العرب وقصر النظر “الاستراتيجي”
عبد الدين حمروش
تغص الصفحات، على الفايس والواتساب، بالتعليقات على استشهاد الأمين العام لحزب الله اللبناني، السيد حسن نصر الله. جزء كبير من هذه التعليقات انصرف إلى الشماتة بالحزب من جهة، وبالإيرانيين من جهة ثانية. يمكن أن يكون لهذا الجزء رأي في تدخل الحزب بسوريا، إضافة إلى هيمنته على القرار السيادي للدولة اللبنانية، دون الغوص في الأسباب والمبررات.
غير أنه من غير المقبول التماهي مع الموقف الصهيوني، المبتهج بالنتائج الميدانية المحققة ضد حزب الله، وبالتحديد في إثر مقتل زعيمه نصر الله. لماذا؟ لأن في ذلك تضييعا للصراع الجوهري، لحساب الصراع الثانوي (إن افترضنا أن هناك حسابات عالقة مع حزب الله وإيران). حزب الله، بغض النظر عن عقيدته أو طائفته، يمثل شعبا عربيا أصيلا في المنطقة. وإضافة إلى ذلك، فالحزب لم يستول على أرض عربية، مثلما قامت بذلك إسرائيل، وما تنوي القيام به في ظل عدوانها الهمجي الحالي في المنطقة.
أما إذا قدرنا الظروف، التي استشهد فيها حسن نصر الله، فقد جاءت في خضم الذود عن فلسطين، وبالتحديد عن قطاع غزة. اليوم، حزب الله يؤدي ثمن “وحدة الساحات”، ويؤديه معه الشعب اللبناني كاملا، في غياب تام عن الأنظمة العربية وجيوشها. إن الصراع الجوهري مع دولة الكيان، التي تريد قضم ما تبقى من فلسطين، ومن ثم التوسع في البلدان المجاورة.
يصيبني قسم من التعليقات بالاشمئزاز، حين أقرأ بين أسطرها اتهام حزب الله بالتبعية لإيران. وحتى لو كانت هذه التبعية حقيقية، فالمبررات قائمة، في ظل استمرار دولة الاحتلال، التي ظلت تضرب بعرض الحائط كل الشرائع، والقوانين الدولية. اسرائيل هي التي تحتل أرض العرب، وليست إيران. وإذا وجدنا الأخيرة تتدخل في قضية فلسطين، لدوافع استراتيجية خاصة بها في المنطقة، فمن حقها ذلك، في ظل الغياب التام للعرب.
كما يصيبني قسم آخر من التعليقات بالسخرية، حين أشتم رائحة رفض كل ما هو إسلامي، حتى ولو كان بعباءة شيعية وليس إخوانية. إن التناقض، اليوم، يا ذوي الألباب، مع دولة الكيان الاحتلالي، وحاضنتها أمريكا، وليس مع غيرها. ينبغي التمييز في الصراع بين الجوهري والعرضي، بين الأبدي والعابر، بين الوجودي والبراغماتي.
إن لم يتحقق التمييز بين البعدين، سيظل العرب، وفي طليعتهم نخبهم، عالقين في الجزئي، على حساب الأساسي. يمكن أن يكون الصراع مع إيران إيديولوجي (عقدي)، ولكنه مع الصهاينة وجودي. وليس لعاقل أن ينسى أن إيران مع الفلسطينيين، اليوم، شئنا أم أبينا. وحتى لو كانت “حماس” ذراعا إيرانية بالمنطقة، فالمسوغ إلى ذلك مقبول، مادامت تسعى إلى تحرير أرض عربية محتلة.
ماذا فعل الآخرون بدعواتهم إلى الاعتدال، والمراهنة على اتفاقيات التطبيع، في وجود حكومة صهيونية متطرفة؟
التعليقات مغلقة.