ألغى فيروس كورونا المستجد الكثير من العادات والسلوكيات و أطاح بجل طرق التعبير عن مشاعر الحب، بما في ذلك العناق والتقبيل والتلامس الجسدي، والمغرب خصوصا ومنطقة البحر المتوسط عموما من أشد المتضررين من ذلك.
قبل جائحة كوفيد-19 كان صياد الأسماك عبدالقادر الكثيري من مدينة سلا (المغرب) المطلة على المحيط الأطلسي يحيي الأصدقاء والزملاء بقبلتين أو تلاث، لكن “الآن نتصافح عبر الكوع”. منالمغرب إلى تونس مرورا بإسبانيا والجزائر ولبنان، أرغمت مكافحة كوفيد-19 على حظر القبلات والعناق والمصافحة باليد وهي تقاليد أساسية في منطقة المتوسط التي تنتشر فيها “ثقافة التماس والتقارب” على ما يقول عالم الاجتماع التونسي محمد جويلي.
فصار البعض يعتمد تحيّات جديدة مثل وضع الكوع على الكوع كما كان ذلك سائدا في إفريقيا زمان انتشار وباء إيبولا أو القدم أو عبر وضع اليد على القلب أو محاكاة القبلات عن بعد مع حنين إلى العناق المباشر.
لكن عبدالقادر الكثيري الذي يصداد و يبيع السمك في مرفأ سلا للصيد التقليدي يوضح “لا يمكننا القول إننا غير مشتاقين إلى ذلك، لكن هذا الأمر لن يقضي على روابط الصداقة“.
في مرسيليا احدى مدن دول المتوسط، فحتى الرجال يتبادلون القُبل. ويقول جان-فرنسوا شونييه رئيس متحف حضارات أوروبا والمتوسط الذي انتقل قبل سنوات من باريس إلى مرسيليا “هذا المكان الأول الذي قبلت فيه رجالا. لم يسبق لي أن فكرت بتقبيل مصرفي قبل ذلك!”.
وفي مونبولييه (جنوب شرق فرنسا) حيث يتبادل أبناء المدينة ثلاث قبلات في كل المناسبات كما الحال في المغرب ولبنان، “نعاني من نقص فعلي ونشعر بضيق فعلا عندما نضطر للتخلي عن ذلك” على ما تقول الطالبة ميلودي ريكو التي تتردد راهنا بين جمع راحتي اليدين أمام الصدر على الطريقة الهندية مع الانحناء قليلا أو التلويح باليد عن بعد.
وتوقفت فاطمة بولمعات التي تسكن حي بوتي بار في مرسيليا عن تقبيل اصدقائها موضحة “أقوم بالحركة التي كانت تقوم بها جدتي المغربية بوضع اليد اليمنى على القلب مع نظرة عميقة ليشعروا بمحبتي”. وتقول إيللي كومايتي من أثينا “اشتقت إلى العناق والقبل فعلا“.
الكلام عوض العناق
أما في بيروت، تقول زينة عقل العاملة في مجال التأمين أنها باتت تعوض التقبيل والعناق بزيادة في “التعابير اللفظية مع استخدام الكثير من الأوصاف والنعوت (…) لكن أحيانا لا أجد الكلام المعبر فعلا او ان الناس لا يريدون كلاما بل مواساة عبر العناق والاحتضان“.
وتضيف “اشتاق إلى التماس الجسدي والتقبيل والعناق أو حتى مجرد الربت على الكتف. اشتاق إلى ذلك خصوصا عندما يحتاج الشخص أمامي إلى دعم معنوي في حالات الحزن والحداد مثلا، أو عندما تكون هناك مناسبة فرح نريد الاحتفال بها معا“.
وتوضح عالمة الأنتروبولوجيا جنفياف زويا من جامعة مونبولييه أن “التماس الجسدي (…) هو أساس هويتنا” في المتوسط وهو أمر مختلف عن الممارسات في البلاد المطبعة بالثقافة الإنكليزية وعن البعد الآسيوي.
ويؤكد جويلي “لقاء بين أشخاص يعرفون بعضهم بعضا يؤدي إلى عناق وقبلات وهذا مؤشر إلى المعرفة والامتنان”. ويضيف “تصرفنا ناجم عن العادات ومن الصعب لطفل صغير أن يرى جده أو جدته من دون أن يعانقهما. وفي إسبانيا، يطلب من الشخص منذ الطفولة التقبيل وفجأة يقال له ”لا تلمس أحدا هذا مخالف للطبيعة البشرية“.
ويقول الباحث في جامعة الجزائر ناصر جابي “التماس الجسدي مهم جدا في الجزائر فثمة ملامسات كثيرة وحركات تعبر عن التعاطف”. ويضيف أنه على غرار دول أخرى “يحاول البعض إيجاد حلول بديلة مثل إلقاء التحية عبر الكوع لكن هذا التصرف يبقى هامشيا. نحتاج إلى وقت للانتقال إلى ثقافة معاكسة“.
ومع الكمامة التي باتت أكسسوارا أساسيا مع تخفيف قيود العزل، تعلم الصياد عبدالقادر الكثيري من مدينة سلا “الابتسام عبر العيون“.
ويرى مانويل أرمايونيس من جامعة كاتالونيا المفتوحة (إسبانيا) أن “معيارا اجتماعيا جديدا” يتميز “بقدرة أكبر على التعبير عن المشاعر ظهر بعد صدمة هائلة” ناجمة عن الفيروس.
ويقول دانييل ريجيو “نضيف كلمات لتعويض الحركات التي نُحجم عن القيام بها مثل +صديقي+ و+أخي+”.
لكن من إسبانيا إلى تونس يرى الخبراء أن هذا التكيف “هو ظرفي” وينبغي أن يختفي مع الفيروس. ويشدد محمد جويلي “التماس الجسدي في المتوسط هو استكمال ضروري للتواصل الاجتماعي والرمزي“.
التعليقات مغلقة.