً في الجيش، ولم يكشف هويته الحقيقية إلا عند انتقاله إلى فرنسا. مشكلة البلدان العربية وبالأساس يهمها معرفة الهوية الشخصية «للكاتب أو الكاتبة» ولأي جهة ينتمي وما ديانته وأصله ونسبه، وهي ممارسات بوليسية تحد من الابتداع، بحيث أن «تخوين» شخص ما هو شعار مجتمع حتى يُثبت العكس… عدم الشعور بالحرية هذي عجلت بظهور أسماء عربية هي الأخرى حاولت أن تجد لها موطئ قدم في الساحة الثقافية وخاصة الأسماء النسائية بسبب «ذكورة» المشهد الثقافي العربي مثل: يمنى العيد الناقدة اللبنانية المشهورة واسمها الحقيقي هو: حكمت المجذوب الصبّاغ… هذي السيدة مثلاً كان الخوف على حياتها هو أحد الأسباب الرئيسية التي دفعتها للتخفي، والكل كان يعرف ظروف لبنان وجرائم العدو الصهيوني والطائفية، وانتمائها للحزب الشيوعي اللبناني.
استثنائيون
هل يعني أن لا نخبة في العالم العربي؟؟ تُجيب غادة سعيد: على العكس الأدب العربي يزخر بالأدباء الاستثنائيين، ومن يصلح إطلاق عليهم «النخبة الثقافية» هم من قدّموا إنتاجاً إبداعياً مُلفتاً، منهم: السعودي عبد الرحمن منيف، والمصريون إحسان عبد القدوس، ونجيب محفوظ، ويوسف زيدان، واللبناني ربيع جابر، والسوريون: غادة السمان ومحمد الماغوط، وحنا مينة، والفلسطينية مي زيادة، وغيرهم. لكن محنة جيل مواقع التواصل الاجتماعي مثلاً، يعرفون الجزائرية أحلام مستغانمي رغم تواضعها أدبياً مقارنة مع واسيني الأعرج الجزائري الآخر، لأن إنتاجها يتسم بغياب المخيلة والتواضع في جمالية أبجديات النص كما هو محدد في مدارس النقد الحديثة… لكن هناك افتتان بنتاجها الروائي بالنسبة للجيل العربي الشاب على مواقع التواصل الاجتماعي، فثلاثيتها الأشهر (ذاكرة الجسد، فوضى الحواس، عابر سرير) وهي أكثر الروايات معرفة بالنسبة للشباب؛ تتبع سياسة التنميق والبهرجة في الكلمات والألفاظ، وتحوي بعضاً من السجع والصور والتناص فمستغانمي محترفة في اللغة، إلا أنها تفتقر للحبكة والمخيلة والقصة، وقارئ الثلاثية لن يجد مساراً قصصياً واضحاً وتصاعد للحبكة العامة. كما لن يجد حبكات فرعية مكمّلة، بل سيقرأ مجموعة من الكلمات المصفوفة بعناية منمّقة ومشدودة من دون داع أو مسوغ أو سبب. كما سيلاحظ أن الروايات الثلاثة متطابقة فكرياً وقصصياً (على تواضعها القصصي)، ولا تحوي أي طروحات إنسانية أو حياتية أو اجتماعية، باستثناء حب ضائع وعلاقات غرامية مبتذلة على طريقة الدراما التركية. الشهرة الكاذبة والكبيرة التي تتمتع بها مستغانمي دعائية في المقام الأول، ولا ترتبط بقدرات روائية أو أدبية، بل ترتبط بطبيعة النِتاج المقدّم ومع ذلك يصنفونها داخل خانة «النخبة الثقافية».
حديقة أدباء
هل نعوّل على مواقع التواصل الاجتماعي لتصويب ما التبس؟ تُجيب غادة: نعم لقد أضحت مواقع التواصل الآن مشتلاً وحديقة لأدباء حقيقيين يمتلكون الحس الأدبي، ولهذا نجد أن دور النشر والصحافة بدأت تلتفت إليهم وإلى كتاباتهم وتشجعهم بل تتواصل معهم وتعرض عليهم «احتضانهم»، رغم الشروط المجحفة والقوانين الغامضة والفضفاضة، فهؤلاء الكتاب الجدد يقتنصون الفرصة أملاً في إيجاد شروط أفضل، وهناك أسماء كثيرة جداً تستحق الالتفاتة إليها. كما وجب تغيير قوانين النشر في وسائل الإعلام مع خلق آليات جديدة لنظام الجوائز تكون مرنة وتحت إشراف مختصين أكاديميين بعيداً عن الولاءات
* «الشهرة الكاذبة التي تتمتع بها أحلام مستغانمي دعائية في المقام الأول، ولا ترتبط بقدرات روائية أو أدبية، بل ترتبط بطبيعة النِتاج المقدّم ومع ذلك يصنفونها داخل خانة «النخبة الثقافية» .

التعليقات مغلقة.