أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

المسار السياسي والبرلماني للقيادية فاطمة سعدي، المعينة حديثا ضمن اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية

فاطمة سعدي

تعد فاطمة سعدي واحدة من أبرز الوجوه النسائية في المشهد السياسي المغربي المعاصر، حيث شقت طريقها بثبات من قلب الريف إلى قبة البرلمان، حاملة معها هموم المواطنات والمواطنين في المناطق الشمالية، وخاصة إقليم الحسيمة. مسيرتها المهنية والسياسية تمثل قصة صعود استثنائية لامرأة جمعت بين التكوين الأكاديمي، الخبرة المحلية، والانخراط الحزبي الفعّال، لتصبح أول ريفية تنتخب في مجلس المستشارين، ومن بين القلائل اللواتي واصلن التأثير عبر مواقع متعددة.

من الجماعة إلى البرلمان: مسار سياسي متنوع
بدأت فاطمة سعدي مشوارها السياسي سنة 2007، من داخل “حركة لكل الديمقراطيين”، قبل أن تصبح لاحقا من القيادات المؤسسة لحزب الأصالة والمعاصرة. انتخابها في أكتوبر 2016 كنائبة برلمانية عن اللائحة الوطنية للنساء، شكل نقطة تحول بارزة، حيث كانت أول امرأة تمثل إقليم الحسيمة في مجلس النواب.

ولعل أبرز محطات مسيرتها كانت رئاستها للمجلس الجماعي لمدينة الحسيمة ما بين 2015 و2021، حيث بصمت على تجربة محلية فريدة قادتها لتدبير ملفات حساسة تتعلق بالبنية التحتية، المشاريع التنموية، وتمكين الشباب والنساء من المشاركة الاقتصادية.

في مايو 2025، عادت إلى الواجهة بقوة بعد تعيينها عضوة في مجلس المستشارين خلفا للراحل محمد بن عيسى، بموجب المادة 91 من القانون التنظيمي للمجلس، لتصبح أول امرأة من الحسيمة تشغل هذا المنصب بالغرفة الثانية للبرلمان المغربي.

حضور قيادي داخل “البام”
لم يكن مسار فاطمة سعدي مؤطرًا فقط من خلال المسؤوليات الانتخابية، بل كانت فاعلة أيضا في هيكلة حزبها، حيث شغلت مناصب بارزة أبرزها نائبة الأمين العام خلال فترة عبد اللطيف وهبي، وعضوة منتخبة في المكتب السياسي لولايتين. كما ساهمت في قيادة الحزب على المستوى الوطني ضمن القيادة الجماعية الثلاثية منذ أكتوبر 2024، ما يبرز ثقة رفاقها في حكمتها وتوازنها السياسي.

تمثيل قوي للمرأة الريفية في المؤسسات
ترى فاطمة سعدي في تجربتها انعكاسًا لصورة المرأة الريفية القادرة على اقتحام مراكز القرار، إذ تجسد انتخابها ودورها السياسي تأكيدًا لتقدم ملموس في تمثيلية النساء داخل المؤسسات المنتخبة، خصوصًا في الأقاليم النائية. وتعتبر صوتًا نسويًا حقيقيًا داخل الهياكل التشريعية والتنفيذية، منحازًا لقضايا التنمية والعدالة المجالية والمناصفة.

حصيلة برلمانية تعزز ثقة الساكنة
أبرزت فاطمة سعدي خلال مسارها البرلماني حسًا عاليًا بقضايا إقليم الحسيمة، حيث تقدمت بعدة أسئلة كتابية ذات طابع اجتماعي وتنموي، منها:

أزمة السكن الوظيفي لأساتذة القرى، مطالبة بتحسين ظروف إقامتهم وتشجيعهم على الاستقرار بالمناطق النائية.

ضعف خدمات بريد بنك، حيث نبّهت إلى الاكتظاظ ونقص الموارد البشرية، مطالبة بتحسين جودة الخدمات للمواطنين والمتقاعدين.

تعطل الأجهزة الطبية، على رأسها جهاز “السكانير” بمستشفى الحسيمة، ما أثر سلبًا على الخدمة الصحية للمواطنين.

الانقطاعات المتكررة بالطريق الساحلية بين الحسيمة وتطوان، منبّهة إلى الخطر الداهم للانهيارات الصخرية ومطالبة بحلول جذرية.

تأخر تشغيل منصة “آيت قمرة” الفلاحية، التي شُيّدت منذ 2013 دون أن تفعّل، رغم أهميتها في تسويق المنتجات المحلية.

تكافؤ الفرص في ولوج المعاهد العليا، حيث أثارت ملف معايير القبول بالمعهد العالي للدراسات البحرية مطالبة بالشفافية والعدالة.

أنشطة محلية راسخة في الميدان
في المجال المحلي، لم تكتف سعدي بالعمل المؤسساتي فقط، بل واصلت التزامها المدني من خلال:

دعم مشاريع البنية التحتية المحلية، وإنشاء سوق تعاونيات ومرافق شبابية.

تعزيز مقاربة الرقمنة والتواصل الحزبي المحلي خلال مؤتمر البام الإقليمي سنة 2022.

عضويتها في اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية منذ يناير 2025، لتكون أول شخصية من الحسيمة تتولى هذه المسؤولية، ما يعكس وعيها بالتحولات الرقمية وضرورة حماية الحياة الخاصة، والسباقة إلى الحصول على دبلوم تخصص في الإعلاميات والبرمجة خلال سنة 1996، موازيا للدرسات العليا الجامعية.

رؤية شاملة وملتزمة
إن فاطمة سعدي تجسّد نموذجا سياسيا نسويا مغايرا، يمزج بين العمل على الأرض والاشتغال داخل المؤسسات، مع التزام واضح بقضايا التعليم، الصحة، الفلاحة، والعدالة الاجتماعية. يجمع مسارها بين بعد محلي قوي نابع من انتمائها للمجتمع الريفي، وبعد وطني يتمثل في مشاركتها الفاعلة داخل الهيئات القيادية لحزبها وفي المؤسسات التشريعية الكبرى.

تمثل فاطمة سعدي اليوم صوت الحسيمة داخل البرلمان، ووجهًا نسائيًا بارزًا يعكس حيوية المرأة المغربية، خصوصًا في المناطق المهمشة. إنها نموذج ملهم لقوة الإرادة السياسية والالتزام المدني، وترجمة حقيقية لمفهوم “التمكين النسائي” في أرقى صوره، ليس كشعار، بل كممارسة واقعية ومستمرة.

التعليقات مغلقة.