العيون :كلمة الرئيس الأول لمحكمة النقض الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية خلال الملتقى الوطني للعدالة في نسخته الثانية
كلمة الرئيس الأول لمحكمة النقضالرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية خلالالملتقى الوطني للعدالة في نسخته الثانية بمدينة العيون:
بسم الله الرحمان الرحيم
والحمدلله والصلاة والسلام على مولانارسول الله وآله وصحبه؛
وبعد……
ما بين الداخلة والعيون تتحد مشاعر الفخر والاعتزاز بالتواجد بهذه الربوع الطاهرة المباركة لنحتفي مع هذه النخب الوطنية الفذة بروح المسيرة الخضراء مسيرة الوحدة والاستقلال والتميز والنماء والأوراش الإصلاحية الكبرى
اليوم نحتفي بمدرسة القيم الإنسانية الكبرى والثوابت الوطنية الراسخة في الضمير وفي الوجدان تحت القيادة الرشيدة المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية دام له العز والتمكين .
فالشكر والتقدير والاعتزاز والامتنان لكل من ساهم في إعداد وتنظيم هذا الملتقى الوطني للعدالة بحاضرة الصحراء مدينة العيون الأبية الشامخة.
والشكر موصول لكل المشاركين والمتدخلين من أهل الفكر والخبرة من مهنيين وأكاديميين وحقوقيين ومسؤولين الذين سيجعلون من هذا الفضاء منتدى سنوي للحوار والنقاش الجاد خدمة للقضايا الكبرى لهذا الوطن العزيز.
الحضور الكريم:
الجمعة 6 أكتوبر 2017 تاريخ تسليم رئاسة النيابة العامة لمؤسسة الوكيل العام لمحكمة النقض سيبقى امتدادا لسادس أبريل من نفس السنة، تاريخ تنصيب جلالة الملك محمد السادس نصره الله لأعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية سيبقى حدثا موشوما في ذاكرة أسره العدالة كمحطة تتويج لخيارات مجتمع يتجه نحو المستقبل بخطى ثابتة ورؤية واضحة.
محطة تعد نتاج الأوراش والإصلاحات العميقة في بنية العدالة ببلادنا وما راكمته من انجازات حقوقية وخبرات قانونية وقضائية وفقهية ساهم فيها الجميع بكل مسؤولية ووطنية على امتداد سنوات طوال .
ومن ثمة فإنه من غير الإنصافأن ننظر إلى هذا الحاضر وأن نؤسس للمستقبل دون الوقوف لحظة للتأمل في مجريات الحوار والنقاش الطويل الذي عشنا تفاصيله وجزئياته وسهرنا من خلاله على تذويب الخلاف ودحض الشكوك والمخاوف من أجل تقريب وجهات النظر المختلفة والتجارب والرؤى المتعددة التي تجاذبت موضوع استقلال النيابة العامة.
لقد كان التحدي هو إيجاد نموذج مغربي لاستقلال السلطة القضائية بكل مكوناتها وهياكلها كما حث على ذلك جلالة الملك محمد السادس نصره الله في العديد من المناسبات ومنها كلمته التاريخية يوم 10 مارس 2011 أمام اللجنة الاستشارية المكلفة بإصدار الدستور حين دعاهم إلى “الاجتهاد الخلاق لاقتراح نسق مؤسسي مضبوط يقوم على التحديد الواضح لسلطات المؤسسات الدستورية بما يجعل كلا منها يتحمل مسؤولية كاملة في مناخ سليم”.
نموذج ملائم من جهة لنظامنا القضائي وهياكله وبنياته ومنسجم مع خصوصية الواقع المغربي، ومنفتح من جهة أخرى على كل التجارب العالمية الرائدة والممارسات الحقوقية الفضلى..
ولا أخفيكم سرا أننا على مستوى لجنة استقلال القضاء التي تشرفت برئاستها في إطار الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة والتي ضمت قامات قضائية وقانونية وحقوقية من أعلى المستويات تداولنا لأيام وساعات طوال وفي أجواء شاقة وجد حساسة من أجل إيجاد تصور واضح ملائم مقبول ومنسجم مع واقع ديناميكي ومجتمع تواق إلى نيابة عامة مستقلة ناجعة شفافة كفأة ومتشبعة بروح حقوقية كبيرة قادرة على تفعيل مضامين الوثيقة الدستورية ومقتضيات المنظومة القانونية المعقدة ومستعدة لتحمل المسؤولية في جو من المحاسبة والتقييم دون أي حرج أو ضيق أو ضجر.
