أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

السياسة وصديقي الإسلامي

رشيد بوشمة

تعالوا إلى كلمة سواء ”

السياسة في اللغة  الأمروالنهي بالتولي ، وٱصطلاحا رعاية شؤون الدولة الداخلية والخارجية ، وإجرائيا هي تحديد من يحصل على ماذا ومتى وكيف ، وعند الشيوعيين هي دراسة العلاقة بين طبقات المجتمع ، وعند الواقعيين هي فن الممكن من حيثُ تغييرُ الواقع لا الإستسلام له ؛ والسياسة في عمومها علاقة بين الحاكم والمحكوم بمقتضى عقد ٱجتماعي هو الدستور وما تنجم عنه من قوانين لازمة وملزمة من حيث المبدأ ، لأن الأصل في السياسة أنها القيام على الأمور بما يصلحها فتكون الطرائق والسبل والوسائل وكذا الإجراءات المتخذة مشروعة لا يعتريها اللبس والمراوغة . وقد تطورت السياسة وأساليبها بوتيرة سريعة في كل فترة تاريخية مهمة شكلت مخاضا لأحداث غيرت معالم الواقع في العلاقة بين الجماعات الكبرى والدول .

وكان ذلك ملحوظا بشكل لافت إثرصلح وستفاليا 1648 ثم مؤتمر فيينا 1815 ومجمل المحطات المحورية الكبرى التي عرفها العالم  كالحملة الفرنسية والإحتلال البريطاني وسقوط الخلافة العثمانية والحرب العالمية الأولى والثانية وكذا الحرب الباردة  وأحتلال فلسطين  وسقوط الإتحاد السوفياتي 1991 وحرب الخليج الأولى والثانية وسباق التسلح النووي وهيمنة رأس المال والقطبية الأحادية والعولمة وظهور تيار الإسلام السياسي الذي يحاول طرح منظومة سياسية تتسم وتتميز بالأخلاق ، إلا أن تشتت الصف الإسلامي والتباين الصارخ بين التنظيمات الإسلامية ، بل والتناقض الجلي بين طرحها وحالها وقف حاجزا دون القدرة على التطبيق والتنزيل الواقعي والفعال لكل ماهو نظري ومثالي . وكما أشار مالك بن نبي فإن  الفكر الإسلامي الحديث في العالم الإسلامي هو في ذاته عنصر متنافر؛ لأنه اقتباس لا يتفق وحالة ذلك العالم، ذلك أن المسلمين في هذا الميدان أو في غيره لم يبحثوا عن وسائل لنهضتهم بل اكتفوا بحاجات قلدوا فيها غيرهم. والحقيقة أن ٱفتقار الفكر الإسلامي في عمومه ، والسياسي جزء منه ، إلى المراجعة والنقد الذاتي هو ماجعله بعيدا عن الواقع مكتفيا بالوجود الحسي عن التواجد الفعال ، مع وقوعه في وهم حيازة الصواب وٱحتكاره لمجرد أن مرجعيته إسلامية ومتصلة بفهم النص الشرعي وممارسته ، وبالتالي ، فإن فكره وممارسته تعتبر ٱمتدادا للمنهج النبوي الشريف وتطبيقا لأوامر الله عز وجل، ومن هنا كلُّ من خالفهُ خالفَ المنهج .

وقد ٱستقى التيار الإسلامي جزأ من هذا الفهم بناء على ما تتسم به الديموقراطية الغربية في بعض مفاهيمها من مخالفة للقانون الأخلاقي وتعارض مع المصالح الإنسانية العامة ، فركزوا بذلك على ضعف الأخلاق الذاتية عند الآخر وأغفلوا قوة الأخلاق الموضوعية مع الأخذ بعين الإعتبار النسبة والتناسب ،فلا مجال هنا للإطلاق . وهذا تغطية فادحة لعجز الإسلام السياسي عن تقديم نماذج وبرامج سياسية ناجعة تُنجح الحكم وترتقي بالأخلاق . والشواهد على ذلك كثيرة لا داعي للخوض فيها ، فالمطلوب الجمع لا التفريق ، والإصلاح لا الهدم ، والصلح لا السجال السلبي ، لهذا وجب توحيد الجهود والصفوف والإشتغال في المشترك أولا ، وخدمة مصالح البلاد والعباد، فالقضاء على الإختلاف غاية لاتدرك ، وٱختلافنا ٱختلاف تنوع وإثراء ، وإن ما يجعله ٱختلاف تضاد وتعاكس وتناحر هو ٱنتصارنا للذات والزعماء والتنظيمات ،” تعالوا إلى كلمة سواء “، ولِعِظم الآية الكريمة وما دعت إليه من صلح يحتمل أنها نزلت مرتين ،  مرة قبل الحديبية ، ومرة بعد الفتح ؛ فنحن الآن في أمس الحاجة لنزولها مرة أخرى ـ وهذا على وجه المجاز ـ أي بحاجة ملحة إلى تنزيلها وتطبيقها . نحن مطالبون اليوم – أكثر من أي وقت مضى بالاستفادة من التجارب السالفة  ودراستها بجدية و وعي، كي نتعلم منها ونعمل لتحقيق هدف الوحدة الذي تتوق إلية أمتنا ؛ الطريق طويل ، لكن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة . لنخدم بلدنا ، لنصلح أوضاعنا بالتغيُّر قبل التغيير ، بمحبة الآخر ونبذ الخصومة والبعد عن الحزازات والخلفيات والشوفينية ؛ ” تعالوا إلى كلمة سواء ” .

التعليقات مغلقة.