أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

العطلة الصيفية وسؤال الأطفال والرسوم المتحركة؟

الحبيب عكي

 

يتعرض العديد من الأطفال لفراغ مهول وممتد طوال العطلة الصيفية على امتداد 90 يوما والله المستعان، لا يجدون فيها ما يملؤون به فراغهم غير الربط الدائم بالقنوات والاسترخاء أمام الشاشات، لتجزئة أوقاتهم مع الرسوم المتحركة في سلسلاتها وأفلامها الكرتونية، العربية منها والفرنسية وحتى المدبلجة، وحتى إن أتيحت لهم فرصة الذهاب إلى مرحلة تخييمية يتيمة أو المشاركة في دورة تربوية أو تدريبية أو رياضية وجيزة، فسرعان ما يعودون ليجدوا فراغ العطلة لا زال ممتدا يحرق أوقاتهم وأعصابهم أمام التلفاز، أستاذ الأساتذة خلال العطلة الصيفية بلا منازع؟.

 

هذه الرسومات المتحركة، والمسلسلات والأفلام الكرتونية التي أخذت حيزا كبيرا ومتناميا من برامج الأطفال، فأصبحت لها قنوات محلية ودولية عابرة للقارات، وأصبح لها دور إنتاج في كل دولة مستثمرة، منتوجها يقصف أطفالنا ومستقبل أوطاننا على مدار الساعة، بكم هائل من الحكايات والمغامرات التي لا تنتهي، بل إن دور الدبلجة تشتغل على مصراعيها ليل نهار حتى توصل هذه الرسومات بالصوت والصورة والحركة والألوان والمؤثرات الجذابة التي لا ينفك من متابعتها الكبار قبل الصغار، ولساعات وساعات طوال تجعل من تراكماتها السلبية على المشاهد أمرا لا يطاق؟.

صحيح أن بعض الرسومات المتحركة قد تحمل في طياتها بعض الإيجابيات لمشاهديها خاصة للجمهور الناشء من الأطفال، خاصة مع تراجع دور العديد من مؤسسات التنشئة الأخرى من الأسرة والمدرسة والجمعية والمخيمات..، أو تعقد عملها وشروط الاستفادة منها بما يجعلها خدمة غير عمومية، فأصبحت هذه الرسومات هي المنبع التربوي والثقافي والترفيهي للطفولة ما قبل المدرسة بنسبة (96 %) وطفولة الدراسة الأولى إلى الدراسة الإعدادية وما فوق بنسب متفاوتة ولكنها مهمة، فهناك يتعلمون مثلا معنى قيم التعاون والعمل الجماعي.. الصدق والأمانة.. الاحترام والتضحية.. تنمية بعض المهارات والخيال وأساليب التفكير.. ربط العلاقات وحل المشكلات واتخاذ القرارات ورد الهجومات.. تنمية الرصيد اللغوي بل تعلم لغات أجنبية جديدة، وقد صادفت مرة طفلا مدمنا يتكلم الروسية فلما سألت من أين تعلمها قيل لي من الرسوم المتحركة؟.

 

لكن، كل ذلك بمثابة السم في العسل أو العسل المسموم، لا يتناوله صاحبه بغير أضعافه من الأعراض الجانبية الضارة والسلبيات القاتلة، ففي الرسوم يتعلم الأطفال أيضا معنى العنف والغضب والتدمير وكيف يمارسونه.. البلطجة والقتل المجاني.. العداء والانتقام والمكر والخداع.. العزلة والوهم والبطولة الخرافية.. أضف إلى ذلك – باعتبار استديوهات إنتاج هذه الكرتونيات في معظمها غريبة غربية – أمريكية (ديزني).. صينية(SAFS).. كورية(فروزن).. يابانية(طوكيو موفي) فمضامين إنتاجاتها تصادم هويتنا الدينية وثقافتنا وقيمنا الوطنية، لأنها أنتجت لأطفال غير أطفالنا وفي واقع غير واقعنا، إلى درجة قد أحصى المحصون في بعضها ما بين 35 إلى 40 مخالفة قيمية في الحلقة الواحدة، ورغم هذا يتصلب أبناؤنا أمام مجاريها الآسنة من 28 إلى 54 ساعة أسبوعيا، دون رقيب ولا حسيب؟. 

والخطير اليوم، أن هذه الأستوديوهات الكرتونية أصبحت بمثابة قواعد عالمية عابرة للقارات، وفي الصفوف الأمامية لنشر قيم العولمة المتوحشة في أبشع صورها المغلفة بالقوة الناعمة للماسونية والصهيونية وأفظع صيحاتها الطقوسية في “المثلية” و”عبدة الشياطين”، فهذه “والت ديزني” لا تكتفي في كرتونها بنقل محافل الماسونية وطقوسهم ورموزهم ولباسهم وظلامهم ونجمتهم ونجومهم وعنفهم المدمر وسحرهم القاتل… بل تعلن أن (50%)من شخصيات أبطالها المحبوبين عند الأطفال ستجعلهم مثليين فقط في أفق 2022، حتى يكونوا قدوات ناعمة لأطفال  العالم بأعلامهم القزحية (Drapeaux) و رموزهم الخنثوية (Logos) ومقتنياتهم وتصرفاتهم وميولاتهم الجنسية المصادمة لهويتهم ومعتقداتهم وبيئاتهم المختلفة طبعا؟. 

