اللغة والتأويل في الوثيقة الدستورية بقلم خديجة العامري
بقلم خديجة العامري
يعتبر النص الدستوري العمود الذي يبنى عليه القانون الدستوري. لذا يجب أن تصاغ هذه النصوص بلغة قانونية سليمة خالية من أي علة ومن أي أخطاء.
وتعد اللغة وعاء الفكر وأداة التعبير وترجمة للواقع والوقائع ونقل الأفكار. وتكمن أهميتها في كونها وسيلة وأداة في تفسير وتأويل النصوص وفهمها. وذلك من خلال الإحاطة بمعانيها وتحديد دلالاتها ومقاصدها وغاياتها.
وتتميز اللغة القانونية باعتبارها أداة التأصيل والتقعيد القانوني. بكونها ذات أهمية خاصة في التشريع القانوني. وتعد من أصعب أنواع اللغات المستخدمة في سن القوانين والدساتير والتشريعات والأنظمة وتحرير الوثائق القانونية. وذلك نظرا لما تحمله من خصوصيات عند كتابة نص قانوني. مما يتطلب من المشرع اختيار المصطلحات والألفاظ التي تعكس معنى ومقصود النص. بما يساعد المواطنين على الالتزام بالفصول المنصوص عليها في النص القانوني. إلا أنه وعلى ضوء الخصوصيات التي يتمتع بها النص القانوني. يمكن تشبيهه “ببعض النباتات أو الأشجار التي لا يمكن لها أن تنمو وتزهر وتثمر. إلا إذا كانت البيئة التي تم غرسها فيها تستجيب لكل الشروط والظروف المواتية والملائمة لهذه النباتات والأشجار. بحيث متى تم غرسها في بيئة مغايرة كان مصيرها الذبول أولا. ثم اليبس ثانيا. ثم الوفاة في النهاية، بحيث لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تحيى إلا في بيئتها الخاصة بها”.
وطرحت اللغة القانونية العديد من الإشكاليات منذ بداية ظهور الدساتير القديمة. مما فتح أبوابا للنقاش بين فقهاء وخبراء والصناع المختصين في صياغة النصوص القانونية. نظرا لما عرفته النصوص الدستورية من تأويلات و تفسيرات. أما الإشكالية التي تطرح نفسها. وهي مشكلة الخلط ما بين التفسير والتأويل في الوثيقة الدستورية. كل هذا يدفعنا لطرح الإشكالية التالية: إلى أي حد تؤدي اللغة إلى التأويل في الوثيقة الدستورية؟
بداية يمكن الاعتراف بأن موضوعنا يتخذ نوع من الدقة والتركيز للبحث فيه. ويرجع السبب إلى ضرورة تحري الدقة وضبط المفاهيم والرؤية القانونية الشمولية. إضافة إلى ما يحمله موضوعنا لمختلف النصوص المتعددة التي تخضع لتأويل مستمر. هذا ما دفعنا لطرح العديد من الأسئلة ضمنها: كيف يمكن الحديث عن تماسك النص الدستوري؟. ما هي طرق التأويل في الوثيقة الدستورية؟. ما الفرق بين التأويل والتفسير في النص الدستوري؟. وللإحاطة بالموضوع أكثر نتبع التصميم التالي:
المبحث الأول: تماسك النص على المستوى المعجمي، النحوي، البنية التنظيمية.
المبحث الثاني: النص الدستوري و التأويلات الممكنة.
المبحث الأول: تماسك النص على المستوى المعجمي، النحوي، البنية التنظيمية.
يتعين على صائغ النص القانوني التمكن من اللغة التي سيحرر بها النص. وذلك حتى يتجنب كل المفاهيم والعبارات غير الواضحة وغير المفهومة والفضفاضة وذات المعنى الواسع. أو تلك التي تحتمل أكثر من معنى واحد. أو تتنافى مع الأسلوب القانوني الصحيح. ومن أجل تجنب المفاهيم المسببة للبس والخلط. يتعين على صائغ النص القانوني التمسك بقوة وقدر الإمكان بالمفاهيم القانونية الصحيحة. واستعمال اللغة القانونية المباشرة.[1]سواء على المستوى المعجمي. (المطلب الأول). أو على مستوى النحو والبنية التنظيمية (المطلب الثاني).
