فقد تم التعبير عن الشعور بالتضايق الشديد من مواقف رئيسة حزب المعتدلين (وسط اليمين) آنا كينبيرغ باترا، التي انتقدها بعض أنصارها وتخلى عنها حلفاؤها التقليديون وتراجعت شعبيتها على مستوى استطلاعات الرأي، مما أدى بها إلى إعلان استقالتها من رئاسة حزب المعتدلين المحافظ.
وقالت آنا كينبيرغ باترا (47 عاما)، خلال مؤتمر صحفي أمس الخميس، “أقدم استقالتي من رئاسة الحزب. وهذا لا يعني حل مشاكل الحزب الحالية”، معلنة تخليها عن قيادة الحزب بعد تسعة أشهر من انتخابها في يناير الماضي على رأس أكبر حزب معارض في البلاد.
وأضافت “أنا أقبل النقد، وهذا جزء من العمل، ولكن لا أعتقد أن الناخبين سيعجبون بما نقوم بتقديمه لهم حاليا”، في إشارة إلى الضرب تحت الحزام الذي تعرضت له من قبل مسؤولين في الحزب مما قد “يدفع فقط إلى تشويه سمعته”.
وكانت تعقد آمال كبيرة على آنا كينبيرغ باترا لقيادة ائتلاف (المعتدلون، الوسط، الليبراليون، والحزب الديمقراطي المسيحي) لتحقيق الفوز خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة، وطلبت من لجنة الترشيح الدعوة إلى عقد اجتماع استثنائي لانتخاب رئيس جديد لحزب المعتدلين المحافظ الذي تأسس سنة 1904.
وتأتي هذه الاستقالة في وقت شهد فيه الحزب تجاذبات داخلية بعد أن قامت آنا كينبرغ باترا، في يونيو الماضي، بطرد اثنين من القياديين البارزين، وهما الكاتب العام، والناطق باسم الحزب المعارض الرئيسي، مما أثار أزمة ثقة سواء بالنسبة لها أو لحزبها.
وكان العديد من الأعضاء في الحزب قد طالبوا مرارا برحيل آنا كينبيرغ باترا عن قيادة حزب المعتدلين ذو التوجه الليبرالي المحافظ الذي يسير 11 مقاطعة إقليمية ويتوفر على تنظيم شباب موازي، محملين إياها مسؤولية تراجع الحزب في استطلاعات الرأي.
وأظهر استطلاع للرأي، أجرته هيئة الإحصاء السويدية في يونيو الماضي، أنه تم إبعاد حزب المعتدلين من قبل حزب “ديمقراطيو السويد” (حزب يميني متطرف مناهض للهجرة) كثاني أكبر حزب سياسي في البلاد.
ويدفع حزب المعتدلين حاليا ثمن التقارب الذي قامت به زعيمتهم المستقيلة منذ أوائل يناير الماضي مع حزب “ديمقراطيو السويد” المكروه من قبل الطبقة السياسية، وهي خطوة ارتدت على هذا الحزب مما أثار أسئلة حول هويته التي اعتبرت بعض الأوساط أنها بدأت في الانحراف.
وتبدو آنا كينبرغ باترا غير آسفة على التقارب مع هذا الحزب رغم أن استطلاعات للرأي قد كشفت تراجع شعبية حزب المعتدلين إلى 17.2 في المائة من نوايا التصويت، أي أقل بكثير من 23.3 في المائة التي حصل عليها في الانتخابات الأخيرة التي جرت في سنة 2014.
واتخذ حزبا الائتلاف المعارض الآخرين (حزب الوسط، والليبراليون) مؤخرا مسافة من خطوة حليفهم بسبب تقاربه مع “ديمقراطيو السويد”.
وقال ماغنوس هاغيفي، الباحث في العلوم السياسية بجامعة لينيوس، “إذا حافظوا (المعتدلون) على هذا المستوى خلال سنة 2018، فسيشكل الأمر أزمة بالنسبة لهم”، مشيرا إلى أنه من السابق لأوانه الجزم بما يمكن أن يحدث، و”لا يوجد في الوقت الحالي أي مؤشر على الانتعاش”.
