أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

المغربي والكحول “لعبة القط والفأر”

بقلم : الدكتور جواد مبروكي ***

تم حظر الكحول من قبل الديانات السماوية الثلاث، ومع ذلك، نجد “الكحول كاشيرْ” و “خمر أو دم المسيح” و”الخمر حلال”. وبالتالي، هناك العديد من الأسئلة والتناقضات عند المغربي في علاقته مع المحرمات، الواحد حلال والآخر حرام في حين كلاهما حرام؟ وسوف أوضح أسفله كيف أصبح الخمر تارة حلال وتارة أخرى حرام. وأكثر خطورة من كل هذه التناقضات، هو عندما رجل يشرب الكحول فلا يُعين من طرف المجتمع بِ “العاهر” وهو نوع من التفويض الضمني، ولكن عندما يتعلق الأمر بالمرأة المغربية عندما تأخذ الكأس في يدها وقبل وضعه على الشفاه، يعتبرها المجتمع “عاهرة” ولا تتمتع بإذن ضمني كما مُنح للرجل!

شأن المغاربة غريب، ما هو حلال على الرجال، حرام على النساء، في حين أن كلاهما من نفس الدين!
إن إشكالية هذا التناقض وهذه المفارقة أكثر تعقيدًا وعمقًا مما تظهر عليه،لأنها نتيجة عدة أسباب فكرية ودينية بسبب مفاهيم خاطئة.

1- أسباب سياسية

يستهلك السياسيون المغاربة أنفسهم الكحول بطرق مباشرة (عن طريق شرب الخمر) أو بشكل غير مباشر (عن طريق السماح بإنتاج الخمور وبيعها) وكل ذلك لتحقيق غايات محددة.

وما هو أكثر نفاقا وخطورة هو أن بيع الكحول في المغرب مخصص فقط للأجانب (حسب علمي)، بينما يعلم الجميع أن المستهلك الرئيسي هو المغربي. والأخطر من ذلك هو حظر بيعه واستهلاكه في المناسبات الدينية (رمضان على سبيل المثال) كما لو كان الخمر حلالاً خارج هذه الفترات!

لكن الكحول يُستخدم أيضًا للسيطرة على العقول وعلى الحرية الفردية، وهي لعبة تلاعبٍ سياسي بامتياز! وهكذا، يُباع الخمر في كل مكان، في حين يُمنع البيع للمغاربة وفي الوقت نفسه يمكن شرائه واستهلاكه لكن بعيدا عن عين السلطات. وبالتالي يبقى المغربي أسير لعبةٍ سياسية “يُمكنك شراء الكحول واستهلاكه ولكن إذا تم القبض عليك فسوف تتم معاقبتك بموجب القانون”. بمعنى آخر “افعل ما تشاء لكن خفيتا عن أبصارنا” وهذه هي اللعبة الشريرة التي يقع فيها المغربي ضحية وأسيراً! وهكذا تأخذ السلطات مكانة القط والمواطن مكانة الفأر وبالطبع لا يمكن للفأر التمرد ضد القط! وبالتالي فإن آلية السلطة هذه، تعمل بشكل جيد طالما أن المواطن يحتفظ بوضعه الرقيق “أنت حر في تحركاتك ولكنك تبقى أسيرا للسلطات”.

بالطبع، الكحول هو عُملة يستخدمها السياسيون (إسلاميون أم لا) لإظهار محاربة الفساد ولكن هدفهم الوحيد هو زيادة أرباحهم في نتائج الانتخابات. وبعد تحقيق هذه الفوائد الانتخابية، تستمر لعبة التلاعب باستخدام حظر الخمور وترخيصها الضمني من أجل السيطرة على “الفأر المواطن” حتى يبقى دائما يشعر بالتهديد ويبقى اهتمامه الرئيسي هو طُرق الاختفاء من أنظار مراقبة السلطات. وبالتالي لا يمكن للفكر المغربي أن يتطور لأن كل اهتماماته هو البحث عن كيفية الهروب من مخالب “القط”!