المطلب الأول: تماسك النص على المستوى المعجمي
من أظهر الوسائل التي يتحقق بها التماسك المعجمي على مستوى البنية السطحية للنص القانوني. تكرار عنصر معجمي ما، سواء ضمن نص قانوني واحد (المادة). أو عبر أكثر من نص ضمن القانون الواحد. وربما تعد نصوص القانون الواحد إلى نصوص قانون أخر. أو إلى منظومة من القوانين.[2]
والتكرار، بحسب الوظيفة النصية. يعني: “إعادة ذكر لفظ أو عبارة أو جملة أو فقرة، باللفظ نفسه أو بالترادف. وذلك لأغراض كثيرة أهمها: تحقيق التماسك بين عناصر النص المتباعدة.[3]وذلك ما يكفل استمرارية ما يتضمنه النص القانوني في أذهان المخاطبين به”.
نموذج تطبيقي:
“إذا فسخ العقد أعيد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد”[4].
فتكرار لفظ (العقد) في هذا النص هو إحالة قبلية تحقق بها التماسك بين أوصاله. إذ حل اللفظ المكرر (العائد) محل الضمير في قوله: (قبل العقد) بدلا من ( قبله). ومن ثم حدث الربط الذي كان سيحدث من خلال مرد هذا الضمير (المرجع) لو لم يحل محله اسم مكرر.
ونذكر بعض أنماط التكرار كالتالي:
تكرار عنصر معجمي، وينقسم إلى:
التكرار الكلي:
ويكون بإعادة العنصر المعجمي نفسه دون تغيير. وهو أعلى
درجات التكرار. ويستخدمه المشرع كثيرا في صياغة النص القانوني. لرغبته في تحديد الفعل القانوني الذي يتضمنه النص. وتعيين جوانبه المختلفة. وكذلك لتأكيد الحكم القانوني وتقريره في أذهان المخاطبين به.
التكرار الجزئي:
ويقصد به تكرار العنصر المعجمي مع إحداث تغيير في صيغته. أي تكرار المعنى الأساسي للكلمة لنص القانوني بتكرار جدرها المعجمي عبر ألفاظ مشتقة أو مصوغة منه. وهو ما يطلق عليه البلاغيون (الجناس الناقص). ومن أمثلته النص على أن: ” ومن وضع يده على منقول لا مالك له بنية تملكه، ملكه”[5].
فالكلمات (مالك، تملك، ملك) ترجع إلى جذر واحد هو (ملك). وهذا جدر يربط هذه الكلمات بعضها ببعض لاشتراكها جميعا فيه. ومن ثم يؤدي تكراره لتحقيق التماسك المعجمي بينها.
إعادة الصياغة:
ويقصد بها تكرار المحتوى الواحد بواسطة تعبيرات مختلفة. ويلجأ لإعادة الصياغة لإضفاء تنويع يسهم في تحديد الجوانب القانونية التي يتضمنها النص. وتعيين عناصره من فعل قانوني
وفاعل له. ذلك أن (النصوص القانونية تصاغ بحيث تعرف بعض أنواع السلوك تعريفا قاطعا لا لبس فيه. مما يجعل إعادة الصياغة وفيرة الاستعمال في النصوص القانونية. وذلك من أجل
استيعاب جميع الوجوه الممكنة للمحتوى المقصود)[6].
المطلب الثاني: تماسك النص على مستوى النحو و البنية التنظيمية
يتحقق الترابط على مستوى الجملة الواحدة بواسطة الإسناد الجملي. ونعني به العلاقة النحوية التي تجمع بين المسند إليه (المبتدأ-الفاعل). والمسند ( الخبر-الفعل). فإذا تجاوزت علاقة الإسناد هذه حدود الجملة الواحدة. وتحققت عبر العديد من جمل الحكمية الرئيسية التابعة التي تتوالى على امتداد النص القانوني. جاز وصفها بالإسناد النصي. وتكون حينئذ علاقة بين (موضوع) وهو المسند إليه و( محمول) هو المسند[7].
