ولطالما عبر المغرب والبرتغال عن إرادة مشتركة حيال الارتقاء بالعلاقات الثنائية الزاخرة تاريخيا والمتميزة بالاحترام المتبادل، إلى مستويات أرفع، بما يتيح تعزيز الحوار السياسي المستمر الذي يجمعهما، وتكثيف المبادلات، واستكشاف مجالات جديدة للتعاون من أجل شراكة استراتيجية متعددة الأوجه تعكس متانة العلاقات القائمة بين المغرب والبرتغال، قصد رفع التحديات الإقليمية.
ولعل انعقاد الدورة 14 للاجتماع المغربي-البرتغالي رفيع المستوى برئاسة رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، ورئيس الوزراء البرتغالي، أنطونيو كوستا، شكل تجسيدا لهذه الرغبة الأكيدة للبلدين الجارين في مواصلة الارتقاء بتعاونهما ليشمل جميع المستويات، والاستفادة من القدرات الهامة التي يخولها قربهما الجغرافي وموقعهما الجيوستراتيجي بين المتوسط والأطلسي، وكذا دينامية اقتصاديهما، من أجل منح دفعة قوية للتعاون الثنائي وإرساء شراكات مثمرة.
وبهذه المناسبة، أبرز السيد أخنوش حرص البلدين وسعيهما المتواصل نحو الارتقاء بالتعاون المشترك إلى مستويات متعددة الأبعاد، وفقا لتطلعات قائدي البلدين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، وفخامة الرئيس مارسيلو ريبيلو ذي سوزا، اللذين ما فتئا يحيطان هذه العلاقات بكريم رعايتهما.
من جانبه، قال رئيس الوزراء البرتغالي، إن المغرب والبرتغال بلدان جاران تربطهما علاقات قوية، وذات تأثير في حوض البحر الأبيض المتوسط.
وأضاف أن البلدين قررا الارتقاء بالعلاقات إلى مستوى شراكة استراتيجية طويلة الأمد تشمل التعاون في العديد من المجالات، مشيرا إلى أن المغرب والبرتغال لديهما فرص كبيرة للتعاون على غرار النقل البحري والجوي والطاقة، وتعزيز التعاون في مجال الشباب والعمالة، والبحث العلمي والصناعات الثقافية.
وتوجت الدورة الرابعة عشرة للاجتماع رفيع المستوى المغربي-البرتغالي، بإصدار إعلان مشترك اتفق فيه الجانبان على الارتقاء بعلاقاتهما الثنائية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، على أساس معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون الموقعة بين البلدين في ماي 1994، وأدوات التعاون والحوار التي مكنت من إقامة قاعدة قائمة على أسس متينة لتنمية العلاقات الثنائية بأبعادها السياسية والاقتصادية والثقافية.
وبخصوص قضية الصحراء المغربية، انضمت البرتغال إلى الدول الأوروبية الأخرى التي تجعل من المبادرة المغربية للحكم الذاتي القاعدة الجدية والموثوقة من أجل بلوغ حل نهائي لقضية الصحراء، وذلك بعد أن جددت دعمها للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي قدمت في العام 2007، والتي تعتبرها مقترحا واقعيا، جادا وموثوقا من أجل حل معتمد في إطار الأمم المتحدة.
وبهذه المناسبة، وقع الجانبان على 12 اتفاق تعاون تغطي عددا من المجالات الاستراتيجية بهدف تعزيز التعاون الثنائي. وتهم هذه الاتفاقيات، بشكل خاص المجالات الاقتصادية والطاقية والثقافية، وكذا التعاون في مجال التعليم العالي والصناعة التقليدية والتضامن الاجتماعي والعدل.
وشكل الاقتصاد محورا مهما في هذا التعاون، حيث تم عقد أشغال المنتدى الاقتصادي البرتغالي-المغربي، وذلك تحت شعار “المغرب والبرتغال.. معا لبناء اقتصادات مزدهرة ونمو مشترك”.
وعرف هذا المنتدى، مشاركة رؤساء الاتحاد العام لمقاولات المغرب واتحاد الأعمال البرتغالي، والوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات، والوكالة البرتغالية للاستثمار والتجارة الخارجية، وفاعلين اقتصاديين ورجال أعمال مغاربة وبرتغاليين ينشطون في عدة مجالات.
ويشكل الموقع الجغرافي الاستراتيجي للمغرب كحلقة وصل بين قارتين وبوابة نحو إفريقيا، وتنفيذ المغرب لمشاريع هيكلة كبرى لمواصلة تطوير بنيته التحتية مثل ميناء طنجة المتوسط، ومشروع القطار فائق السرعة، وأيضا في إنشاء مناطق حرة ومنصات صناعية متكاملة، عوامل تقارب لتحفيز المزيد من العلاقات التجارية بين المغرب والبرتغال، تعطي معنى لتطوير عمليات ترحيل الخدمات، لاسيما من خلال الاستثمارات المستهدفة التي تعمل على تحسين وضع كل منهما في سلسلة القيمة وتقوية أوجه التكامل الاقتصادي.
