أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

الكلمة الإفتتاحية للرئيس المنتدب بمناسبة انعقاد اجتماع المجلس الأعلى للسلطة القضائية

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.

السيدات والسادة اعضاء المجلس الأفاضل؛ 

اسمحوا لي أن أعبر لكم في مستهل هذا اللقاء المبارك عن مشاعر السعادة والاعتزاز بعقد هذا الاجتماع في ظل هذه الظروف الصحية الاستثنائية العالمية.

ظروف وإن فرضت على العالم التباعد الجسدي كتدبير وقائي إلا أنها كانت فرصة لنكرس القرب الإنساني في أبهى صوره ونعزز مناعتنا الجماعية من خلال التمسك بقيم أساسية نؤمن بها جميعًا، قيم المسؤولية والواجب والمواطنة.

وهنا لابد أن أحيي غاليا تجاوبكم التلقائي مع  دعوتنا إلى المساهمة في صندوق التضامن الذي أحدث وفق رؤية  ملكية حكيمة متبصرة،  مساهمة ذات رمزية كبرى تفاعل معها  أيضا بتلقائية وأريحية مختلف أطر المجلس وكل قضاة المملكة الأفاضل معبرين كعادتهم عن إحساس عميق بواجب الانخراط في كل القضايا الوطنية الكبرى.

فلكم جميعًا عظيم الشكر والامتنان.

الحضور الكريم؛ 

في ظل ظروف  استثنائية كهاته تكون المؤسسات ملزمة باعتماد قواعد حكامة المخاطر وإستراتجية تدبير الأزمات وهو ما حرصنا عليه من خلال مقاربة تعتمد على مداخل أساسية وهي:

المبادرة الاستباقية؛

العمل التشاركي؛

الحلول الخلاقة ؛

التواصل والشفافية؛

جعل الأمن الصحي أولوية الأوليات .

وفي هذا السياق،  وبمجرد ما بدت بوادر هذا الوباء الصحي  وجهنا  بشكل مبكر كتابا  للمسؤولين القضائيين بمختلف المحاكم للتشديد في مراقبة الولوج واتخاذ الاحتياطات اللازمة لتجنب انتشار هذا الوباء داعين  إلى إخبار الجهات المعنية بكل حالة تكون محط شك في حمل الفيروس أو تظهر عليها أعراض المرض حماية للمرتفقين والعاملين بالمؤسسة القضائية.

ثم بادرنا بتنسيق مع السيد الوكيل العام لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة والسيد وزير العدل إلى اتخاذ قرار عاجل يوم 16 مارس  قبل اتخاذ قرار الحجر الصحي بتعليق جميع الجلسات بمختلف المحاكم باستثناء قضايا المعتقلين والقضايا الاستعجالية حماية للصحة والسلامة العامة وضمانا في نفس الوقت لاستمرار المرفق العام في أداء واجبه والتزامه الدستوري بصيانة الحقوق والحريات، واضعين رهن إشارة العموم كل آليات التواصل عن بعد ليضطلع المرتفقون ويطمأنوا على مآلات ملفاتهم وإجراءاتهم.

‏‎ قرارات عملنا على مواكبتها بعدد من التوجيهات والمذكرات لمختلف المحاكم من أجل رصد  كل الاشكالات المستجدة   وحلها بمختلف الطرق القانونية المتاحة في موازنة واضحة بين ما تفرضه إجراءات الصحة والسلامة وبين التدبير الأمثل لهذا المرفق الحيوي الهام خاصة في مثل هذه الظرفية الاستثنائية.

‏‎ كما بدى جليا أيضا هاجس ضمان سلامة المعتقلين وسد منافذ انتقال العدوى حاضرا كأولوية  من خلال إصدار السلطة القضائية لتعليمات وتوجيهات حول كيفية التدبير الوقائي العملي لسير الجلسات  وتفاعلنا بشكل إيجابي مع ملتمس وزارة الثقافة والشباب والرياضة بخصوص تغيير التدابير المتعلقة بنزيلات ونزلاء مراكز حماية الطفولة.

‏‎ حيث تم إصدار دورية في هذا الاتجاه بما يحفظ المصلحة الفضلى للأحداث وتحقيق شروط الصحة العامة ووقاية الأطر الإدارية والتربوية العاملة بهذه المراكز.

منهج عمل استلهمناه من الرؤية السامية السديدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس التي وضعت  صحة وسلامة الإنسان فوق كل الاعتبارات والأولويات.

‏رؤية ملكية إنسانية عميقة الدلالات خولتنا بفضل الله استمرارية محاكم المملكة في أداء عملها دون تسجيل حالات إصابة، ومكنتنا  في نفس الآن من ضمان الأمن القانوني وحماية المكتسبات الكبرى التي حققتها العدالة ببلادنا.

وهنا لابد من الإشادة بالعمل الوطني الكبير لقاضياتنا وقضاتنا الذين كانوا في الصفوف الاولى من اجل مواجهة تداعيات هذا الوباء مرابطين  بمقرات عملهم ساهرين على التطبيق العادل للقانون وتقديم الخدمات القضائية الواجبة بكل وطنية ومسؤولية،  وبذل وعطاء،  فلهم منا جزيل الشكر والامتنان.

