القنيطرة/عزيز منوشي
تسبب خطأ طبي ارتكبه طبيب بمستشفي الادريسي، بالقنيطرة، في إصابة الفتاة (وفاء ) بعجز ووعكة صحية وتعطيل عن العمل و قطع رزقها، حيث لم يتم التعامل مع حالة المريضة وفقا للأصول الطبية المتعارف عليها.
قصدت “وفاء” المستشفى من أجل المساعدة على العلاج، لم تكن تتصور سوداوية الوضع الذي سيعقب الرحلة، ليتحول الحلم بالشفاء إلى سقوط تام وعجز شامل.
الوضع يحيلنا على حالة المستشفيات في المغرب، والمسؤولية في تأهيل العنصر البشري الطبي، و الإحساس بالمسؤولية باعتبارهم مداخل إصلاح صحي لكافة المؤسسات، فولوج المستشفى يجب أن يكون بحثا عن العلاج، لا رحلة في المجهول، أومغامرة غير محسوبة العواقب.
من الممكن أن يكون الجواب أن الأخطاء الطبية تقع على صعيد الكون كله، لكن السؤال الأهم و المشروع، هو عن الحماية التي ستوجه ل “وفاء” لتعود البسمة إلى محياها، وتساعدها على تجاوز هاته الوضعية الصعبة، لأننا أمام مؤسسات و بالتالي مسؤوليات، وهاته المسؤوليات تترتب عليها جزاءات تتحملها المؤسسة التي وقع الخطأ الطبي داخل أروقتها.
عند البحث عن حالات لضحايا الأخطاء الطبية بالمملكة المغربية، يصدم المرء بقصص تقشعر لها النفوس، فعلى سبيل المثال هناك مرضى تسبب لهم في مرض الكلي أو أجزاء داخلية من أجسامهم، وآخرون تم نسيان مقصات وأدوات جراحية داخل بطونهم، أما بعض المرضى فقد انتهى بهم المطاف في مستودع الأموات، بسبب أخطاء طبية أو إهمال، كحال “وفاء” التي تعاني من وجع وتعفن بمدينة القنيطرة، بعد أن دخلت المستشفى لإجراء عملية، وهي عملية من الدرجة السهلة، ثم لم تر النور بعد ذلك.
كشأن العديد من المشكلات الجوهرية، لا توجد إحصائيات رسمية لجرد حالات الأخطاء الطبية وحيثيات تطوراتها في المغرب، لكن هناك شبه إجماع للمراقبين والمهتمين بالصحة حول تزايد ضحايا الأخطاء الطبية، إذ أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي والصحف الإلكترونية منبرًا للشكوى للذين تعرضوا إلى الحيف من قبل بعض ذوي البزات غير البيضاء، فيما القسم الأكبر من جبل الجليد لا يزال مغمورًا تحت جدار السرية، باعتبار ثقافة “القدَر والمكتوب” الشائعة بين المغاربة ارتباطًا بالموت، مما يحول دون الاعتراف بـ”الخطأ الطبي” كجريمة، إذ بالأحرى متابعة المتسببين فيه.
قلة قليلة من ضحايا الأخطاء الطبية أو ذويهم فقط هي من تتجه إلى إقامة دعاوى قضائية ضد الأطباء المتسببين في الخطأ، إلا أنهم سرعان ما يتيهون بين ردهات المحاكم وإدارات المستشفى والمساطر المعقدة من أجل إثبات الخطأ الطبي. وفي غالب الأحيان تنتهي مسيرتهم الطويلة والمكلفة، في محاولة منهم لرد الاعتبار إلى فقيدهم، بدون جدوى، أو في أفضل الحالات بتعويض لا يجبر خاطر، إذ أن الهيئة المخولة بالنظر القانوني في قضايا “الأخطاء الطبية” وإجراء الخبرات اللازمة للإثبات، هي نفسها الهيئة الوطنية لأطباء المغرب التي تضم جميع أطباء المملكة بمختلف تخصصاتهم، فكيف يعقل أن تضطلع بمهمة التحكيم!
هناك فراغ قانوني مغربي بخصوص الجرائم الطبية، فلا وجود لنصوص قانونية خاصة تجرم الخطأ الطبي.
بيد أن المشكلة ليست فقط في الجهة المخولة في متابعة الأطباء المهملين، بل أيضًا هناك فراغ قانوني بخصوص هذا النوع من الجرائم، “فلا توجد نصوص قانونية خاصة تجرم الخطأ الطبي، وكل ما هو موجود هو نصوص قانونية متفرقة في القانون الجنائي والمدني، ومتقادمة لا تواكب التطور الطبي الحاصل”، كما تؤكد العديد من الآراء القانونية، وبالتالي ينسل المرتكبون للخطأ الطبي بمسؤولية جريرتهم، فيما يتجرع المرضى الضحايا وأسرهم طعم المعاناة.
على الرغم من أن هناك إشكالية في تحديد ماهية “الخطأ الطبي”، تبعًا لجودة المنظومة الصحية التي يشتغل فيها كل طبيب، وهذا يشمل التكوين الطبي للطبيب والبيئة الإدارية والتجهيزات الطبية، وكذا تبعًا لمدى التقدم الطبي العلمي الحاصل داخل كل بلد، إلا أن هناك قاعدة أساسية يتفق عليها المهتمون بالشأن الصحي وهي أنه “على كل من قدم قسم أبقراط أن يبذل قصارى جهده، على قدر معرفته والتجهيزات الموجودة في متناول يده، من أجل علاج مريضه والاعتناء به بكل تفان وإنسانية”.
هذا ما لا يلتزم به عدد من الأطباء والعاملين في المستشفيات المغربية، الذين يخلون بواجباتهم المهنية والأخلاقية، إذ أن الخطأ الطبي في أغلب حالاته ينتج عن الإهمال، كما قد يكون ناتجًا عن خطأ في الإجراءات المتخذة أو في تقدير الأدوية أو اختيار جرعة التخدير، في حين يمكن تلافي كل هذه الأخطاء.
والأسباب المؤدية إلى مثل هذه الأخطاء الطبية الكارثية في البلد متعددة، أهمها، سوء تدريب وتكوين الأطباء، والاكتظاظ والفوضى الناتج عن ضعف التنظيم الإداري بالمستشفيات. فضلًا عن النقص في عدد الأطباء والموظفين الصحيين، إضافة إلى غياب قوانين خاصة تحاسب مقترفي الأخطاء الطبية، كلها أسباب تفضي إلى أضرار وخيمة على صحة المرضى القادمين أصلًا بحثًا عن العلاج، وليس للتعرض للعجز أو الوفاة.
وبحسب منظمة الصحة العالمية فإن الأخطاء الطبية تتسبب في وفاة واحدة على الأقل كل يوم عالميًا، وتصل أضرارها بالبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل إلى ضعف ما هو عليه الحال في الدول مرتفعة الدخل، من حيث عدد سنوات العمر المفعم بالصحة المفقودة. هكذا تبقى معاناة ضحايا الأخطاء الطبية في المغرب مجللة برداء الحقوق المنقوصة والعدالة الغائبة
التعليقات مغلقة.