ويقسم “جون لاينز” الجملة إلى:
جملة نصية: وهي التي تستقل بدلالتها داخل النص.
جملة غير نصية: وهي عبارة عن جزء الجملة. فالحكم عليها بأنها جملة نصية يوجد حينما تعطي دلالة ما. كأنها نص أو إشارة إلى نص[8].
والجملة جزء من النسيج العام في بنية النص الكلية. وهي وحدة تركيبية تؤدي معنى دلاليا واحدا[9]. ويشتمل كل نص قانوني على جملة رئيسة (النواة). والتي تصاغ على هيئة تركيب إسنادي يتألف من: (مسند+مسند إليه). وتحمل هذه الجملة حكما بالالتزام أو الإباحة أو الحظر. ولذلك توصف بأنها جملة حكمية. وهي جملة نصية بالمفهوم السابق.
نموذج تطبيقي:
التركيب الإسنادي الفعلي:
مسند + مسند إليه = تركيب إسنادي فعلي:
مثاله نص على أن: ” تقع هبة الأموال المستقبلة باطلة”[10]
ويرد التركيب الإسنادي الاسمي على النموذج التالي:
مسند إليه + مسند = تركيب إسنادي اسمي
ومثاله نص على أن: ” ميعاد الطعن بطريق النقض ستون يوما”[11]
أما البنية التنظيمية للنص القانوني وفق بنائه الخططي. أي الشكل أو الهيكل الذي تنتظم فيه أجزاؤه. وما يتضمنه من أحكام قانونية. وهذه البنية، التي قد يطلق عليها أيضا البنية العليا. ترتكز، شأنها شأن الأبنية النحوية. على قواعد عرفية. بيد أنها تتعلق بالنص بوصفه كلا متماسكا أو بقطع محددة منه. وهي بذلك تختلف عن الأبنية النحوية التي ينظر إليها فحسب على مستوى الجملة.
وتقوم البنية التنظيمية على أساسين: أحدهما هيكلي. يرتكز على قواعد عرفية ذات معالم محددة ترتسم سواء في ذهن المشرع وهو يسن القانون. والآخر تداولي يرتبط بمراد المشرع من سن النص القانوني. بحيث أن هذين الهيكلين مرتبطين ببعضهم البعض.
تصاغ النصوص القانونية المغربية بالنسبة للخصوصيات الهيكلية. والتي نجدها حاضرة في أغلب النصوص القانونية كالعنونة، طبيعة النص القانوني، رقم النص.
ويعتبر عنوان أو عنونة النص القانوني وسيلة للتعريف بالنص. لذا يتعين أن يأتي متضمنا لكافة العناصر الرئيسية والمهمة التي تجعل منه بمثابة الباب. أو المدخل التي يتم الدخول من خلاله للنص. ولدينا أيضا طبيعة النص القانوني التي تعتبر أول بيان يتم تضمينه في عنوان النص القانوني. حيث يتم الإشارة مثلا إلى أنه ظهير شريف. أو ظهير شريف بمثابة قانون أو قانون تنظيمي…. ثم يوجد رقم النص ويتضمن عنوان أي نص قانوني، بالإضافة إلى طبيعته. التنصيص على رقم مركب وخاص. والذي يتميز ويتفرد به عن غيره من النصوص القانونية الأخرى. ويتم منح هذا الرقم من طرف الأمانة العامة للحكومة. وذلك بحسب طبيعة هذا النص، الجهة المختصة بإصداره وتاريخ تسجيله بهذه الأمانة العامة.
نماذج تطبيقية:
1.الظهير الشريف
“ظهير شريف رقم1.11.91 صادر في27من شعبان1432(29يوليوز2011)بتنفيذ نص الدستور”.
2.المرسوم:
“مرسوم رقم2.12.503 صادر في4 ذي القعدة1434(11شتنبر2013) تطبيق بعض أحكام القانون رقم31.08 القاضي بتحديد تدابير حماية المستهلك”.
