الرباط : مصطفى منيغ
نَجَحَت “المَسِيرَة الخضراء” بمثل الجملة تصايحا كل فتاة وفَتَى، فعاد مَنْ شاركٍ فيها كُلٌّ مِن حيث أَتَى، لتبقى على امتداد الدهر في حُضْنِ إنجازها جيلاً بعد جيل يترَبَّى، مِن خلالها ما ظلَّ في ذهني سرا يتقدَّم أسراراً بين وجداني تَسْتَخَبََّى ، ضَمَّنْتُ بعضاً ضئيلاً منها ما رويتُهُ لأيامٍ قلائل بعد أعوامٍ من الصَّمتِ الواصل حَد الزُّبَى ، عمَّا زرعه منَّا نضالاً وتضحيةً وخسراناً لمصالح وانتكاساً لمستقبل في مجال مثَّلَ أعَزَّ المُنَى ، فحصده البعض بغير عناء مناصب ومغانم وألقاب أحسنهم إن وُوجِهَ بالحقيقة لوجهه أكبي. وإن عاد للخلف على نفسه النازعة حق الغير بَكَى، وإن عاش الوطن ولشروط الاستقرار استوْفَي ، فالفضل لمن أحبَّه عن بُعدٍ أو قُرْبٍ ما فرَّط في حقه ولا عن خدمته لتلبية النداء جََفَى.
في سياق حديثي للوزير “البصري” الذي رغب في لقائي والحديث إليَّ الند للند، بصراحة أساسها مرتبط ببرنامج عمل مستقبلي غير مكتوب، ولا مختومة بنوده بالكيفية المتبادلة بين طرفين أحدهما رسمي بامتياز مميَّز، وثانهما عادي لا يمثل إلا فكره، بل هو عهد شفوِيٌّ ثنائي لاحترام أولوياته من طرفي كشاب يشقّ طريقه اعتمادا على نفسه، في مجال يريد التخصُّص في ميدانه ، ليصبح رجل إعلام مستقل يعَرقُ ليحيا حراً داخل الوطن كخارجه بلا فرق ، محترِماً للقانون ، ملتزِماً بما يفرضه الوطن من واجبات مقابل تمتّع بكامل الحقوق الإنسانية المشروعة لا أقل ولا أكثر. في سياق ذاك الحديث قلتُ:
– الفَهْمُ المبكِّر يا معالي الوزير، يُجنِّب الوقوع في أي وِزْر ، مفعوله أكان كبيراً أو صغيراً يمهِّد التأثير ، لاتخاذ العكس مقام الصحيح الواضح المُنير . سياسة الدولة العليا مُقامة حفاظاً على مقومات نظام الحكم الأساسية ، بمجريات مجملها لا يقبل التغيير، الباقي متروك للحريات العامة والديمقراطية، وحقوق مكتسبة عن طريق نضال مرخص له مسبقاً في إطار تنظيمات حزبية متقلّبة التَّمَوْقُع ، بين معارِضَة وموالية ومختارة الوسط الضامن لها الفوز لو تحالفت مع الباحث عن الكم دون الكيف. أنت يا معالي الوزير مكلَّف بإضافة زرع مثل الفهم المُبكِّر بأسلوب يثرك من كان مثلي، ينساق للمشاركة العملية لترسيخ تلك السياسة في أي وسط يختار التحرك في معترك حاجياته الضامن بها استمرار حياته بغير مشاكل ولا اصطدامات ، على العموم أقولها لكَ وأمري لله ن ما أردتَ معالي الوزير أن تحيطني في شأنه عِلماً ، المنسوج مضمونه كلية برغبة الكتمان ، ستبيِّن لكَ الأيام ، أن ما ذهبتُ من أجله لغاية “تندوف” دخل اهتمامي لمعرفة ما وراء ذاك الصمت المغربي ، بل ذاك التجاهل المقصود الجاعل انتقال ما تأسَّس في مدينة “كُلْمِيمْ” المغربية إلى مَقرٍ داخل الجزائر العاصمة ، طبعا تأكَّدت أن الجنرال الذي استقبلني هناك لن يترك المناسبة/ الفرصة ، ليكلف أجهزته الاستخبارية التحري