وتميزت فترة ذروة شهر غشت الجاري، الذي يشهد تراجعا في الأنشطة السياسية، بإعلان حكومة وسط اليمين أنها ستخفف من نظامها الضريبي الذي يعد من بين الأعلى على المستوى الدولي.
ويهدف هذا الإجراء إلى تشجيع الدنماركيين على العمل بشكل أكثر وتعزيز النمو الاقتصادي في هذا البلد الاسكندنافي.
كما يروم هذا الإجراء الجديد، الذي أعلن عنه وزير المالية كريستيان ينسن، خفض الضرائب والاقتطاعات المفروضة على الأجور والسيارات والخدمات المنزلية والمعاشات بنحو 23 مليار كورونة دنماركية (نحو 3.7 مليار دولار) سنويا وبشكل تدريجي إلى غاية 2025.
ودفع نمو الاقتصاد الدنماركي السريع معدل البطالة إلى تسجيل نسبة 3.5 في المائة، مما أثار مخاوف حول النقص المحتمل في اليد العاملة، خاصة أن السكان المسنين يحتلون نسبة كبيرة في البلاد.
ووفقا للأرقام الصادرة عن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، فإن الدنماركيين يؤدون أعلى نسبة ضرائب في العالم مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي (46.6 في المائة)، حيث من شأن الاقتراح الجديد أن يمكنهم من تخفيض العبء الضريبي إلى نحو 44 في المائة.
وتحتاج الحكومة الدنماركية الحالية التي يقودها رئيس الوزراء لارس لوك راسموسن، المتوفرة على 53 مقعدا في البرلمان، إلى دعم حليفها القوي، حزب الشعب الدنماركي (قومي مناهض للهجرة)، ومقاعده ال37 لضمان 90 صوتا الضرورية لتمرير المقترحات.
وتعد الهجرة القضية التي لم يستسلم عدد قليل من الأحزاب لإغراء ركوب موجتها، حيث شكلت أساسا اتجاه كل من الحزب الاشتراكي الديمقراطي (معارض ويتوفر على 46 مقعد بالبرلمان) وحزب الشعب الدنماركي إلى دفن أحقاد الحرب القديمة بينهما.
وفي خضم هذه الأحداث، التي تسبق الانتخابات البلدية والجهوية لنونبر المقبل، وضع حزب المحافظين على الطاولة مسألة حظر “النقاب”، في وقت ارتفعت فيه أصوات أخرى منادية بمنع مدارس الجاليات التي اعتبرها البعض عقبة في طريق الاندماج.
وتحاول الحكومة المناورة أحيانا بإصدار قرارات بترحيل بعض المهاجرين غير الشرعيين، وأحيانا أخرى بتشديد قوانين محاربة الهجرة، وكذا تعزيز محاربة الجريمة، وهي ظاهرة أخرى لا تزال تفرض ذاتها في هذا البلد الاسكندنافي.
ففي منتصف صيف 2017، اهتزت العديد من الأحياء في كوبنهاغن على وقع موجة غير مسبوقة من عنف العصابات وإطلاق النار التي أدت لإصابة العديد من الأشخاص، إلى درجة أن وزارة العدل أعلنت في منتصف شهر غشت الجاري عن عدد من الإجراءات الجديدة للتعامل معها.
ومن بين الإجراءات الموصى بها تشغيل الشرطة لنحو 25 شخصا في مجال المعلوميات، ورصد الخبراء للمؤشرات الرقمية للظاهرة، والقيام بعمل وقائي في المناطق الخطرة بشكل خاص، وتفويض بعض المهام للجيش (خاصة مراقبة الحدود) من أجل منح مزيد من الحرية للشرطة لتتمكن من حضور أكثر فعالية لمحاربة عنف العصابات.
كما أدت جريمة القتل الغامضة التي راحت ضحيتها صحافية سويدية على متن غواصة قبالة جسر أوريسند بين الدنمارك والسويد، إلى التفكير في إجراءات فعالة لمعالجة الأمر.
وفي هذا الصدد، أكد الاتحاد الدنماركي للصناعة، وكذا بعض الأوساط البحثية وخبراء، على الحاجة الملحة للبلاد للعمالة ذات الكفاءة للحفاظ على الزخم المحقق في العديد من القطاعات (الطاقة المتجددة، والصناعة الصيدلانية، واللوجستيك والنقل والنسيج والمنتجات الغذائية الفلاحية).
ومع ذلك، فإن بلدا مثل الدنمارك، التي حافظت منذ فترة طويلة على علاقات وثيقة مع بريطانيا، تشعر بأن خروج الأخيرة من الاتحاد الأوروبي بمثابة ضربة لها، حيث أن هذا البلد لا يزال يبحث عن معالم وأسباب هذا الانفصال المفاجئ.
ومما زاد الطين بلة، بروز فضيحة سرعان ما تدحرجت مثل كرة الثلج حول حصص الصيد البحري التي حامت حولها شبهة ارتكاب “مخالفات” ترجع إلى أكثر من اثني عشر سنة.
وشجبت الطبقة السياسية، مثلها مثل وسائل الإعلام، ما يسميه البعض ب”فضيحة الفساد” المتعلقة بحصص للصيد منحت، منذ أكثر من عقد من الزمن، لمرشحين مفترضين امتلكوا تراخيص للصيد عن طريق وثائق زائفة وإعادة بيعها للصيادين.
وبدأ الحديث عن هذه الفضيحة بعد نشر تقرير صادم من قبل هيئة تدقيق الحسابات الوطنية التي أدانت وزارة البيئة والغذاء.
وأعلن رئيس الوزراء لارس لوك راسموسن، عن تدابير تهم وزارة البيئة والغذاء، عبر فصلها عن قطاع الصيد البحري الذي أصبح تحت إشراف وزارة المساواة والتعاون الشمالي.
وبرر راسموسن هذا التغيير بعدم رضاه عن أداء وزير البيئة والغذاء، إبسن لوندي لارسن، في مجال الصناعة المرتبطة بالصيد البحري، خاصة أن المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا تدخل مرحلة حرجة في سياق خروج لندن من الاتحاد الأوروبي.
وأكدت جميع الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام ما وصفه كاتب افتتاحيات بالمخالفات التي “تظهر انعدام الكفاءة الصارخ ووجود ثقافة معيبة في العمل”.
وأضاف أنه “إذا كان السكان يثقون لحد الآن في الدولة لكي تدير شؤونهم بطريقة قانونية ومنصفة”، فإن هذه الثقة “قد تتعرض، من الآن فصاعدا، للخطر”.
وفي الوقت الذي يراجع فيه مسؤولو الأحزاب الكبرى مسار أنشطتهم بعد نهاية عطلة الصيف، فإن هناك مؤشرات تبرز أن الدخول السياسي لما قبل الانتخابات يعد بالكثير من الجدل والإثارة.
حسين ميموني : م.و.م.ع.أ
التعليقات مغلقة.