وإلى جانب القطاع الطاقي، يشمل التعاون المغربي-البرتغالي قطاعات أخرى من قبيل السيارات والنسيج، والبيئة وعصرنة الإدارة، على الخصوص، وهي ميادين واعدة يمكن أن تتيح فرص الاستثمار المشترك والتعاون الوثيق من أجل التكامل الاقتصادي المغربي-البرتغالي.
كما اكتست العلاقات بين البلدين خلال هذه السنة حيوية جديدة في المجال الرياضي، وذلك بعد إعلان صاحب الجلالة الملك محمد السادس، في منتصف مارس، عن ترشح المغرب بشكل مشترك مع إسبانيا والبرتغال لتنظيم كأس العالم 2030.
وهو ترشح لقي ترحيبا واسعا من قبل البرتغال، حيث أكد رئيس الوزراء البرتغالي أن الملف المشترك بين البرتغال وإسبانيا والمغرب لتنظيم كأس العالم لكرة القدم 2030، سيوحد قارتين من خلال الرياضة، مسجلا في كلمة له أمام المشاركين في المؤتمر الـ 47 للاتحاد الأوروبي لكرة القدم المنعقد بلشبونة، أنه “لا توجد رسالة أكثر قوة من كرة القدم، يمكننا معا تحقيق السلام والتسامح والتفاهم بين الشعوب”.
كما أكد الإعلان المشترك الختامي أن هذا الترشيح “يشكل سابقة في تاريخ كرة القدم، حيث يوحد لأول مرة دولا من قارتين مختلفتين”.
وقد تعززت العلاقات الثنائية الوثيقة هذه السنة بفضل إطلاق دينامية ثقافية لافتة كما يعكس ذلك، مشاركة المغرب، في فعاليات معرض الفن المعاصر “آركو لشبونة”، من خلال رواق الفن المغربي” لاتولييه 21″، وحفل موسيقي للعازفة البيانو المغربية، غزلان حمادي، رفقة عازفة البيانو الفرنسية فيرونيك غيو، خلال أمسية فنية بمافرا، كما تم الاحتفاء بالفن المغربي المعاصر من خلال معرض “الأزرق وألوان أخرى.. رحلة في تاريخ الفن المغربي”، من طرف المؤسسة الوطنية للمتاحف، فضلا عن تنظيم ندوات ومعارض فنية أخرى ولقاءات دراسية تناولت الثراث والتاريخ المشترك بين البلدين.
وتجسدت إرادة البلدين في الاستفادة من الإمكانات التي يتيحها قربهما الجغرافي وإعطاء دينامية لاقتصادهما بغية تطوير الالتقائية في المجال الاقتصادي، من خلال مشاركة بارزة ضمن فعاليات قمة الويب العالمية 2023 المنعقدة بلشبونة، والتي تعد إحدى أبرز الملتقيات السنوية لقطاع التكنولوجيا في العالم، فضلا عن زيارة لبعثة اقتصادية مغربية للبرتغال بهدف استكشاف فرص الاستثمار والتعاون بين رجال الأعمال المغاربة ونظرائهم البرتغاليين.
وفي إطار الأنشطة الرامية إلى الترويج للصناعة التقليدية المغربية بالسوق البرتغالية، نظمت دار الصانع بلشبونة، خلال الفترة مابين 02 و26 نونبر عملية كبرى لترويج وتسويق منتجات الصناعة التقليدية المغربية التي يحتضنها متجر “El Corte Inglés” المرموق بالبرتغال، وذلك بحضور شخصيات بارزة من آفاق مختلفة.
وبالنظر إلى أهمية التعاون البرلماني في تثمين التقارب بين البلدين والشراكة بين المؤسسات التمثيلية، قام وفد برلماني مغربي، بزيارة عمل للجمعية الوطنية البرتغالية، وذلك للاطلاع على تجربة البرتغال في مجال الديمقراطية التشاركية وتقديم العرائض.
والأكيد أن الدينامية الحالية التي تشهدها العلاقات الاقتصادية والتجارية والثقافية بين المغرب والبرتغال مدعوة إلى استثمار جميع فرص التعاون بين البلدين، حتى تكون هذه الشراكة الاستراتيجية نموذجا للتنمية المشتركة وإطارا متينا للاستثمار والإنتاج والتصدير، منفتحا على محيطه الإقليمي والدولي.
التعليقات مغلقة.