الدقيق رغم صبغة الاستعجال المطلوب للجواب على سؤال وحيد ، إن كنت أداة تحرّكٍ متقدِّمٍ في نفس الموضوع بين يدي السلطات المغربية العليا ، فكان ما قام به من مجهود خرافي مطابقا لخيبة أمل صفعت ظن ذاك العسكري لدرجة ارتباك أطهر من خلالها أكثر استعدادا للاحتفاء بي ومن رافقني اعترافا بما سأخدم به رغبة الرئيس الهواري بومدين عن طريق إنجاح مسرحية “المسيرة الحمراء ” هذا من جهة و الباقي أدهى إذ تعلق بالفهم المبكِّر الذي ما كان طلبك الذي شرفني بمقابلتك سوى الإطلاع المباشر على أحد مؤشرات (ولو في الحد الأدنى) تجعلكَ وأنت ما أنتَ عليه من منصبٍ نفوذه قد لا يحصره قانون إن تعرضت الدولة لضرر مهما كان مصدره أو حجمه ، أجل تجعلك مطمئنا أنني تعجبتُ بادئ ذي بدء لكنني في النهاية قادني حدسي لإتلاف التسجيل الذي أشرفتُ عليه عن بعد ،ِ وذاك القيادي يتحدث وقد تحكم في عقله ما تجرعه من سائل قنِّينة تعلم معالي الوزير مصدرها والكيفية المستعملة في مسح أي أثر يدل على وجودها أصلاً ، وهو يتمتم بصوت مسموع واضح عمَّا شاب التأسيس ، وما غاب في صدور بعض المؤسسين لهدف أنت يا معالي الوزير أعلم به . بقي أن أدلي بها كلمة حق للتاريخ أعلنها بحضورك ، القضية غير مؤدية وظيفتها ، لعدم معرفة العقلية الجزائرية بالكامل ، تلك العقلية المبتدئة في مثل الشأن بالعناد المطلق ، والمنتهية بتقبُّل الخسارة مهما بلغت ، دون الرضوخ للهزيمة ، ممَّا يجعل طول المدة عاملاً من عوامل عدم الإقرار بحلٍ يُرضي كل الأطراف المعنية” .
… في وجدة من جديد اجتمعتُ بالسيد عامل الإقليم تلبية لدعوته مُصطحباً معي حسب رغبته الأخوين(ب/ع) و (ب/ي) ، ليبلغني أنني مُعيَّن بموجب أحد المنصبين اللذين توصَّل بهما ، كمدير مكتب وكالة المغرب العربي للأنباء بالمغرب الشرقي ، والمنصب الثاني يُعيَّن بموجبه من أختاره من الأخوين المذكورين ، موظفاً تابعاً لوزارة الشبيبة والرياضة مُلحقاً بالمندوبية الإقليمية لنفس الوزارة في وجدة ، بعد لحظة صمت أخرجني منها السيد العامل طالباً وجهة نظري في الموضوع، أجبته بنبرة تعتمد القرار الصائب الذي لا خيار لي بعده إطلاقا:
– وُضعتُ في الجزائر أمام موقف كلَّفني منح كلمة شرف بمثابة عهد ، أن يتوصَّل الأخوين بما يستحقَّانه من كرم الدولة المغربية ، وما يتّخذانه شعاراً لهما وأحفادهما ، ّأن إخلاص المواطن للوطن يقابله إخلاص الوطن للمواطن”، وفي هذا المعنى ما قدماه الأخوين فاق المطلوب بما تركاه من راتب مُغري ومستقبل في ميدان تخصصهما يبشِّر لهما بتحقيق حلم راودهما منذ سنين ، لذا أفضل أن يُعيَّن الأخ (ب/ي) في منصب مدير مكتب وكالة المغرب العربي للأنباء بوجدة ، والأخ (ب/ع) في منصب موظف في الشبيبة والرياضة ، مع رجائي أن يقبل السيد العامل بهذا القرار الذي أكون بواسطته قد أدَّيتُ واجب الوفاء للعهد الذي ربطتُ ضميري بإتمام ما تضمّنه . (يتبع)
التعليقات مغلقة.