أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

“عبيد الكيف”: دراسة ترصد الوجه الخفي لزراعة القنب الهندي والانتحار

الأستاذ: عثمان العمراني

الأستاذ: عثمان العمراني

 

سلطت دراسة حديثة للدكتور “محمد شرايمي”، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة “عبد المالك السعدي” ب”تطوان”. صدرت عن “دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع” بالرباط عام 2025. تحت عنوان “عبيد الكيف: الانتحار والسلوك الانتحاري بالمغرب–دراسة ميدانية بمنطقة زراعة القنب الهندي بشمال المغرب”. الضوء على العلاقة المعقدة الرابطة بين زراعة القنب الهندي، الظروف الاجتماعية والاقتصادية وزيادة حالات الانتحار في المنطقة.

"عبيد الكيف": الوجه الخفي لزراعة القنب الهندي والانتحار في شمال المغرب
القنب الهندي

وقد خلصت الدراسة إلى أن ظاهرة الانتحار ترتبط بجملة من العوامل المركبة، من أبرزها: الملاحقات القانونية المرتبطة بزراعة القنب الهندي. الصراعات حول الموارد الطبيعية كالأرض والماء. إلى جانب التقلبات الاقتصادية الناتجة عن تذبذب أسعار الكيف وتراكم الديون. وقد أدت هذه العوامل مجتمعة إلى انحدار اجتماعي حاد، وفقًا للدلالة السوسيولوجية لهذا المفهوم. واقفة بذلك حول حضور عدة عوامل في حصول الظاهرة.

وهي عوامل توضح وجود تفاعل مأساوي تتداخل فيه الظروف الاجتماعية والنفسية. حيث ترتبط معظم حالات الانتحار بالفئة العمرية بين 20 و40 سنة. مع تفضيل الذكور الشنق كوسيلة، والإناث التسميم كطريقة. وهي ظاهرة منتشرة في المناطق الريفية تحديدا.

وقد استندت الدراسة إلى العديد من النظريات والدراسات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية التي تناولت الظاهرة. والتي غاصت في التاريخ الاجتماعي لمنطقة شمال المغرب. لا سيما في موضوع علاقة الحلال والحرام في التعاطي مع زراعة القنب الهندي. وهي العلاقة التي أضفت عليه طابعًا دينيًا وأدخلته في دائرة المسموح به.

وقد تجلى هذا القبول في مجموعة من المرجعيات التاريخية والدينية، من شرفاء وصلحاء وزوايا. بل وحتى شخصيات مشهورة، من أبرزهم: “سيدي هدي”، زعيم “الطائفة الهداوية” بقبيلة “بني عروس”، والولي “سيدي امحمد جمعون” بقبيلة “بني خالد الغمارية”.

وهي بذلك تستبعد الفرضيتين التقليديتين المؤكدتين على أن الفقر أو الدين يعتبران العاملان الرئيسيان الوحيدان في حدوث الظاهرة. مؤكدة على أن الانتحار نتيجة لتفاعل معقد بين عوامل اقتصادية، اجتماعية ونفسية. 

وقد اعتمد الباحث في دراسته على منهجية بحثية مزجت بين الأدوات الكمية، كتحليل البيانات الإحصائية. والأساليب الكيفية، مثل المقابلات الميدانية وتحليل مضمون بعض الأهازيج الجبلية التي تعكس معاناة الإنسان في سياق أنشطة زراعة القنب الهندي. وهو ما أضفى على التحليل عمقًا وموضوعية.

وخلص المؤلف إلى أن الانتحار في مناطق زراعة القنب الهندي يعتبر نتيجة لتفاعل معقد بين ظروف اقتصادية، اجتماعية ونفسية، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بهذه الزراعة. وبذلك، تستبعد الدراسة فرضيتين طالما تم تداولهما دون تمحيص علمي دقيق، وهما: الفقر كعامل مباشر، والدين كعامل روحي متمثل فيما يُعرف بـ ‘الفراغ الروحي.

وتُبرز الدراسة أهمية استحضار الأبعاد القانونية، خاصة قوانين مكافحة زراعة الكيف التي غالبًا ما يتم فصلها عن السياقات الاجتماعية والثقافية. حيث أن تجريم الزراعة دون وضع برامج تنموية بديلة يعمق من معاناة الساكنة ويزيد من حالات الانتحار. وهو ما يحتم إعادة النظر في السياسات القانونية والاجتماعية، استنادا إلى القواعد السامية العليا لحقوق الإنسان، التي تؤكد على ضرورة حماية الفئات الضعيفة. 

التعليقات مغلقة.