من جهته، اعتبر نيكولاس أيلوت، الباحث في العلوم السياسة، أنه لم تتح لحزب المعتدلين الفرصة للتعبير، أو حتى النظر فيما كان يتوقعه من آنا كينيبرغ باترا، وكذا فرصة شرح ما تعتزم القيام به كرئيسة للحزب.
وأكد أنه “قد تكون غابت عن كينيبرغ باترا بعض سمات الشخصية المناسبة لرئيس وزراء طموح”، مضيفا أنها واجهت أيضا وضعا صعبا لكون “النظام الحزبي السويدي بأكمله يناضل من أجل التكيف مع وجود حزب ديمقراطيو السويد، الذي يعتبر اليوم حقيقة داخل الحياة السياسية”.
وأكد أن حزب المعتدلين بمنحه هامشا محدودا لزعيمته للمناورة، لم يقم بأي شيء لصالح تحقيق طموحاتها.
وفي الوقت الذي يعد فيه المعتدلون خسائرهم، ارتفعت نسبة تأييد حزب الوسط بقيادة آني لوف بنحو 1.2 في المائة ضمن نوايا التصويت، لتصل إلى 12.1 في المائة، أي ضعف ما حصل عليه منذ سنة 2014.
وقال هاغيفي “مع وجود حزب وسط عميق الجذور، لا يوجد سبب حقيقي للناخبين الذين غادروا المعتدلين للعودة إليه”، مضيفا أنه “إذا استمر هذا الاتجاه، فذلك يعني زلزالا هاما في التحالفات التي تحدد حاليا السياسة السويدية”.
وأصبح حزب الوسط بعيدا عن المعتدلين، حيث أشارت زعيمته بوضوح إلى أنها تفضل العمل مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي (ضمن الائتلاف الحاكم مع الخضر) على إجراء تقارب خطير مع “ديمقراطيو السويد”، الحزب الذي يستمد جذوره من حركة النازيين الجدد.
واعتبر هاغيفي أن هذا قد يعني أنه “ستكون هناك عودة في المستقبل إلى ما كان يسمى سابقا ب ( الأحزاب الوسيطة ) داخل الحياة السياسة السويدية”، وهو توصيف يستخدم للإشارة إلى حزب الوسط والليبراليين في سنوات سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
ويمكن أن يؤدي هذا السيناريو إلى كتل سياسية رئيسية هي، ائتلاف الحمر-الخضر (الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وحزب اليسار، والخضر)، وأحزاب الوسط، والأحزاب اليمينية (المعتدلون، ديمقراطيو السويد، والمسيحيون الديمقراطيون).
وتأتي هذه التطورات داخل المعارضة السويدية في الوقت الذي يعبر فيه حزبا الائتلاف الحاكم وهما الاشتراكي الديمقراطي، وحزب الخضر، عن رضاهما بنسبة نوايا التصويت التي حصلا عليها (35.6 في المائة)، مقابل 37.6 في المائة لأحزاب المعارضة (الوسط، الليبراليون، حزب المعتدلين، الحزب الديمقراطي المسيحي)، في حين حصل حزب ديمقراطيو السويد على 18.4 في المائة، وحزب اليسار 6.3 في المائة، والأحزاب الأخرى 2.2 في المائة.
وأظهر استطلاع جديد، صدرت نتائجه قبل يومين، حول هوية رئيس الوزراء المقبل لقيادة البلاد بعد الانتخابات العامة لسنة 2018 أن رئيس الوزراء الحالي ستيفان لوفين (الحزب الاشتراكي الديمقراطي) قد يحصل على أكبر نسبة تأييد بنحو 24 في المائة، في حين أن حصلت آنا كينبرغ باترا، التي تعتبر تقليديا أكبر منافسيها، على 6 في المائة فقط.
حسين ميموني : م.و.م.ع.أ
التعليقات مغلقة.