3.قرارات ومقررات رئيس الحكومة:
“قرار لرئيس الحكومة 3.009.16 صادر في 6 من جمادى الآخرة 1437 ( 16 مارس 2016) بتغيير وتتميم قرار رئيس الحكومة رقم3.30.13 الصادر في 20
من ذي الحجة 1435 ( 15 أكتوبر2014) بتصنيف المؤسسات السجنية”.[12]
“مقرر لرئيس الحكومة رقم 3.182.14 صادر في 7 ربيع الأول 1426 ( 30 دجنبر 2014) يتعلق بالموافقة على النظام الأساسي النموذجي لجمعيات القنص”.
المبحث الثاني: النص الدستوري و التأويلات الممكنة
يحتل الدستور مكانة محورية في كل منظومة قانونية. فهو القانون الأساسي التي تبنى عليه كل مؤسسات الدولة وقوانينها. فهو الضامن الأول لحقوق وحريات المواطنين. لذا يستوجب استحضار المسؤولية عند تأويل النصوص الدستورية. إلا أننا نجد خلط ما بين التفسير والتأويل.
المطلب الأول: الفرق بين التفسير والتأويل
بداية نشير إلى أن تعدد جهات التأويل في النظام الدستوري المغربي (الملك، المجلس الدستوري، المشرع، الفقه، الأحزاب…). يعني بضرورة إفلاس الخطاب النظري الذي يرى في التأويل وظيفة قضائية خالصة. لكونه يرتبط أشد الارتباط بالسلطة القضائية. لكن إذا كان الأمر كذلك، فإنه يلاحظ أن دائرة التأويل الدستوري في المغرب لا تحتمل سياسيا إلا تأويلين. التأويل الملكي بالدرجة الأولى. وهو تأويل مرغوب فيه من قبل الجهات المتنازعة نظرا لوقوفه إلى جانب الجهة المتضررة. وغالبا ما تكون (المعارضة الأقلية). ثم تأويل المجلس الدستوري الذي يبقى تأويلا مشروطا. وتابعا على أكثر من مستوى.
إذا كان التأويل هو قول شيء من شيء (dire quelque chose de quelque chose ) أو إعادة قراءة الدستور. أي بمعنى أدق. تحديد معنى القاعدة المراد تطبيقها. فهل الفعل التأويلي هو تصرف إرادي محض؟. أم أنه مقيد بمجموعة من القواعد الموضوعية؟.
أكيد أن التأويل نشاط معرفي وعلمي. لأن المؤول يهدف من وراء فعله هذا إلى إيجاد المعنى الحقيقي للنص عبر استعماله لقواعد وأصول التأويل. لكن كيف يمكن التوفيق بين إرادة صاحب سلطة التأويل والنص الواجب تأويله تأويلا موضوعيا؟. أمام هذه المعادلة نكون أما حالتين:
إذا كان النص واضحا. فالتأويل لا يعدو أن يكون سوى نشاطا معرفيا محضا une activité de connaissance. حيث إن المؤول هنا لا يتوفر على أية سلطة في الاختيار والاجتهاد سوى الكشف عن المعنى الحقيقي للقاعدة. وهو ما تشدد عليه نظرية البيعة الموضوعية لقواعد التأويل. وبالمقابل فإن النظرية الذاتية لقواعد التأويل تعطي المؤول حرية واسعة أمام غموض عمومية وتردد القاعدة القانونية. وبالتالي فعملية التأويل تبقى تحت رحمة المؤول.
لكن ما يجب الانتباه إليه هنا. هو أنه لا يمكن الحديث إطلاقا في الحالتين معا عن نوع من المقارنة أو المقابلة بين سلطة المؤول وسلطة المشرع. أو عن أية سلطة حلولpouvoir de substituation. لأن سلطة المؤول هي سلطة فرعية ومشروطة في حين أن سلطة المشرع هي سلطة أصلية ومستقلة[13].
