*العلاقة بين القوات المسلحة والإعلام.. نحو توازن ينُمي الثقة والوطنية*
بقلم م.ع
أصوات من الرباط
تُعتبر القوات المسلحة الملكية ركيزة أساسية في صمود واستقرار المغرب، فهي الحصن المنيع الذي تجمع عليه الأعراف الوطنية والإجماع الشعبي، وتترجم عبر تضحيات أبطاله دفاعًا عن السيادة والأمن الوطني. ومع أهمية هذه المؤسسة الدفاعية، تأتي ضرورة أن تواكب التطورات العالمية في مجال الإعلام، الذي أصبح أداة أساسية في بناء الصورة الوطنية وتعزيز الروح الوطنية، ولعب دور الوسيط الأمين بين المؤسسة العسكرية والمواطنين.
*الدور التاريخي والإعلامي للقوات المسلحة*
تأسست القوات المسلحة المغربية في 14 مايو 1956، بعد الاستقلال، وكانت دائمًا في قلب المعركة ليس فقط على جبهات القتال، بل أيضًا في ميدان الإعلام والتواصل. فالإعلام يُعد سلاحًا فعالًا لتعزيز منعة القوات، إذ يسهم في بناء رأي عام متماسك، قادر على الدفاع عن وحدته الوطنية، ويشجع على التضامن مع جنوده، ويبرز بطولاتهم وتضحياتهم.
وفي مراحل مختلفة، ساهمت قيادة القوات المسلحة في إرساء علاقات شفافة مع وسائل الإعلام، من خلال تنظيم الزيارات، وإجراء اللقاءات، وتوثيق الأنشطة، لتأكيد أن الجيش الوطني هو رمز للوحدة والولاء للوطن والملك. وكانت الصورة التي تم تقديمها دائمًا تعكس روح الانتماء، وتعزز ثقة المواطن في قواته المسلحة.
*مرور العلاقة بمخاض التغيير وتحول المشهد الإعلامي*
غير أن العلاقة بين المؤسسة العسكرية والإعلام لم تبقَ على حالها، وأحيانًا مرّت بتحولات موضوعية، خاصة مع التغيرات التكنولوجية، وزيادة المنابر الإعلامية، وأهمية الشفافية، والتطلع إلى إعلام مستقل وحر. في السابق، كانت العلاقة بين الطرفين أكثر انفتاحًا وتواصلًا، يسودها الاحترام والثقة، مع الالتزام بالتوجيهات الملكية التي تحث على تقوية هذه العلاقة، ونشر الوعي الوطني، وتعزيز صورة المؤسسة العسكرية.
لكن، ومع تولي مسؤول الإعلام الحالي بالقوات المسلحة، ظهرت ملامح انعكاس طبيعي عن المنهج السابق، حيث لوحظ تدهور في مدى الانفتاح، وافتقاد جانب كبير من الشفافية، والحد من حرية المؤسسات الإعلامية من الوصول إلى المعلومات، وأصبح هناك تمييز وتقنية صارمة في التعامل مع منابر إعلامية معينة، وتحجيم دور الآخرين، مما أثار العديد من التساؤلات حول أسباب ذلك، وأثره على صورة المؤسسة وجاذبيتها لدى الرأي العام.
*تحديات المرحلة وأهمية التوازن*
يجب أن ندرك أن الإعلام بمفهومه الصحيح هو شريك استراتيجي للمؤسسة العسكرية، وليس خصمًا أو معاديًا، وإنما منظومة تنشد في النهاية خدمة الوطن، عبر نشر الحقائق ودعم الوحدة الوطنية. فالمطلوب هو تحقيق توازن بين الحقوق الدستورية للدفاع وعلى رأسها حق الإعلام في الوصول للمعلومة، وبين ضرورة حماية الأمن الوطني، بعيدًا عن التسييس أو التهويل.
المبادئ الأساسية التي نص عليها الدستور المغربي ومواثيق حقوق الإنسان تؤكد على حق الإعلام في التغطية الشاملة، وفي الوقت ذاته احترام المبادئ الدولية الخاصة بحقوق الإنسان أثناء العمليات العسكرية، وهو ما يتطلب من المسؤولين عن الإعلام العسكري أن يقتربوا أكثر من هذه المبادئ، ويبادروا برفد الإعلام بالمعلومات الضرورية، وتوفير الشفافية اللازمة، مع الالتزام بالحفاظ على أمن البلاد ومصها العليا.
*إعادة بناء الثقة وتوطيد الصورة*
لا يمكن لأي مؤسسة، كيفما كانت قوتها وجبروتها، أن تستمر بدون دعم جماهيري، وبناء رأي عام موحد ومتضامن، يتماشى مع مبادئ الوطنية والولاء، يجب أن يمر عبر الشفافية والتواصل المفتوح. فوسائل الإعلام، من خلال تغطيتها الموضوعية والمتوازنة، تساهم في صناعة الصورة الذهنية الإيجابية التي تعكس تضحيات الأبطال، وتعزز الانتماء والولاء للوطن، وتعمل كحائط صد في مواجهة التضليل والتشويه.
وفي هذا السياق، فإن القيادة العامة للقوات المسلحة مدعوة اليوم لتحرير العلاقة مع الإعلام من قيود الماضي، وتسهيل وصول الصحفيين والإعلاميين إلى أنشطة المؤسسة، من خلال تنظيم البرامج والزيارات، وتوفير المعلومات بشكل دوري وشفاف، بما يتوافق مع القانون والدستور، ويعكس روح المرحلة التي تستدعي تطوير أدوات التواصل.
*ختامًا.. نحو إعلام مستقل ومسؤول*
إن بناء علاقة متوازنة ومستدامة مع الإعلام هو خط الأول لتعزيز صورة القوات المسلحة، وتأكيد مكانتها كدرع للوطن، ومنبر للحقيقة، وقوة موجّهة لبناء الوحدة الوطنية. فالمسؤولية مشتركة بين المؤسسة الإعلامية والقيادة العسكرية، ويجب أن تتكاتف الجهود لصناعة مستقبل أكثر إشراقًا، يرتكز على الحقائق، والشفافية، والمهنية.
وفي النهاية، يظل الوطن هو الباب الذي يجمع بين تضحيات الأبطال، ودور الإعلام في حمايته، فكلما تعاضدت الجهود، وارتقت لغة الحوار، كلما زادت قوة الحصن المنيع الذي يحمي استقرار المغرب وسلامة وطنه.
التعليقات مغلقة.