وقد استطعنا بتوفيق من الله –رغم كل المخاوف التي أثيرت وقتئذ – أن نبلور قناعتنا في شكل اقتراحات وتوصيات ورؤية نالت الثقة وخرجت إلى حيز الوجود كنص تشريعي بعدما استنفدت الإجراءاتوالمساطر القانونية والتنظيمية اللازمة، معبرة بذلك عن إرادة ورغبة المغاربة فأصبحت اليوم واقعا ونموذجا نفتخر به بين التجارب العالمية الرائدة.
الحضور الكريم:
إننا نحن اليوم نعيش واقعا كان إلى الأمس القريب سقفا للطموح والآمال التي عبرنا عنها في أدبياتنا المهنية والجمعوية والحقوقية ونادينا بها في لقاءاتنا ومؤتمراتنا وندواتنا وطنيا ودوليا، ولعل جدران مركب ثريا السقاط مازالت شاهدة على ذلك ونحن نطالب باستقلال حقيقي تام للنيابة العامة التي لا يستقيم استقلال السلطة القضائية بدونها، وذلك خلال الندوة الوطنية الكبرى التي نظمناهاخلال سنة 2006 تحـــت عنوان ” استقلال القضاء استقلال القاضي “والتي حضرها مئات القضاة والحقوقيين الأكاديميين ومهنيي العدالة وقلت في كلمتي الافتتاحية لهذا اللقاء التاريخي : ( …إن استقلال النيابة العامة ركن أساسي في استقلال القضاء.)
يوم6 أبريل و 6 أكتوبر2017، أيها السيدات والسادة المحترمين كان خير دليل وشاهد على أن الإرادة الوطنية الصادقة والإيمان الراسخ العميق هما مفتاح الإصلاح وجوهره.
الحضور الكريم ؛
اليوم يجب أن يلمس المواطن آثار ونتائج استقلال السلطة القضائية ومنه استقلال النيابة العامة في آليات حل نزاعاته، وفي تدبير مشاكله وتنظيم علاقاته القانونية والواقعية مع باقي الأفراد والجماعات والمؤسسات.
نحن أمام تحدي تكريس الثقة الموطدة للأمن القانوني والقضائي، ونحن أمام إشكالات معقدة فرضتها علينا عولمة القيم والعلاقات، وتطالبنا بكثير من التبصر والتجرد والشفافية.
ونحن أمام تحديات تدبير العلاقات وتنظيم المؤسسات والسلط وتطالبنا بمد جسور الحوار والتواصل ووضع آليات الحكامة الجيدة والتدبير المعقلن.
تحديات ذات طبيعة قانونية ومهنية وحقوقية وتنظيمية وإدارية، وعقليات يجب أن تستوعب هذه المتغيرات وتعي الإكراهات وتحدد الأهداف وترصد الإمكانات بكل موضوعية واعتدال.
والأكيد أن أي متتبع موضوعي سيقف على أننا كسلطة قضائية بكل مكوناتها استطعنا خلال فترة التأسيس أن نبرهن عن عمل دؤوب ودينامية واضحة من خلال الاشتغال على أولويات وأوراش إصلاحية هامة رغم كل الصعوبات والتحديات.
مرحلة التأسيس التي نستهدف من خلالها تفعيل معايير الشفافية والنجاعة والحكامة والتخليق في إطار مخطط استراتيجي واقعي واضح الرؤية ومحدد الأهداف من أجل إرساء عدالة حديثة قوية مستقلة تكون في خدمة المواطن.
الحضور الكريم؛
لا يسمح الحيز الزمني بإبراز حصيلة وحجم العمل الوطني الكبير المنجز من قبل السلطة القضائية خلال هذه المرحلة التأسيسية ، لكن لي اليقين أن أشغال هذا اللقاء ستكون أمامنا فرصة للتقييم والتطوير وعزمنا ثابت من أجل مواصلة المسيرة ونؤدي الأمانة والرسالة بكل وطنية وضمير مسؤول حتى نكون في مستوى الثقة الملكية الغالية.
كل الدعاء لأشغال هذا الملقى الوطني الهام ، بالتوفيق والسداد .
” وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ”. صدق الله العظيم.
التعليقات مغلقة.