أما التفسير القانوني فهو عملية مكرسة لإعطاء معنى محدد لمادة ما.إما بسبب عدم تحديدها بما فيه الكفاية. أو بسبب وجود حرية التصرف مما يفتح المجال لدلالات مختلفة معقولة تتماشى جميعها مع المادة المعنية. بحيث التفسير الدستوري عملية تركز على القواعد الدستورية (مواد الدستور، المبادئ الدستورية، وأحيانا ديباجة الدستور). بما أن الدستور نص واسع النطاق. فهو لا يغوص بالضرورة في التفاصيل. قد يمنح التفسير الدستوري المفسرين سلطة أوسع ليقرروا أي تفسير يمتثل للنص أصلي أو يخالفه[14]. غير أننا سنقتصر على دراسة الطرق والسلطة التي يتبعها في المراقبة الدستورية. نظرا “للطابع المعقد أحيانا لهذه النصوص التي يستعصى فهم معناها بالقراءة الحرفية للقواعد القانونية والدستورية التي تتضمنها. وبذلك تكون النتائج الدستورية متوقفة على تفسير أو تأويل معين اتخذه القاضي الدستوري يعد دعامة لتقرير دستورية النص القانوني المعروض عليه”[15].
المطلب الثاني: طرق التأويل في مراقبة الوثيقة الدستورية
أشار خطاب العرش لسنة 2011 لمسألة تأويل الدستور. حيث طالب الجميع أن يؤل الوثيقة الدستورية “تأويلا ديمقراطيا”. لهذا الاختيار وقع كبير لدرجة أن الحديث عن الدستور أصبح مقترنا بضرورة تأويله بشكل ديمقراطي.
ويستفاد من التجارب المقارنة. أنه ولتفادي التأويلات المختلفة لأحكام الدستور. وما يمكن أن ينتج عنها من نزاعات عند بعض المؤسسين إلى تعريف المصطلحات القانونية المعقدة المستعملة في الدستور ضمن الدستور ذاته. ويساعد هذا الخيار المواطنين والسياسيين والمحاكم على فهم الأحكام الدستورية. ويسهل على الإدارة والمحاكم تأويلها وتطبيقها[16].
“في اعتبار الدستور “وثيقة مفتوحة”، تتيح للمؤول استنطاق الدستور. وإعطاء معنى لنصوصه… لكن، في كل حالات التأويلات تتداخل، إلى جانب الرغبة في إعطاء معنى للنصِ. عوامل ذاتية. تتمثل في موقع الفاعلين، مرجعياتهم وطبيعة المشاريع السياسية المبشر بها. كما أن عملية التأويل، ليست بتلك العملية الجامدة غير قابلة للتغير. إنها، على العكس، مسلسل ديناميكي للتأثير والتأثر. للقبول والرفض. للتجريب وإعادة النظر”[17].
نموذج تطبيقي:
“جاء في الفصل 10 من دستور 2011: ” يضمن الدستور للمعارضة البرلمانية مكانة تخولها حقوقا. من شأنها تمكينها من النهوض بمهامها، على الوجه الأكمل ،في العمل البرلماني والحياة السياسية”. ومن بين الحقوق الواردة في هذا الفصل الخاص بالمعارضة البرلمانية. “المشاركة الفعلية في مراقبة العمل الحكومي.، لاسيما عن طريق ملتمس الرقابة، ومسألة الحكومة. والأسئلة الشفوية الموجهة للحكومة واللجان النيابية لتقصي الحقائق”.
يتضح من مقتضيات هذا الفصل أنها تقتصر على أفراد معنيين هم: “النواب والمستشارين “المنتسبين إلى المعارضة البرلمانية، وليس على كافة أعضاء البرلمان، ولكن، عبارة “المعارضة البرلمانية” بالرغم من خصوصيتها. إلا أنها جاءت مطلقة بما يشمل جميع مكونات المعارضة البرلمانية، الذين اجتازوا المعارضة، سواء كانوا منتمين إلى فرق أو مجموعات أو غير منتسبين، (نواب، مستشارين) . مما يعني أن الحقوق الواردة في هذا الفصل لا تؤول إلى الأعضاء المنتمين للفرق النيابية الذين اختاروا الانتساب إلى المعارضة فقط. وإنما لجميع الأعضاء والمكونات المنضوية تحت لوائها”[18].