كما يحق لنا أن نفخر بكل موضوعية بمشروع المحاكمات عن بعد الذي استطعنا من خلاله  أن نحقق نتائج جد مهمة  رغم كل الإكراهات والصعوبات، وهو ما تعبر عنه  بكل الحصيلة العامة  الإيجابية  والمؤشرات الرقمية والتقنية الهامة التي تحققت خلال  الشهر  الأول على انطلاقة هذا المشروع يوم 27 أبريل إلى غاية يوم 29 ماي 2020 ،حيث عقدت   مختلف محاكم المملكة خلال هذا الشهر (1469) جلسة عن بعد أدرج خلالها (22268) قضية وتم البت في (9035 ) منها.

كما  استفاد من هذه العملية (24926) معتقلا، وافقوا على محاكمتهم عن بعد  دون الحاجة إلى نقلهم  إلى مقرات المحاكم، تفاديا لكل المخاطر الصحية المحتملة في هذه الظرفية  الاستثنائية.

وهي كلها مؤشرات تحفزنا إلى السير قدما في تفعيل كل آليات المحكمة الرقمية كخيار استراتيجي لا محيد عنه في المستقبل القريب.

مشروع  مقدام هو ثمرة عمل ومجهود مشترك بين مختلف السلط والمؤسسات والمهنيين يستحقون عنه كل الشكر والتنويه  وهنا لابد من تقديم كل عبارات التقدير والثناء الخاص  للسيد الوكيل العام رئيس النيابة العامة على دوره الفعال في إنجاح هذا المشروع وللسيد وزير العدل الذي وفر كل الإمكانات اللازمة بالمحاكم وكذا السيد المندوب العام لإدارة السجون الذي تفاعل بكل مسؤولية ووطنية من أجل تدبير أمثل لهذه المرحلة، وللسيدات والسادة  المحامون وأطر وموظفي كتابة الضبط الذين عبروا كعادتهم عن حس وطني كبير وتفان وتضحيات جمة من أجل حسن سير هذه المحاكمات عن بعد.

السيدات والسادة الأفاضل؛

تدبير مرحلة ما بعد رفع الحجر الصحي بكل تحدياتها وإكراهاتها  كانت أيضا حاضرة ضمن أولوياتنا منذ بداية هذا الوضع الاستثنائي حيث بادرنا إلى توجيه مذكرة للمسؤولين القضائيين من أجل  الاستعداد لهذه المرحلة من خلال فتح كل قنوات الحوار مع الفاعلين والمهنيين على مستوى دوائرهم من أجل رصد الاشكالات المتوقعة واقتراح حلول بشأنها مما  يمكنهم من  استئناف العمل في أحسن الظروف وبأقل ضغط ممكن تفاديا لأي تراكم أو تأخير  محتمل.

كما عقدنا اجتماعا للجنة الرباعية تم من خلاله وضع تصور مبدئي لتدبير الفترة المقبلة من خلال منهج تدريجي عبر ثلاث مراحل يضع الأمن الصحي في المقام الأول، ومراعاة خصوصية كل دائرة قضائية عبر تمكين المسؤولين من وضع  التدابير  الملائمة  للعنصر البشري ولطبيعة  الملفات وعددها من خلال مقاربة تشاركية تؤسس للجان يقظة ستسهر على حسن تطبيق هذه الإجراءات والتدابير .

وهو ما قمنا ببسط خطوطه العريضة وجوانبه التفصيلية العملية خلال اجتماعنا عن بعد مع كافة السادة الرؤساء الأولين لمحاكم استئناف المملكة الذين عبروا عن تعبئتهم التامة من أجل تدبير هذه المرحلة القادمة بكل  ما تقتضيه من تبصر وحكمة ونجاعة.

ولي اليقين أننا جميعًا سنتجاوز كل هذه الصعوبات بالتمسك بمبادئ الضمير المسوول والحكامة وقيم أسرة العدالة الواحدة الموحدة.

السيدات والسادة الأفاضل؛

أكيد أنه في ظل هذه الرهانات المتعددة التي فرضها وضع استثنائي لم يكن متوقعا، لابد لهذا المجلس الموقر وهو يؤدي  اليوم مهامه الدستورية والتنظيمية أن يراعي كل هذه المستجدات برؤية متبصرة موضوعية ويواجه عدد من هذه الاشكالات بالحكمة والحزم المطلوبين وأن يعمل على تطوير آليات اشتغاله ويلائمها مع متطلبات المستقبل .

ولي اليقين أن عظيم تجربتكم الميدانية وعمق كفاءتكم القضائية والقانونية والحقوقية ستخول هذا المجلس  الموقر القدرة على مواجهة تحديات المرحلة القادمة ونكون في مستوى الثقة الملكية الغالية.

وفي الختام؛

أجدد لكم كل واحد باسمه وصفته، كل عبارات الشكر والتقدير راجيًا من العلي القدير أن يدخل عليكم هذه الأيام  المباركة بموفور الصحة والعافية والأمن والأمان إنه ولي ذلك والقادر عليه.

التعليقات مغلقة.