أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

القانون الدولي وسؤال الغاية

جريدة أصوات

حسام هرهوري

 

لفترة طويلة، استحوذ القانون الدولي على اهتمام القانونيين العالميين، حيث بقيت القواعد القانونية التي ينشدها موضوع تساؤلات لا تنتهي وسجالات دائمة.

 

 

حاكت النظريات والدراسات الفقهية ملف القانون الدولي وشملت جوانبه المتعددة، ومع النقاشات المستمرة، تبرز مشكلة تنفيذ هذا القانون كواحدة من التحديات الكبيرة التي يواجهها الباحثون في المجال.

 

يطرح السؤال الأساسي حول مستقبل القانون الدولي في ظل الانتهاكات المتكررة لقواعده، التي وُضعت ليتم احترامها وتطبيقها بواسطة الدول والجهات المعنية.

 

الانتهاكات الحالية لقواعد القانون الدولي تجعل البعض يشكك في فائدة وجود قانون دولي، خاصة مع ضعف قوته التنفيذية والتجاوزات التي تحدث لمبادئ منظمة الأمم المتحدة والقوانين الدولية. من الناحية القانونية، القانون الدولي لا يزال موجودًا بقواعده وآلياته التي يعتمد عليها، وله قوة قانونية تجاه المعنيين به، مع فرض عقوبات وعواقب على أي خرق لهذه القواعد. ومع ذلك، على الرغم من قبول هذا المعطى من الناحية النظرية، إلا أن تطبيقه الفعلي يبقى بعيدا عن التوقعات ومخيبا للآمال.

        

إن التجاوزات المتكررة على قواعد القانون الدولي تشكل أمثلة بارزة على الانتهاكات الخطيرة التي تستهدف القواعد الأساسية للمجتمع الدولي. تظهر هذه الانتهاكات في سياقات متعددة من الصراعات والحروب، حيث ترتكب أفعال ممنهجية تتناقض مع مبادئ الإنسانية وتخالف القوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والقوانين الإنسانية الدولية. هذه الأفعال المشينة تتباين في شدتها وطرق تنفيذها، وغالباً ما تحدث علناً وبطرق مروعة تثير الرأي العام الدولي.

 

من الناحية القانونية، تدخل هذه الأفعال تحت نطاق القانون الدولي، بما يشمل القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. لكن على الرغم من ذلك، فإن الآثار الفعلية لهذه القوانين غالبا ما تكون محدودة على مرتكبي هذه الجرائم. وبينما توجد هيئات دولية مثل الأمم المتحدة لمراقبة وتنفيذ القانون الدولي، فإنها تظل عاجزة أمام استمرار تجاوزات وانتهاكات القوانين الدولية. يتم التعبير عن الاستياء والتنديد من قبل هذه الهيئات ولكن بالتصريحات الكتابية والشفوية دون إجراءات فعالة تجاه الانتهاكات.

 

تأسست الأمم المتحدة أساسا للحفاظ على السلم والأمن الدولي، وقد جاءت تنظيمات القانون الدولي لتحقيق هذا الهدف. ومع ذلك، فإن الواقع الدولي يظهر عدم تحقيق هذا الهدف، مما يجعل من الصعب التحدث عن سلام دولي أو أمن في ظل الصراعات والاضطرابات العالمية المستمرة، وعلى الرغم من الجهود الدولية لتعزيز القوانين الدولية وتحقيق تطبيقها، إلا أن هذه الجهود غالبا ما تواجه مقاومة شديدة تستند إلى مبررات متعددة، بما في ذلك مبدأ السيادة الوطنية ورفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وحق الفيتو.

 

على الرغم من التقدمات التي شهدها القانون الدولي في تحويل مبدأ سيادة الدول من مبدأ مطلق إلى مبدأ مقيد، خاصة فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان التي يتناولها القانون الدولي لحقوق الإنسان، إلا أن التجربة تظهر أن الالتزام بالاحترام الكامل للسيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول لا يزال عائقا واقعيًا أكثر من كونه مجرد قضية قانونية تعيق تنفيذ قواعد القانون الدولي في أنظمة القوانين الداخلية للدول.

هذه المعضلة التي يعاني منها القانون الدولي تجعله يظل نوعا من القانون الميت، حيث تولد قواعده دون قدرة على التطبيق الفعّال. الآليات المكلفة بتنفيذ القانون الدولي تظل ضعيفة وبعيدة عن تحقيق التنفيذ الفعال على أرض الواقع، فعلى سبيل المثال، قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن غالبا لا تحظى بالاهتمام أو الالتفات الكافي من الدول المعنية بهذه القرارات. التحقيقات الدولية التي تجري تحت مظلة الأمم المتحدة غالبا ما تواجه صعوبات في تحقيق النتائج المرجوة، وحتى في حالة توصلت إلى نتائج، فإن ترتيب العقوبات القانونية لا يتم عمليا، وبالتالي يظل التمسك بتنفيذ القانون الدولي في مرتبة الأهمية.

 

الآليات القضائية الدولية تعتبر واحدة من الوسائل الردعية لتطبيق قواعد القانون الدولي، ومثال على ذلك هو تأسيس المحكمة الجنائية الدولية التي تعتبر تطورا هاما في النظام القانوني الدولي. تمنح هذه المحكمة صلاحية متابعة ومحاكمة أفراد أو جماعات ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم العدوان وجرائم الإبادة الجماعية، وفق مقتضيات القانون الدولي الإنساني. ومع ذلك، فإن الآليات القضائية تواجه صعوبات في تطبيقها على الصعيد العملي، وتواجه المحكمة الجنائية الدولية تحديات في مصادقة الدول على نظامها الأساسي.

 

مستقبل القانون الدولي يعتمد أساسا على قدرة تنفيذ قواعده، وهذا يتعلق بشدة بالإرادة السياسية الدولية ووجود آليات فعالة قادرة على تنظيم قوة تنفيذية للقوانين الدولية. الانتهاكات المتكررة للقانون الدولي تقلل من قيمته وتجعله مجرد تطلعات وآمال على ورق، دون الوصول إلى مستوى القانون الذي يتميز بالالتزام القانوني وترتيب العقوبات لمن ينتهكه، وحتى بالقوة الضرورية إذا استدعى الأمر.

 

 

 

التعليقات مغلقة.