فدوى قرقوري
تعتبر عملية صنع القرار من الوظائف الأساسية التي مارسها الإنسان عبر مراحل حياته الاجتماعية رغم اختلاف طرق أساليب ممارستها حسب الظروف السائدة في كل زمان ومكان .
كما تعتبر من العمليات الأساسية سواء على مستوى التنظيمات الخاصة كالأسرة ، أو التنظيمات الكبيرة ، مثل الدولة و المؤسسات ، و هذه الأخيرة تتكون من مستويات إدارية مختلفة تعمل بشكل متكامل و متداخل لتحقيق أهدافها ، و لا شك أن هناك أنماط إدارية مختلفة لكيفية تنظيم العلاقة بين المستويات الإدارية حسب طبيعة و أهداف المؤسسات .
و قد عرف المغرب منذ القدم أشكالا معينة من التدبير الجماعي، في إطار ما كان يطلق عليه آنذاك بمؤسسة”أجماعة”، هذه الأخيرة، اعتبرت أهم مؤسسة لتدبير شؤون القبيلة على المستوى الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي، انطلاقا من الأعراف المحلية التي كان يتفق عليها سلفا. لكن ما فتئت هذه المؤسسة أن اختفت بعد دخول الحماية للمغرب، و التي بادرت إلى تقنينها عبر إطارات قانونية ساهمت في تراجع سلطة الكيانات المحلية التقليدية، و ذلك منذ إصدار ظهير 21 نونبر 1961 المتعلق بإنشاء جماعات على مستوى القبيلة، حيث اقتصرت مهمة مجلس “أجماعة” على وظائف استشارية دون التصرف في أبسط القضايا المحلية بالشكل التقليدي الذي كان سائدا .
و قد استمر هذا الوضع حتى حصول المغرب على الاستقلال، حيث أصبحت الرغبة ملحة في إعادة الاعتبار للجماعة، من خلال وضع ترسانة من القوانين التي تهدف لتنظيم المؤسسة المحلية عبر نهج سياسة لامركزية تتماشى و وضعية المغرب المستقل. و قد تجسدت هذه الرغبة بإصدار أول ظهير للتقسيم الإداري سنة 1959، تلته مجموعة من الظهائر والمواثيق الجماعية سنوات : 2009-2002-1976-1960؛ وصولا إلى القوانين التنظيمية الجديدة للجماعات الترابية سنة 2015 .
و رغم ما تضمنته تلك المقتضيات القانونية من آليات لتدبير الشأن المحلي، فإنها انحصرت في نطاق تفعيل الديمقراطية التمثيلية، و هو ما حاول المشرع المغربي تجاوزه من خلال إشراك المواطن في تدبير العملية التنموية على المستوى المحلي من خلال أطر و آليات قانونية تتضح جليا في مجموعة من المقتضيات التي نص عليه دستور 2011، و التي تعد ترجمة للرغبة في اعتماد القرار المشترك بعد أن كان قرارا انفراديا صادرا عن تلك المؤسسات المحلية .
و يمكن القول، أن مرد ذلك يعود إلى مركزية مفهوم التدبير التشاركي ضمن التوجهات العالمية التي تدعو إلى إشراك أو مشاركة أفراد المجتمع في القرارات التي تهمهم و تعمق الأفكار الديمقراطية، حيث ظهرت رؤى فلسفية جديدة داعمة لنظام الحكامة تؤكد على أهمية إدارة السكان المحليين لشؤونهم المختلفة من خلال مجالس محلية و منظمات مجتمع مدني فعال .
و على هذا الأساس، فإن صناعة القرارات التنموية تتطلب إشراك كافة الفاعلين، و تسليحهم بالآليات القمينة بأجرأة مشاركتهم في صناعة القرار على أرض الواقع، و لا نود أن نغفل الأهمية القصوى لوضوح الاختصاصات، فكلما كان هناك عدم تشابه و تداخل الاختصاصات كلما كانت الالتقائية في البرامج العمومية حاضرة، و بالتالي عدم الإضرار بالتنمية وخلق دينامية مجالية، قادرة على تحقيق تنسيق بين مختلف السياسات العمومية .
التعليقات مغلقة.