2- الأسباب الدينية “معادلة الحسنات والسيئات”

مع الأسف الشديد، حتى في الدين نجد عمليات محاسبية ونبحث عن نسبة جيدة من الأعمال الصالحة “الحسنات” لدخول الفردوس. ويُعلِّمنا التعليم الديني الخاطئ أن العمل الجيد (صدقة، صلاة، صيام، إلخ) يجلب لنا 100 أو 1000 حسنات. ويعلمنا أيضًا أن أي عمل سيء “السيئات” يجلب لنا نقط أقل من الصفر. وهكذا فإن هذا الحساب الذهني متأصل في ذهن المغربي، كما لو أن الله كان مصرفيًا يفتح حسابًا مصرفيًا لكل مغربي مع عمود ائتمان “الحسنات” وعمود خصم “السيئات”. و للتوضيح، مثلا يشرب المغربي الكحول ويسجل تدفقًا “السيئات” ومن أجل الحصول على معدل جيد لتجنب الجحيم، فإنه يصلي أو يقوم بأعمال خيرية لائتمان حسابه “الحسنات”. أما إذا كان يريد تنظيم وضعه المصرفي ووضع العداد على الصفر فليقم فقط بالحج! هذا هو بالضبط ما نلاحظه في حياتنا اليومية، حيث ننادي “الحاج” بينما نعرف أن هذا الشخص هو منتج أو بائع أو مستهلك للكحول علما أن صاحب الكعبة التي زارها هذا “الحاج” قد حرم كل أنواع تجارة الكحول!

هذا التناقض الراسخ في ذهن المغربي، يدمر كل التركيب العقلي لدماغ المواطن من خلال برنامج “لعبة القط والفأر”. وبالتالي، من المستحيل على المغربي أن يبني تفكيره بشكل سليم وسوي أو أن يستطيع أن يحلل وينتقد. وهكذا يظل سجينًا في هذه الحلقة المفرغة “تالفْ وْ ناسي راسو وْ مْرْفوعْ وْ ماعارْفْ راسو فينْ هوَ كاعْ”. في هذا الوضع كيف لهذا المغربي أن تكون له علاقة سليمة وسوية مع شريك حياته ومع أطفاله ومع جيرانه ومع المواطنين في عمله، حينما يغلب الفكر المتناقض؟ ولهذا نرى أن كل جيل جديد ينتج نفس السيناريو “الفكر المتناقض بامتياز”!

3- ازدواجية المغربي بين الدين والحداثة

يعيش المغربي كفاحًا داخليًا مدمرًا، لأنه لا يستطيع التوفيق بين الدين (وفقًا للتعليم الديني الخاطئ) والحياة العصرية والحرية الفردية. وهذا يفسر تناقض المغربي بين سلوكه وقناعاته. ولعل أحسن مثال لهذه الازدواجية المغربية نراه في الأعراس، حيث نشاهد العروس على “العْمّارِيَّة” وترتدي “القفطان المغربي” وبعد حين نشاهدها لابسة “لاروبْ بْلانْشْ الأغربية” وتقطع ” لَبْييِسْ مونْطي عليها تمثال العروس والعريس”!

4- غياب الحس بالمسؤولية الفردية والاجتماعية

كان من الأفضل للمغربي أن يتحمل مسؤولياته وسلوكه دون الشعور بالذنب أو بالخوف من حكم الآخر عليه. ومع الأسف فإن التعليم الديني الخاطئ (الحرام والسيئات ودخول جهنم) والمدرسي والأبوي لا يسمح للطفل بتعلم تحمل مسؤولية ما يفعله. وهذه الطريقة التربوية الخاطئة والمدمّرة هي في الأصل آلية للسيطرة على العقل المغربي حيث يشعر دائمًا بالذنب وبالتالي يعيش دائمًا في حالة رعب ويدخل بسهولة في “لعبة القط والفأر”!”.


الدكتور جواد مبروكي، طبيب نفساني وخبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي


التعليقات مغلقة.