أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

المؤرخ والزمن

إبراهيم أيتإزي (أستاذ التاريخ، جامعة الحسن الأول)

 

نظمت كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية، بجامعة “الحسن الأول” بسطات، يوم الأربعاء 09 نونبر 2022، درسا افتتاحيا قدمه المؤرخ، عبد الأحد السبتي، في موضوع: “المؤرخ والزمن”.

وأكد الباحث في البداية أن هدفه من الدرس هو استشكال العلاقة بين المؤرخ والزمن الماضي.

 

وعالج الباحث هذا الإشكال عبر ثلاثة مداخل، إذ توقف في البداية عند المؤرخ والزمن داخل خريطة العلوم الإنسانية، مشيرا إلى أن التاريخ وباقي علوم الإنسان والمجتمع، مع بداية القرنين 18 و19م، كانت منفصلة عن علوم الطبيعة؛ وخلال هذه المرحلة كانت كل العلوم الإنسانية تشتغل حول الحاضر، عدا المؤرخ الذي كان يشتغل حول الماضي؛ لكن وقعت عدة تحولات غيرت هذا الأمر، منها أولا العلاقة بين التاريخ والاجتماعيات، حيث أصبح التاريخ يهتم بالمجتمع إلى جانب السياسة، وبالموازاة مع ذلك اهتمت علوم أخرى بالماضي، خاصة الأنثربولوجيا التي أصبحت تدرس المجتمعات المتقدمة والماضي (الانثروبولوجيا التاريخية)، بعد أن كانت في البداية تشتغل على الحاضر (عبر العمل الميداني) والاهتمام ببعض المجتمعات المغلقة المنعزلة، وكذا الجغرافيا التي تشبعت بالتاريخ، وأثرت في هذا الأخير، خاصة مع المدرسة الفرنسية (أعمال فيدال دولابلاش)؛ وفي مستوى آخر انفتح المؤرخ على كتابة تاريخ الزمن الراهن.

 

وتوقف الباحث في المحور الثاني عند أسئلة زمن المجتمعات، وتساءل عن كيفية معالجة المؤرخ لأزمنة من قبيل: زمن الإنتاج والتبادل (موسم الحصاد)، زمن السفر، زمن القافلة، (قافلة الحج)، زمن الطقوس الدينية، زمن الاحتفال، زمن الحرب والهدنة (بين القبائل)، زمن الحكم؛ لا سيما وأنها أزمنة متداخلة (زمن الهدنة والتبادل والحج والتفاوض).

وفي مستوى آخر توقف عند التمثل الجماعي للزمن، والتأريخ لنفس الحدث في أزمنة مختلفة (عام الجوع، عام التيفوس..)، وخلص إلى نتيجتين، أولهما التقاطع بين الذاكرة الشفوية والذاكرة المكتوبة، والنتيجة الثانية وجود تمثلات مشتركة بين الذاكرتين للزمن، تتقاطع في ثلاثة أزمنة، الأول هو الزمن الزراعي (زمن الجوع، زمن الصابة)، والثاني زمن المنقبة، والثالث زمن قيام الساعة/الزمن الإسكطولوجي (تأويل الكوارث بالعقاب الإلهي).

 

وعالج الأستاذ “عبد الأحد السبتي”، في المحور الثالث، إشكالية المؤرخ وراهن الزمن، أي زمن المؤرخ، وتساءل عن العلاقة بين الزمن الذي يعيش فيه المؤرخ والقضايا التي يشتغل عليها؟

 

وأثار الباحث في تحليله لهذه العلاقة هيمنة الحاضر، بعد أن كان المستقبل هو أساس النظرة إلى الزمن، وربط ذلك بالتحديات الجديدة للعالم، وفي مقدمتها أزمة المناخ واختلال المنظومة البيئية، ومعه عولمة الأوبئة والمشاكل الصحية؛ هذه العولمة أدت إلى ابتكار زمن جديد هو “الأنثروبوسين” (Anthropocène)، أو ما يمكن تسميته بالعصر الجيولوجي البشري، وفيه يتفوق البشر بتأثيرهم على المناخ والبيئة وجميع الأنظمة الحيوية على الأرض؛ وتبعا لذلك اتجه البحث التاريخي نحو قضايا جديدة من قبيل: التاريخ السياسي للطاقة، تاريخ الاستهلاك، تاريخ التدمير في سياق الحروب، تاريخ الأفكار النقدية لتدمير البيئة، وتاريخ التعتيم على أضرار البيئية باسم النمو.

 

وختم المؤرخ “عبد الأحد السبتي” محاضرته بالتأكيد على أهمية إدماج الطبيعة داخل التاريخ، وضرورة إعادة النظر في الجامعة المغربية في تقسيم وتوزيع المعارف بالنسبة للتكوينات، وأخد بعين الاعتبار تداخل العلوم الإنسانية وعلوم الطبيعة وعلوم الإنسان، وأخيرا الضرورة الحيوية لإدخال التكوين في الإنسانيات (الأدب، الفلسفة، التاريخ) في مدارس الطب الهندسة ومعاهد التدبير التجاري والمقاولاتي.

التعليقات مغلقة.