أثارنا نقاش دار في سياق حمى التغيير الذي ينتظر أن يطال المجلس الوطني للصحافة والهياكل التنظيمية النقابية، وما أثارنا أكثر هو الهجوم الذي خرج عن الأعراف الديمقراطية التي تقتضي احترام عنصرين، احترام الشخص الآخر واحترام رأيه، وأن مقارعة الفكر لا تكون إلا بالفكر وإلا تحول النقاش إلى رائحة كريهة تزكم صاحبها قبل أن تزكم أنوف المتلقين.
فما أثاره الزميل “محمد السراج الضو” من زوابع لا تتعدى خطوتي قدميه، عكست حقيقة ما حمله المثل العربي القائل “جدول يخرخر ونهر ثرثار، تقطعه غير خالع نعليك”، في تهجمه على مناضلة نقابية وسياسية وزميلة مهنية معروف عطاؤها وتفانيها في الدفاع عن الإعلام والإعلاميين.
ما وقع، وما حمله النقاش من سب وقذف واتهام بدون أدنى دليل، لهو الهشاشة الفكرية بعينها، والهزل الذي ينخر المشهد الذي سقط إلى الحضيض، لأن صاحبه المفروض فيه من موقع التجربة أن يكون قد سما، وكون زادا معرفيا ومنهجيا كافيا يمكنه من مقارعة الفكر بالفكر بدل لغة التخوين، وكيل الاتهامات بلا أدنى مسوغ ولا دليل.
تحكي الأساطير القديمة قصة “وعل” صغير يعيش في الغابة، وفي يوم من الأيام رأى نفسه عبر المياه، فأعجب بنفسه، فتمالكه التباهي بها وبعضلاته وفحولته، حيث ركبه الغرور من ملاحظة ذاته، ومن هذا التباهي والغرور بدأ ينطح كل ما هو أقل منه قوة كما فعل مع ثعلب هزيل، ليبدأ في التباهي بفعلة نطحه، ليكبر المرض فتلصق به صفة مرضية أخرى، ألا وهي الكذب، لأنه لم يسرد القصة كما هي، بل أخبر الجميع أنه ثعلب قوي.
نفس المشهد يسري على النقاش الذي فتحه الزميل “محمد السراج الضو” حيث اختار معتقدا أضعف ما في القطيع واهما، موجها سهامه إلى الزميلة “رحاب حنان”، المناضلة الاتحادية والنقابية والسياسية، في هجوم اشتمت منه روائح الكذب كما وقع للوعل، إلا ان التجارب جعلت هذا الأخير، كما في الأسطورة، يتراجع عن الغرور والكذب بعد وقوعه في شباك الصياد، لكن الزميل “السراج” وعلى الرغم من عمره الطويل، يبدو أنه لم يستفد من تجربة الحياة، ولا من المسار المهني أي شيء، لأنه اختار أقذر الطرق لتفجير حقده، وتصفية حساباته، وتحقيق نزواته المرضية ضد إعلاميين معروفين، ونضالهم ليس قيد التشكيك أو المصادرة.
بل أن الغرور الممزوج بالطموح الجارف أنساه في مضمار الحقد أن يحترم باقي الزملاء الصحافيين الذين حولهم في سلوك مرضي إلى قطيع من الأغنام يساق من قبل الزميلة “رحاب” في سلوك لا يعكس إلا خواء وعائه الفكري، وانحسار مخزونه الإدراكي الواعي.
إن ما لا يعرفه “السراج”، أو تناساه مع التقدم في العمر أن هناك قواعدا تنظم الحوار والنقد تقوم على قاعدة احترام الآخر في سياق حرية الرأي والتعبير، كما تنص عليها المادة 19 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان، دون اي تدخل من أي سلطة كيفما كان نوعها.
كما ينص على ضرورة الإتيان بمعلومات دقيقة لا ممارسة الإنشاء والقذف بالأعراض بلغة سوقية لا ترتقي إلى نسبة صاحبها إلى ما أسموها “صاحبة الجلالة” تقديرا لسموها من ناحية المعنى الحمولة، والمبنى اللغة الراقية التي تعكس العلاقة الجدلية بين المحمول والموضوع بلغة المناطقة بنزاهة وحيادية وموضوعية، ضمن احترام تعدد الآراء، والوسيلة هي التواصل النشط العمودي والأفقي، وبالتالي المشاركة في الحياة النشطة للمجتمع.
إن ما يجهله صاحبنا، أو أن الحقد أعمى قريحته، أو أنه يحمل عداء لكل ما هو ذا صلة بنون النسوة، فهوى بمظلة الحقد ضد الزميلة “رحاب”، لكن وكما يقول المثل “ما كل مرة تسلم الجرة”، لأن صاحبنا ومن كثرة الدواخل الممتلئة حقدا بدأ يخبط خبط عشواء، لكن النتيجة أصابته هو بمقتل، لأن أي إعلامي سام لا يمكن أن يقبل السقوط الذي وصل إليه، وما حملته ترهاته من سم حاقد ضد مناضلة سياسية ونقابية ونسائية، في موقف لا يقل فظاعة عما يمارس ضد حرية التعبير عن الآراء والانتماء.
وما يجب أن يعلمه صاحبنا أن هناك قواعد تنظم العمل، وأن هناك مؤسسات للمحاسبة هي التي لها الحق في ممارسة الرقابة والمحاسبة ضمن القواعد التنظيمية المؤسسة لكل إطار اجتماعي عام.
فما غاب عن صاحبنا أن الممارسة الإعلامية تقتضي فيما تقتضيه حضور الالتزام بأعلى المعايير الأخلاقية والمهنية الموضوعة كهيكل أساسي لحرية التعبير التي يجب أن تسود العلاقات اللازمة بين مكوناته قبل أن نطالب السلطة بالتربية على هاته القيم.
التعليقات مغلقة.