يقول عبد الله العروي في كتابه مفهوم التاريخ: “لا يوجد فرق بين التاريخ والوقائع التاريخية، كما لا يمكن فصل التاريخ عن الإنسان، وخصوصا الإنسان المختص/المؤرخ”[1]، بما لا يدع مجالا للشك أن التاريخ مرتبط بالوقائع التاريخية.
لقد كان المؤرخون في الماضي يجدون صعوبة في التعامل مع التاريخ المعاش، وذلك لغياب منهجية علمية تؤطر عملية التأريخ وتضمن عدم انزياح المؤرخين عن الخط التاريخي، وكذلك لم تكن وسائل الاتصال موجودة، لا سواء الصورة أو الصوت، أو هما معا، كما هو الحال اليوم، فوسائل الإعلام و”الانترنيت” سهلت على المؤرخين عملية التأريخ، وأمنت لهم كل ما يحتاجون له من معلومات ووثائق ومعطيات[2]، على الرغم من أن هذا الأمر يشكل سيفا ذو حدين، لهذا وجب التعامل معه بحذر.
إن التاريخ لا يرتبط بالماضي وفقط، فالعملية التاريخية تستمد شرعيتها من المادة التاريخية، حتى لو كان تناول حدث قريب زمنيا من زمن المؤرخ، وفي هذا الصدد يشير “جان لاكوتور” حول الصعوبة المصدرية لتناول التاريخ الراهن، حيث تتحكم به الأحاسيس بشكل كبير، إذ يمكن للمؤرخ وهو يؤرخ لزمنه الراهن أن لا يتسم بالنزاهة، وتسيطر عليه الذاتية والتي تعتبر سلاحا خطرا يتربص بالباحث في التاريخ الراهن أكثر من غيره[3].
وهذا لا يعني عدم إمكانية التأريخ للزمن الراهن، فيكفي للمؤرخ ارتداء وشاح الوضوح وشفافية العبارة التي تستمد روحها من الوثيقة[4]للقيام بذلك.
إن طرق المؤرخ لباب الحاضر ما تزال محفوفة بالشوائب والعراقيل، فالتاريخ الراهن ظل لمدة طويلة تاريخا مخفيا، ينظر إليه على أنه مجرد هامش، الغرض منه استكمال كتاب، أو وسيلة تمكن المدرسين من صقل الروح الوطنية لدى الناشئين[5].
بمعنى أخر، يعتبر التاريخ الراهن مجرد تخصص ثانوي، أهمله المؤرخون وطاله التهميش لفترة طويلة، ورغم ولادة المدرسة الوضعانية التي منحت للتاريخ مكانة مهمة داخل العلوم والإنسانية، إلا أنها شددت على أن مهمة التاريخ متمثلة أولا وأخيرا في البحث في الماضي[6].
وهذا يحيلنا على عدم إمكانية التأريخ للزمن الراهن، أي يبقى الحاضر ممنوعا إلا بعد موته، كأن الحاضر والمستقبل لا يدخلان ضمن تخصص التاريخ، وإذا اقتحمه المؤرخ جلب على نفسه ويلات النقد اللاذع.
أما مدرسة الحوليات فقد أولت الاهتمام إلى الحاضر على اعتبار الجدل القائم بينه وبين الماضي، فالأول يفسر الثاني، ولا يمكن فهم زماننا الحاضر دون الرجوع إلى الماضي، وفي هذا السياق ولدت فكرة الحاضر والماضي يضيء كل منهما الأخر[7].
لقد عرف المغرب بدوره اهتماما بالتاريخ الراهن وذلك سنة 2010، إسوة بفرنسا التي أسست سنة 1978 معهد تاريخ الزمن الحاضر، والذي نشأ في أحضان المركز الوطني للبحث العلمي، بحيث وقع المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان مع جامعة محمد الخامس في الرباط بتاريخ 25 يناير 2010 اتفاقية شراكة بشأن إحداث مسلك ماستر “التاريخ الراهن”[8].
ويمكن أن نخلص إلى أن الاهتمام بالتاريخ الراهن هو بمثابة تحد كبير وصعب، وتكمن صعوبته التي يجب على المؤرخ أن يقر بها، في قرب المسافة الزمنية بين تاريخ الحدث والحدث كموضوع الدراسة، وفي نفس الوقت يمكن أن تختفي حدة هذه الصعوبة باتصاف المؤرخ الحياد والنزاهة في عملية التأريخ والكتابة، ووجود الوثائق والكتابات التي تؤرخ للحدث.
[1] – عبد الله العروي، مفهوم التاريخ، المركز الثقافي العربي، الطبعة الرابعة، 2005م، ص.35.
[2] – خالد طحطح، «تاريخ الزمن الراهن: السياق والإشكاليات»، مجلة أسطور، العدد2، 2015م، ص.09.
[3] – جان لاكوتور، “التاريخ الآني”، ضمن مؤلف جماعي، التاريخ الجديد، إشراف جاك لوغوف، ترجمة محمد الطاهر المنصوري، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، الطبعة الأولى،2007م ،ص391.
[4] – نفسه، ص.392.
[5] – فتحي ليسير، تاريخ الزمن الراهن عندما يطرح المؤرخ باب الحاضر، دار محمد علي للنشر، الطبعة الأولى، 2012، ص.19.
[6] -نفسه،ص.19.
[7] – نفسه، ص21.
[8]– خالد طحطح، مرجع سابق، ص.13.14.
التعليقات مغلقة.