قال رئيس الجامعة المفتوحة للداخلة إدريس الكراوي، إن حالة إفريقيا والغرب، اليوم، في ظل العالم الجديد، توضح بشكل بارز التدهور والانخفاض والتقلص المتنامي لمكانة ولأدوار وقوة الغرب، مرجعا ذلك إلى أن النموذج الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والقيمي الذي بنى عليه الغرب حضارته قد بلغ مداه، وهذا ما جعله يفقد مكانته على كافة الأصعدة: ثقافيا واقتصاديا ومجتمعيا وديمغرافيا.
وأضاف الكراوي، الذي كان يتحدث ضمن ندوة “إفريقيا والغرب.. الموروث والمأمول”، على هامش الدورة الـ44 لموسم أصيلة الثقافي الدولي، أن الانحسار الاقتصادي والمجتمعي والأزمة البنيوية التي حلت بالنموذج الغربي المتعلق بالديمقراطية كلها عناصر عجلت بسحب البساط من تحت أقدام الغرب، فلم يعد مرجعا اليوم لا من الناحية الإيديولوجية ولا الثقافية ولا الحضارية.
وفيما يتعلق بإفريقيا، سجل رئيس الجامعة المفتوحة للداخلة أن العالم الجديد يطبعه وعي لافت ومتنام لإفريقيا شعوبا ونخبا، سياسية واقتصادية وعلمية وثقافية ودينية، بالدور المستقبلي الرائد الذي يمكن أن تلعبه القارة كقاطرة مستقبلية للاقتصاد العالمي وكقطب قوي جديد للنمو وكرافعة بشرية لإنجاح التحديات المرتبطة بالانتقالات الجوهرية فيما يخص البيئة والطاقة والرقمية.
ولم يغفل الكراوي الدور الذي يمكن أن تلعبه القارة، أيضا،في المجالات الحيوية المرتبطة بالسيادة الغذائية والمائية والدوائية وتلك المتعلقة بالتنوع البيولوجي، وبتثمين الرأسمال اللامادي الذي تزخر به القارة كما ونوعا، مؤكدا أن هذا يعني أن إفريقيا تتوفر، اليوم في ظل العالم الجديد، على ميزات مقارنة تنافسية واستراتيجية تؤهلها لتلعب مستقبلا أدوارا طلائعية، في ظل التدهور المتنامي لقوة الغرب.
وأورد الخبير ذاته أن بداية استعمال بعض القادة لهذه الأوراق في تدبير علاقاتهم مع محيطهم الخارجي بدأ يتطور داخل مناخ يتميز بخصوصيتين رئيستين؛ أولاهما دخول عولمة الاقتصاد وشملنة المبادلات الدولية في أزمة بنيوية، في ظل تطور مخاطر جديدة وتنامي أزمات من نوع جديد؛ كأزمة الماء، وبروز جيل جديد من الحروب أكثر فتكا ودمارا، منبها إلى أن هذه الأزمة يوازيها دخول الدول والتجمعات الجهوية والإقليمية في البحث الحثيث عن مختلف أشكال السيادة.
كما لفت المتحدث الانتباه إلى أن سياقات تطوير تحالفات استراتيجية جديدة تقودها دول غير غربية صاعدة اقتصاديا وعسكريا كالهند والصين وروسيا وتركيا والمكسيك والبرازيل وكذلك المملكة العربية السعودية والمغرب بالنسبة لإفريقيا، مشيرا إلى أنه في ظل هذا الوضع العالمي الجديد، فإفريقيا القرن الحادي والعشرين مطالبة بإعادة ترتيب أوراقها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والبيئية والثقافية والمجتمعية والأمنية والعسكرية.
وهذا، حسب الكراوي، يكمن في ضرورة إعادة التفكير في إفريقيا القرن الحالي؛ لأن كل شيء تغير أو هو في طور التغير بسرعة فائقة وبالطبيعة البنيوية على جميع الأصعدة،محذرا من أن تأخذ منهجية التفكير هذه منحى مبنيا على الثنائية مع الغرب أو ضده، لكونها ثنائية عقيمة وغير منتجة للمعنى ولا تؤدي إلى بدائل مبدعة فكرا وممارسة؛ وزاد: كل ما على النخب الإفريقية أن تؤسس لحركة فكرية جديدة.
كما أوصى بضرورة الانطلاق في عملية التأسيس المذكورة من إعادة قراءة تاريخ القارة والتخلص من غربنة كل مجالات ومناحي الحياة الإفريقية، مشددا على أنه لبلوغ هذا الهدف فعلى إفريقيا أن تثق في إفريقيا، كما قال الملك محمد السادس في إحدى المرات، وعليها أن تعتمد على قواتها الداخلية، وأن تعي بأن هذا المشروع يمر عبر بناء إفريقيا موحدة متضامنة وقوية.
ومضى قائلا إفريقيا مطالبة بثورة ثقافية وسياسية حقيقية لمراجعة تاريخيها ولإعادة ترتيب مكونات التفكير في إشكالياتها الكبرى، وإعادة ترتيب أوراقها في علاقتها مع العالم وخصوصا مع الغرب؛ لكن، إفريقيا مطالبة كذلك بإقامة علاقة تعاون مع هذا الغرب، لأن الجغرافيا والتاريخ والتحديات المشتركة تحتم عليها ذلك؛ وأضاف أن هناك أيضا مصالح مشتركة بحكم العامل الجيواستراتيجي.
وأجمل بأن “الغرب وإفريقيا مطالبان ببناء مصير مشترك، لأن هناك رهانات متقاسمة؛ لكن على إفريقيا أن تكون واعية تمام الوعي بأن الدخول في هذا التحالف يتطلب توفير ثلاثة شروط رئيسية: بناء جماعي لجيل جديد من التنمية المتبادلة؛ تحقيق السلم والأمن في الساحل وفي الشرق الأوسط (القضية الفلسطينية) وفي المغرب من خلال شرعنة دولية لمغربية الصحراء وعلاج مشكل ليبيا؛ ثم بناء منطقة كبرى تضم إفريقيا والعالم العربي والغرب”.
التعليقات مغلقة.