محمد حميمداني
إفلاس مالي في الطريق ، ذاك هو عنوان الخطوات التي يقطعها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في الوقت الراهن ، بعد تسجيل خسائر قدرت في مبلغ 440 مليارا خلال السنة الجارية ، و نسبة عجز تنتظر الصندوق خلال الثلاث سنوات القادمة ، و اختلالات في التصريحات بالأجراء ، مع عجز الصندوق عن ضبط توازناته المالية ، فمن يتحمل مسؤولية الوضع الكارثي الذي وصل إليه الصندوق ؟ و ما هي المخارج من عنق الزجاجة التي يعيشها الصندوق بانعكاساتها السلبية على الأجراء ؟
المؤكد و الحتمي أن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يعيش أسوأ أزمة مند تأسيسه ، و هي أزمة لم تبق حبيسة تعرية وسائل الإعلام ، بل وصلت إلى مستوى تصريحات مسؤوليه و دقهم لناقوس خطر الوصول إلى الإفلاس التام ، فمن أوصل الصندوق إلى هاته الأزمة ؟
عبد الله مرتقي ، المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بالنيابة ، أعطى جردا مكمما للظاهرة ، من خلال تقديم خسائر الصندوق و التي وصلت إلى 440 مليارا في سنة واحدة ، رقم مهول ، علل معطياته بتراجع نسبة مداخيل الاشتراكات في الصندوق خلال السنة الجارية ، متوقعا أن يطال العجز المالي المعاشات خلال سنة 2023 بدل 2024 ، كما كان يتوقعه مسؤولوا الصندوق .
انحدار خطير لا يتعلق بشح احتياطات صندوق التقاعد ، و لكن بآثاره السلبية على عموم المستخدمين من خدام ماليته و سوء التدبير الذي أوصل وضعيتهم إلى جائحة اجتماعية تنذر بأوخم العواقب .
الصندوق اعتبر أن المشكل ذا طابع تقني محض ، و أن هذا العجز في مالية الصندوق سيتعمق سنة 2024 ، و سيزداد استفحالا مع نضوب الاحتياطات المالية سنة 2038 ، ليرافق الصندوق نظيره بالقطاع العام إلى طريق الأزمة .
المسؤول الأول عن الصندوق دعا إلى الإصلاح ، منبها إلى أنه يجب أن يكون شاملا و عميقا و هيكليا ، مرجعا الأسباب إلى ضعف التصريح بالعاملين من قبل مؤسسات القطاع الخاص .
وكان نفس المسؤول ، قد أشار خلال تقديمه لعرض بلجنة مراقة المالية العامة بمجلس النواب ، إلى أن قوانين الضمان الاجتماعي الحالية “تشجع المشغلين على عدم التصريح بالعمال” ، داعيا إلى تعزيز الترسانة القانونية للمراقبة و التفتيش ، و السؤال المطروح هل الوضع الذي يعيشه الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي خاليا مع أشقاءه من الصناديق التابعة للقطاع العام ، هو مشكل قوانين ؟ أم أن المشكل أعمق و أعقد ؟
المسؤول الأول بالصندوق جر عربة الأزمة خلال اجتماع لجنة المراقبة المالية بمجلس النواب ، قاذفا إياها إلى العائدات الضعيفة التي يذرها صندوق الإيداع و التدبير على مالية الصندوق مقارنة مع ما يطبق داخل السوق المالية ، مشيرا إلى أنه خاض مفاوضات لمراجعة سعر فائدة الأموال المودعة ، و أن مسؤولي الإيداع و التدبير وعدوه خيرا مستقبلا ، و لكن ليس بأثر رجعي .
المسؤول المالي ، و في مضمار بحثه عن حلول سحرية للأزمة البنيوية التي يعيشها الصندوق اقترح أن يتم تعدیل سن الإحالة على المعاش ، المحدد في 60 سنة إلى 63 سنة ، في إطار سياسة الملاءمة ما بين القطاعين الخاص و العام .
و أضاف إلى سلم الحلول الرفع من نسبة الاشتراك ، وإعادة تقییم سقف وعاء الاشتراكات المتعلق بالمعاشات ، فضلا عن إعادة تقييم المعاشات و تطبيق نظام التقاعد التكميلي .
و لم ينس مرتقي أن يهاجم أرباب المقاولات المتهربين من التصريح بالعاملين لديهم لدى الصندوق ، معترفا أن العمل الزجري لم يعد كافيا لوحده لتصحيح الأوضاع و إعمال القانون على الرغم من تضمن النص للغرامات الثقيلة المنصوص على تطبيقها في هاته الحالات ، (5 آلاف درهم عن كل شهر لم يتم التصريح به عوض 200 درهم في حالة التصريح القانوني) ، و لكن هل المشكل الذي يعيشه الصندوق هو مشكل قانوني أو زجري ؟ و هل القوانين الحالية و السلطات الزجرية ، إن كان الأمر كذلك ، عاجزة عن توقيف هذا النزيف الشامل ؟
الأكيد أن اللغة الممارسة ، هي لغة الهروب من جوهر المشكلات القائمة ، فمجهودات مراقبي الصندوق و محاولات إقناع مؤسسات القطاع الخاص بفوائد التصريح بالعاملين لديهم ، و قذف الكرة جهة عدم احترام هاته المؤسسات للحد الأدنى للأجور و للترقية القانونية ، لا تغطي حقيقة دور مؤسسات الصندوق و مندوبيات الشغل في إيقاف هاته الاختلالات و الدوس عن القانون من قبل هاته المؤسسات ، فالتذكير بتقاضي عامل بعد 30 سنة من العمل الفعلي ، مبلغ 3200 درهم ، بآثارها الفعلية على تقاعد زهيد يتقاضاه المستخدم ، و التوجه صوب عمال البؤس الشامل من خلال تذكيرنا بأن عمالا في البناء يتقاضون “جوج دريال” ، حسب قوله ، لا تقدم الإجابات الدقيقة و الفعلية عن وضعية الصندوق ، الغارقة في الفساد و سوء التدبير ، كما أن الهروب جهة مؤسسات التأمين عن المرض بالقطاع الخاص ، من جهة التغطية القليلة التي تقدمها لمصاريف العلاج ، على الرغم من واقيتها هي محاولة لتغطية “الشمس بالغربال: ليس إلا .
إن وضع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الكارثي الذي وصل إلى حد الإفلاس ، هو مسؤولية المجلس الإداري للصندوق أولا و قبل كل شيء ، و التعويضات الضخمة التي توزع على كبار المسؤولين ، و مسؤولية الأجهزة الرقابية المقصرة في أداء مهامها و دورها المفترض ، و مسؤولية باقي الشركاء من القطاعين العام و الخاص ، هنا يجب أن ينصب النقاش و البحث و ليس البكاء على الأطلال و تشتيت الكرة في كل الاتجاهات حسب لغة “الكوايرية” .
خبراء اقتصاديون أكدوا أن استهلاك مدخرات الصندوق ، ستعري فقط حقيقة الأزمة المالية التي يعيشها أصلا ، بعد أن عملت “الإصلاحات” التي بوشرت داخله على إنعاشه لا إعادته إلى الحياة ، مقرين أن الوضع القائم كارثي ، و أن مسألة إفلاس الصندوق مسألة وقت ليس إلا ، و أن جميع الحلول المقترحة و المتمثلة في زيادة الاقتطاعات ، أو رفع سن التقاعد إلى 65 سنة ، هي إجراءات لن تحل المشكل ، و أن المشكلة المركزية تتعلق بتدبير مالية الصندوق ؟ و محاربة الفساد المستشري داخله .
التعليقات مغلقة.