الخطر قادم إذن، ومن الخلوة والعزلة الكرتونية داهم، من غرف المشاهدة تأثيرها دائم، لم يعد يكتفي بحرمان الطفل المشاهد المدمن من إيجاد وقت لممارسة العبادات والقيام بالواجبات.. أو وقت لتعلم مهارات القراءة والكتابة والحساب.. أو مهارة ممارسة ألعاب التفكيك والتركيب.. التفكير والإبداع وغير ذلك مما تنبني عليه حياة الواقع والامتاع. وحتى لا تضرب طفولتنا ومستقبل أوطاننا بأخطر قنبلة كرتونية في الوجود ألا وهي قنبلة تشويه الفطرة البشرية وتغيير خلق الله وإيهام الكائن السليم والطفل البريء بأنه غير ذلك.. بل ربما عكس ذلك، لابد من: 

  • الاهتمام بالإنتاج الكرتوني العربي الإسلامي الهادف، ودعم جهود القنوات العربية المهتمة بذلك، وإحياء ما توقف منها من شركات الإنتاج وقنوات الإرسال وفاعلين مستثمرين في المجال.


  • تحسيس ومساعدة القائمين على مؤسسات التنشئة الاجتماعية من أسرة ومدرسة وغيرها على ضرورة النهوض بأدوارها التربوية والترفيهية اتجاه الأطفال، والقائمة على أساس المشاركة والمتعة والإفادة.


  • اهتمام الأسر بالبدائل التربوية والترفيهية من تعلم المهارات واللغات إلى ممارسة الألعاب وحكي الحكايات إلى القيام بالخرجات والزيارات والمسابقات والدورات والمخيمات..، وكلها مفعمة بالدفيء الإنساني بدل برودة التقني.


  • تنظيم أوقات المشاهدة الكرتونية للأطفال إلى أدنى مستوياتها الممكنة، ومقاطعة كل ما قد يكون فيه انحراف فكري سلوكي أو ترويج للصيحات المشبوهة شذوذ “مثلية” كانت أو غيرها.


  • دعم الحياة المدرسية وما تزخر به من الأندية التربوية المتنوعة بما يمكن أن تستوعبه من حاجيات وطموحات الأطفال والتلاميذ، وكذا نفس الشيء بالنسبة لأنشطة الجمعيات وما تغطيه من وقتهم الثالث وبأسلوب تربوي شيق يقوم على الحوار والمشاركة وعلى إبداع المتعة والإفادة.


  • تنظيم أنشطة صيفية من صميم التراث الوطني والواقع المحلي، كدورات التحفيظ واللغات، ودوريات الأحياء ورحلات الاستكشاف مع الأصدقاء، ومشاريع أسرية سوسيو اقتصادية لبيع الممكن والصحي من المأكولات والمشروبات والملبوسات.. بمساعدة من يوفر لها الحماية والإرشاد؟. 

أبنائكم ما تحت 12 سنة على الأقل، لا تتركوهم بمفردهم مع الرسوم المتحركة طوال عطلة الصيف ولا معظمها ولا بعضها ولا في غيرها، لا تتركوهم على أنكم وجدتم من يشغلهم عنكم إلى حين.. على أنهم يستفيدون وهم بجانبكم وتحت إشرافكم ولو عن بعد..، من فضلكم، شاركوهم في أعمالهم وهواياتهم بتفهم ورفق، أشركوهم في أعمالكم الداخلية والخارجية حسب رغبتهم وطاقتهم، حفزوهم على الاستئناس بها والاستمتاع بذلك، نوعوا عليهم الاهتمامات والممارسات في الدراسات والهوايات، تناوبوا على رفقتهم والجلوس معهم آباء وأمهات.. إخوانا وأخوات.. أقارب وأصدقاء .. أندية مؤتمنة وجمعيات، امنحوهم ثقتكم واكسبوا ثقتهم حتى تحكوا لهم ويحكون لكم كل ما يرشد سير السفينة إلى شط الأمان، واعلموا أن كل ما غير ذلك من خلوات الرسوم المتحركة المغرضة إنما هو تسليم فلذات أكبادكم إلى الأستاذ تلفاز، أستاذ غير كل الأساتذة، أصم أعور قد يجعل أطفالكم يعيشون معكم تحت نفس السقف، ولكنهم بأفكار ومعتقدات ومرجعيات وقيم وسلوكات وقدوات غير التي تودون أن تكون لكم ولهم بمقتضى عقيدة الوطن والأمة.. ألا هل بلغت اللهم فاشهد.

الموضوع القادم: متى تبحث لابنك عن مخيم صيفي؟

التعليقات مغلقة.