أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

السياسات العامة وإشكالية العلاقة مع الفاعلين

إعداد عبد الواحد بلقصيري / باحث في علم الاجتماع السياسي بجامعة بن طفيل بالقنيطرة

يستند هذا الجانب من التغييرات على اعتبار أن السياسات العامة هي نتيجة لإرادة الفعل وللمشروع السياسي للفاعلين، التنظيم الذي ينتمون اليه والتحالفات القائمة بينهم وطبيعة وحجم الصراعات التي تحدد علاقاتهم، بذلك تشكل تكثلات ترافعية، فالفاعلون هنا يشكلون مجموعات او تنظيمات مترابطة فيما بينها داخل المجتمع، وتشتغل من خلال تشكيلات وفي ذات السياق، فإن الفاعل السياسي لا يمكن اعتباره مجرد عنصر فقط داخل النسق يتم اختزاله في ادوار اجتماعية؛*1*

 

كما دافع عن ذلك دفيد ايستون  والابيغ، لان ذلك من شانه يؤدي الى اعمال ذاتيه الفرد، حسب تعبير بارل والطابع اللامنطقي لتصرفاتهم مقارنة مع هذه الادوار هكذا يقترح بارل ضرورة اعتبار الفاعلين بمثابة انساق، وهو التعريف الذي طوره مورين، عبر التأكيد على الطابع المركب والمعقد الفاعل الاجتماعي.*2*

 

اذن، إن السياسات العامة هي عبارةٌ عن نظامٍ معينٍ تسعى الحكومة المحليّة في الدولة إلى تطبيقها، والتحقق من التزامِ الجميع في هذه السياسة، سواءً كانوا مؤسسات او افراد، وأيضاً تُعرفُ السياسةُ العامة بأنها برامج عمل حكومية تحتوي على مجموعةٍ من القواعد، والتي يجب ان تلتزم الحكومة بتطبيقها،  نجد أيضا تعريفات أخرى للسياسة العامة: فهي تعرف كمجموعةٌ من الاتجاهات الفكريّة التي تسعى الحكومات إلى تنفيذِ الأهداف الخاصة بها، من خلال الاعتماد على مجموعةٍ من الأدوات والوسائل، وقد تشملُ السياسةُ العامة تقديم مجموعةٍ من الفوائد العامة، مثل توفير الشبكة الطرقية المناسبة مما يساهم في المصلحة العامة للساكنة والمجتمع.*3*

 

يعرف المعهد العالي للدراسات العمومية في فرنسا السياسة العمومية على أنها: “هي مجموع القرارات والأعمال والتدخلات المتخذة من قبل الفاعلين المؤسساتيين والاجتماعيين لأجل إيجاد الحلول لمشكل جماعي”،  بينما يذهب الباحثين الفرنسيين ـ مينه و جون كلود ـ في كتابهما السياسة العمومية ويعرفانها على أن  السياسة العمومية برنامج عمل حكومي فيقطاع اجتماعي أو مجال جغرافي.

وباعتبار أن السياسات العمومية تندرج تحت قائمة التخصصات الأكاديمية، فإنها تحمل في دراستها بعض عناصر العديد من مجالات ومفاهيم العلوم الاجتماعية بما في ذلك مجال الاقتصاد، وعلم الاجتماع، والاقتصاد السياسي، وتقييم البرامج، وتحليل السياسات، والإدارة العامة، على أن يتم تطبيق كافة تلك المجالات على المشكلات الخاصة بالإدارة والتسيير والعمليات الحكومية. وفي نفس الوقت، تختلف دراسة السياسات العمومية عن العلوم السياسية أو الاقتصاد، من حيث تركيزها على تطبيق النظرية من خلال وضعها في حيز الإطار العملي.

 

يظل “مفهوم السياسات العامة موضوع عدة تعاريف تعكس على مر السنين مدى تعقيد مجال الدراسة السياسية هذا، وممارسة السياسة العامة نفسها” . فمدلين غرافيتز وجان ليكا وجان كلود ثوينيج (1985)، يعتبرون السياسات العامة “تدخلات سلطة مخولة للسلطة العامة والشرعية الحكومية في منطقة محددة من المجتمع أو الإقليم” .

ومن زاوية أخرى يرى جان تورجون وجان فرانسوا سافارد (2012) أن السياسة العامة قد تكون وثيقة أو عملية، وهي وثيقة أعدتها الجهات الحكومية الفاعلة لعرض رؤيتها لمسألة يمكن معالجتها عن طريق العمل العام، بيد أنه يمكن وصف الجوانب القانونية والتقنية والتنفيذية للدعوى العامة بأنها سياسة عامة، *4*

 

وقد تكون أيضا عملية يقرر فيها الساسة المنتخبون الإجراءات العامة بشأن قضية يتطلب بعض صناع القرار العام الحكومي وغير الحكومي اتخاذ إجراءات بشأنها.

 

بما أن السياسة العمومية تتخذ رسميا باسم جهاز الدولة فإن لهذا الاعتبار تبعات مهمة وأساسية، وهذا ما يمنح للسياسات العمومية مميزات خاصة تنفرد بها وتعطيها أهمية بالغة. 

فالسياسة العمومية تعبر منطقيا وافتراضيا على الأقل عن المصلحة العامة، ثم إنها تصدر في إطار محدد مسبقا من المشروعية، ومن المفترض كذلك أن تعبر السياسة العمومية عن درجة محترمة من الانسجام، وأخيرا فإن ضخامة فعل السياسة العامة وخطورة المصالح التي تمسها تتطلب درجة كبرى من الواقعية لكي لا تؤدي السياسة العامة إلى إثارة آثار عكسية غير مرغوب فيها.*5*

المراجع والهوامش :

  Cirille Nyeck, Politique publique, dans : Dictionnaire d’administration 1-publique, 2014, pp 384-385.

2-  عبد الله شنفار، مرجع سابق، ص 88.

3-Pierre Muller, Les politiques publiques, PUF, Paris, 2009.

4-Cirille Nyeck, Politique publique, dans : Dictionnaire d’administration publique, 2014, pp 384-385.

التعليقات مغلقة.