واقع الشأن الثقافي بتازة يدعو لوقفة تأمل مع سبل إعادة الاعتبار
عبد السلام انويكًة
هل باتت تازة بحاجة أكثر من أي وقت مضى لاسترجاع ما كانت عليه من تاريخ ومجد ثقافي؟ بما فيها الدينامكية السينمائية، في أفق ما ينبغي بالمدينة من جد لفكر وإبداع وفن وتعبير رافع، فضلا عن جسور فن سابع بناء، عبر أندية الجامعة السينمائية وفعالياتها، التي كانت تنظم ولا تزال هنا وهناك ببعض المدن. نظرا لِما يسجل بتازة من هشاشة ذات صلة لدرجة البياض والفراغ والهدر. اللهم ما طبعها لفترة من موعد لسينما الهواء الطلق الذي بلغ دورته الوطنية الخامسة.
وقد شكل منصة حوار وتبادل ثقافي وتلاقح بين مبدعين سينمائيين على تنوع مشارب اهتماماتهم، وأدوارهم وتجاربهم، وأعمالهم وتباين قناعاتهم، الفنية والإبداعية، وخطوط تحريرهم. فضلا عما كان عليه هذا الموعد أيضا. من أنشطة وورشات تأهيل وتكوين نظري وعملي. استهدفت تطوير مهارات المشاركين على مستوى السيناريو والتحليل الفيلمي والنقد السينمائي والإنتاج …
وعليه، أمام ما هناك من خواء غير خاف، وبعد محطات ومن ثمة ذاكرة طبعت المدينة، أليس من المفيد، إعادة الاعتبار لتازة الثقافة والإبداع؟ ومن خلالهما ما هو سينما عبر تجديد نادي الفن السابع بها؟.
باعتباره إطار جمعويا، بقدر ما يعد أحد تجارب الأندية السينمائية وطنيا، بقدر ما كان إسهاما تعززت ونشرت الثقافة السينمائية بالمدينة لسنوات. ولعل من شأن إحياء فعل الجامعة الصيفية للأندية السينمائية بتازة الذي توقف منذ حوالي ثلاثة عقود، أن يكون بأثر رافع للجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب (جواسم)، إثر ما يلاحظ بالمدينة من تراجع ثقافي عموما، خاصة ما هناك من سنوات عجاف سينمائية من حيث الجوهر والبنية وليس الحدث، بعد عطاء وفعل وحضور معبر منذ ثمانينات القرن الماضي.
ومن شأنه أيضا تحقيق ما ينبغي من تلاقح بين التجارب السينمائية وبين خلف وسلف، فضلا عن تحقيق ما يجب من خبرة وسبل تدبير واحتضان وتقاليد مواعيد سينمائية، ملتفتة لمواهب أنجزت وتنجز أفلاما بإمكانات محدودة هنا وهناك من الأمكنة النائية، عبر ما ينبغي من تكوين مع خلق فضاءات لعرض أفلامهم ومناقشتها تعميما للفائدة في أفق سينما مبدعة ومتجددة وحاضنة.
يذكر أن مسار وعُمر الأندية السينمائية بالمغرب هو بحوالي قرن من الزمن، وفضلا عما كانت عليه من أدوار وخلفيات استعمارية خلال فترة الحماية، فقد ارتبطت أنشطتها بمدن المغرب ذات الجالية الأجنبية المهمة المقيمة بها، وكذا التي كانت بطبقة عمالية وحركة اقتصادية وتجارية وكذا الثقافية.
باتت الأندية السينمائية بحضور مغربي تبلور في تنظيمات انفتحت وتوجهت بعنايتها لما هو محلي ووطني، وهنا يصعب القفز على فقيد السينما المغربية الأستاذ نور الدين الصايل رحمه الله، الذي يعد جزء من ذاكرة وحركة الأندية السينمائية مطلع سبعينات القرن الماضي، بحيث إليه يرجع فضل تأسيس “جواسم” رفقة ممثلي بعض الأندية السينمائية على مستوى بعض المدن المغربية التي كانت حينئذ نشيطة في هذا المجال. فكان رئيسا لأول مكتب وطني للجامعة حتى مطلع الثمانينات.
هكذا كانت الأندية السينمائية بالمغرب محطة انتقالية في تاريخ السينما المغربية على عدة مستويات، فضلا عما طبعها من تطلعات ورؤية استشرافية تخص ما هو هيكلة وتنظيم ودمقرطة ثقافية وفنية وطنية. وهو ما ينبغي تثمينه من قبل الخلف السينمائي المغربي والجيل الجديد من الفاعلين في المجال، في أفق السير قدما بحاجيات السينما المغربية الحقيقة في زمن العولمة وسرعة التحول وتطور وتدفق القيم، لتجاوز ما لا يزال من صعاب تحول دون هوية سينمائية وطنية متجددة رافعة لتنمية البلاد والعباد، عبر ما يمكن أن تسهم به مواعيد ودورات الأندية السينمائية من عروض وبرمجة وطروحات، وثقافة وأخلاقيات النقد، فضلا عن انخراط ورأي وإعادة توجيه وتقويم وبناء وتأهيل وخبرات ودراسات وتقاليد سينمائية محلية وجهوية ووطنية رافعة، اكثر تفاعلا وانسجاما مع زمن رقمي وزخم تحول اعلامي واسع وفضاء سمعي بصري بات مفتوحا.
جدير بالإشارة إلى أن تازة استضافت ذات يوم مطلع تسعينات القرن الماضي، “الجامعة السينمائية الصيفية” في دورتها الأولى 1993، وقد كانت بما كانت عليه من من زخم برنامج تقاسمته انشطة وورشات تكوين وعروض سينما ولقاءات ثقافة وفكر ومسارات وخبرة وتجارب، بحضور معبر رفيع المستوى لأعلام سينمائية مغربية وازنة.