يلاحظ من خلال هذا الفصل أهمية التأويل اللفظي الذي يعتبر من أولى الوسائل التي يلجأ إليها تفسير النص. إلى جانب أن هذه الوسيلة تمكن من اعتماد تأويل أو تفسير نص قانوني أو دستوري على طرق التأويل المنطقي. التي يراد منها أن يلجـأ القاضي لتحليل القواعد القانونية. وذلك بأسلوب منطقي علمي. بغاية الوصول إلى المعاني الحقيقية لنص معين. وبالتالي مقابلته مع عدد من النصوص الأخرى بالقياس أو الموازنة بينهما. حتى يستطيع استنباط الأحكام المطلوبة منه بشكل مباشر دون اللجوء إلى الوسائل الأخرى. ويتخذ هذا النوع من التأويل صورتين: مفهوم المخالفة والاستنتاج بطريق القياس.
فمفهوم المخالفة يقصد به إعطاء حالة غير منصوص عليها. حكما مغايرا ومعاكسا لحكم حالة أخرى التي يوجه عليها نص قانوني واضح بسبب اختلاف العلة بينهما. بناء على رسالة الإحالة المسجلة بأمانته العامة في 25 ديسمبر 2013 التي يطلب بمقتضاها 120 عضوا من أعضاء مجلس النواب من المجلس الدستوري التصريح ومخالفة قانون المالية رقم 110.13 لسنة 2014 للدستور[19].
صرح المجلس الدستوري في الشأن المأخذ المتعلق بعدم تنصيب الحكومة “في نسختها الثانية”. بأنه ليس هنالك ما يدعو دستوريا لتنصيب جديد للحكومة القائمة. ما دامت هذه الحكومة لم يتم إعفاؤها بكامل أعضائها من لدن الملك. نتيجة استقالة رئيسها المنصوص عليه في الفقرة السادسة من الفصل 47 من الدستور. وما دامت لم تقرر تغيير برنامجها الأصلي. مما يكون معه إيداع وتقديم ومناقشة مشروع قانون المالية برسم سنة 2014 والتصويت عليه. وبالتالي عدم مخالفته للدستور[20].
أما طريقة الاستنتاج بطريق القياس. فيلجأ من خلالها القاضي لاستنتاج بطريق القياس. ودلك من خلال إعطاء حالة معينة لا يوجد عليها نص قانوني واضح الحكم. حالة أخرى ورد بشأنها حكم في القانون بسبب اتخاذ العلة في حالتين. من الأمثلة الدالة على هذا في اجتهادات القضاء الدستوري المغربي نشير إلى ما يلي:
ينص الفصل 61 من الدستور المغربي لسنة 2011 على أن ” يجرد من صفة عضو في أحد المجلسين. كل من تخلى عن انتمائه السياسي، الذي ترشح باسمه للانتخابات. أو عن الفريق أو المجموعة البرلمانية التي ينتمي إليها”.
يدل هذا النص بمنطوقه على تجريد العضو البرلماني الذي يتخلى على الانتماء السياسي الذي ترشح باسمه من العضوية. أو التخلي عن الفريق أو المجموعة البرلمانية التي ينتمي إليها. وتتمثل العلة في مبدأ الوفاء السياسي أو (منع الترحال السياسي). غير أن طرق التأويل التي تحكم المراقبة السياسية تبقى متعددة ومختلفة. ويكمن اختلافها من ناحية الأهداف التي يرمي إليها المشرع الدستوري.
وفي الختام يمكن القول أن كل لفظ في النص الدستوري يتميز بنوع من الدقة. الذي يعكس ما يقصده المشرع. كما أنه لا يكفي لتماسك النص القانوني أن يكتب بلغة واضحة يفهمها كل من يتعامل معه بحسن النية فحسب. وإنما يجب أن تبلغ درجة من الدقة يتعذر منها إساءة فهمه. أو الانحراف بمدلوله وأن مضمونه. إذ لا بد أن يتعلق بلفظ صريح لا يستتر المراد منه. ولذلك يخلو من استعمال المجاز بصفة عامة والكنانة بصفة خاصة ليتحقق الواضح من النص القانوني. كما أن التأويل وسيلة لا يجب أن تخول إلا للخبراء والفقهاء المختصين. كما قال الله تعالى: “وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم”، (آل عمران: أية 7). بحيث حصر سبحانه علم التأويل في جلالته ومن رسخ في العلم قدمه واستضاء في طريق تحقيق علمه.
التعليقات مغلقة.