لعلها الدورة التي تم فيها تكريم ابن تازة الفنان محمد مزيان رحمه الله، الذي ارتبط بعالم السينما تحديدا المونطاج والتوضيب والسيناريو. ذلك الذي دخل المغرب أواسط سبعينات القرن الماضي بعد سنوات من الدرس بالديار الباريسية لفن التصوير والمونتاج.
دون نسيان أنه في إطار فعاليات مهرجان تازة الوطني لسينما الهواء الطلق دورة 2015، كانت المدينة موعدا لحفل تقديم وتوقيع كتاب موسوم “محمد مزيان: سينمائي وحيد ومتمرد”، محمد مزيان هذا الذي يعد بتقدير مبدعين ومهتمين ومتتبعين وفاعلين ”ضمير السينما المغربية “، لِما أسهم به في تأثيث لبنات الفيلم المغربي الأساسية، على مستوى توضيب عدد من الأفلام المغربية ومساعدة عدد من المخرجين لإنجاز تجارب أفلامهم السينمائية الأولى.
هكذا كانت الدورة الأولى للجامعة الصيفية السينمائية بتازة قبل حوالي الثلاثة عقود من الزمن، بدور وأثر معبر على مستوى رفع ما طبع تازة من منسوب فكر وفعل سينمائي ذات يوم، لما توفر حينئذ من طاقات باهتمامات عدة منها أساسا أب الفنون المسرح، حيث كانت المدينة واحدة من قلاع المغرب في هذا المجال منذ ستينات القرن الماضي وإلى عهد قريب تمثيلا وإخراجا وإنتاجا، فضلا عن خطوات ومبادرات سينمائية بمدينة ومنطقة هي مؤهلات متفردة حضارية وتراثية وطبيعية رافعة عدة.
جامعة تازة الصيفية السينمائية والتي تحيل ذاكرتها وأرشيفها على سؤال القيمة المضافة لمواعيد ثقافة وإبداع وفنون محليا، من حيث سقف هذه المواعيد وصداها وأثرها في التنشيط الثقافي، وسبل ولوج فضاءات هذا التنشيط من اجل ما ينبغي من تعرف لدى الناشئة من جهة، وتعميق لطروحات ورؤى وأفق الفاعلين من جهة ثانية، ومن أجل ما ينبغي من تجويد وتميز وتطلع منشود. ويسجل للجامعة الصيفية السينمائية في دورتها الأولى بتازة، أنها نجحت في كونها قامت مقام القاعات السينمائية التي تم إغلاقها بالمدينة، من خلال ما تم عرضه هنا وهناك من أعمال سينمائية كانت بما كانت عليه من تأطير وإقبال وصدى، مع ما تم رسمه من أفق انفتاح لأعمال تلفزيونية وسينمائية بتازة وجوارها على مستوى التصوير، لِما خلفه هذا الموعد من زيارات لعدد من الأمكنة ذات الحمولات الثقافية والحضارية والتراثية، فضلا عن فكرة وانطباع وقناعة بأهمية انفتاح الفن السابع الوطني، على ما تزخر به المنطقة من مؤهلات طبيعية وفضاءات مغمورة رفيعة المستوى، من شأن التعريف بها مع خطوات أولى أن يكون جاذبا لمخرجين ومنتجين مغاربة وأجانب.
دون نسيان كون تجربة النادي السينمائي والجامعة الصيفية السينمائية بتازة ومعها تجربة سينما الهواء الطلق لسنوات وسنوات، كانت بأثر محلي في زرع ثقافة سينمائية، من خلال ما أحيطت به برامجها وما تضمنته من حفز على المشاركة، فيما ينظم على الهامش من مسابقات كالتي خصت الأفلام القصيرة مثلا.
يبقى إلى حين ما ينبغي من إعادة اعتبار لفعل تازة السينمائي، ولوقع ما كانت عليه من توهج قبل حوالي الثلاثة عقود، وإلى حين ما ينبغي من تجاوز لواقع بؤس ووهم صورة، عبر كفاءات وسينما مناضلة ذات رؤى وتبصر واستشراف عن الجامعة الوطنية للأندية السينمائية، من خلال اشتغال يليق بعظمة تازة السينمائية ومبدعيها ومثقفيها. فضلا عن تأهيل وتشارك وانفتاح وتفكير نقدي، وتجاوب مع كل تطلع وتحول وجديد، دون تجاهل ما ينبغي من فعل ثقافة ومنها فعل السينما، صوب المنشود تنموياضمن رهان محلي وجهوي. إلى حين كل هذا وذاك يبقى ما نتمناه، هو أهمية التقاط الإشارة من قبل أهل الثقافة والإبداع بالدرجة الأولى على صعيد المدينة والاقليم دون استثناء. من أجل ليس فقط وقفة تأمل بل ما ينبغي من خطوة كل من موقعه لإعادة الاعتبار والدفء والروح لتازة المبدعة، باستثمار ما هم عليه من ماض وتاريخ ثقافي وابداعي وزخم ذخيرة وعلاقات، فضلا عن خبرات وتجارب وحضور رفيع المستوى لعقود من الزمن. مع تثمين شأن المدينة الثقافي في كل مناحيه وتجلياته وألوانه وعناوينه وتقاطعاته، بما يليق وعظمة تازة ومجد أعلامها من الأسماء والتجارب، التي بمكانة وإسهامات يصعب القفز عليها وعلى هيبة بصمتها في عدد من المجالات وطنيا وعربيا.
التعليقات مغلقة.