مصطفى منيغ
المناسبة أتاحت لي التعرُّف على “وجدة” لأكونَ في مستوى التحدُّث عنها أحياناً دون توقُّف ، عن حقائق ظلّت غائبة عمّن خطفهم ضلال الخوف ، فغدوا منفذين وصفها بما طلب منهم الذين علّموهم أنّ الطَّاعة تُجبِرُ على الوقوف ، كي لا يتساوَى الجالسون لمقامهم الرفيع مع مَن هبَّ ودبَّ من عامة الصفوف ، المُنتظِرة اشارة الشعور بالكرامة ليُبصر من كان يحسب نفسه مكفوف ، يتحمَّل مسؤولية تمزيق ما على الباقي ملفوف ، بذكاء عقل مقدٍّر حاجة النجاح لسرية تَصَرّف مناسبٍ لتلك الظروف ، غير متجاهل أن التقدُّم للنجاة دوماً بالمخاطر محفوف ، طبعاً “وجدة” لا تستحقّ ما يطفو فوق رؤوس جلّ أهاليها ونضالهم في مواجهة الظلم والحيف والإقصاء جد معروف ، لكنّه الزمن القاسي التارك صاحب عزة نفس عن إتّباع طريق تصريف إرادته الحرَّة موقوف . المناسبة كانت على قياس خزّان ذهني لشحنه بكل البراهين والدلائل أواجه بها كل مُتخلِّف ، الشاغل نفسه ب “كان” وأخواتها متمسكاً بما سيكون به مُجحف ، فما السياسة لمثله إلا شرب عصير التفاح ساعة والنَّواح على ما تَمّ خلالها لساعات غير عاثر على مُسعف ، لدخوله مرحلة يتبدَّد فيها بسرعة فائقة ما حَصَلَ عليه من مصروف ، ومهما كان الاتفاق لا يُعدَم فيه البيع والشراء ليصبح المغفَّل داخل مثل العملية في أعين التاريخ كالطائر ريشه مَنتوف . المناسبة بما وضعَتْهُ قدَّامِي مِن حقِّ الاتصال المباشر مع الناس وبخاصة في تلك الأماكن المُهَمَّشة البعيدة عن اهتمام الصحف ، القريبة الآن من طارقي أبواب قاطنيها طمعاً في استقطاب أصواتهم بأسلوب سخيف ، طالما استعملوه لسلب حرية الاختيار لدى كل ضعيف ، ومتى نجحوا انصرفوا لمصالحهم الذاتية وغرض لقلوبهم مقذوف ، كأنَّ العملية الانتخابية في مثل الدرجة الاجتماعية غير المحظوظة وُجِدت لتقديم مَن لا يستحق وتأخير كل شريف صاحب ضمير بالتقوى موصوف .
… كلما حضرتُ تجمُّعاً خطابياً منظّماً ضمن إطار الحملة الانتخابية ، أكان في دائرتي رقم 33 أو دوائر أخرى لزملائي مرشحي حزب الحركة الشعبية، إلاَّ ورأيتُها لا تُفارق عيناها وجهي، كلما سألت عنها يأتيني الجواب بالنّفي ، حتى صديقي مصطفى العزاوي رئيس الفريق ، لم تمكِّنه الذاكرة من استخراج ما يقرِّبني لمعرفتها ، إلى أن قررتُ التحري عنها بطريقتي الخاصة التي جعلتني اتبعها خفية حتى باب بيتها القريب كان من “خمَّارة سِرْنُوسْ” الكائنة في حي “وادي الناشف” ،انتظرت لحظات قبل أن اطرق الغرفة التي تسكنها داخل بيت غريب الهندسة تقطنه عائلات كل واحدة في غرفة ، فتحت الباب وظلَّت صامتة حائرة بين دعوتي للدخول من عدمها ، فهمتُ وبسرعة طلبتُ منها أن ترافقني في جولة قصيرة عساها تبوح لي بسرِّ اهتمامها الشديد بشخصي ، كما شعرتُ بذلك من كثرة ملاحقتها لي ، من مهرجان في الهواء الطلق إلى كل بيت يقيم فيه الحزب حملته الدعائية معرِّفاً بمرشحِّيه لانتخابات مجلس جماعة وجدة الحضرية ، في طريقنا إلى وسط المدينة سمعتُ ما أرادَت أن تُقنعني بما قالت:
– في “وهران” سلَّمَتْكَ فتاة رسالة لتلتحق بها على عنوان لو تمعَّنتَ فيه لوجدته حيث أقيم في نفس الغرفة التي طرقتَ بابها من دقائق فقط ، حينما انتقلنا في تلك السيارة من محل إقامتك في “لامدراغ” كنتُ محجّبة ممّا غابت ملامحي عليك بالمرة ، خاصة وذاك المُلحق بجهاز المخابرات الجزائرية ورئيسي المباشر ضيَّق عليَّ الخناق لأبقَى بعيدة عنك ، حتى أستطيع مراقبتكَ في “وجدة” وأنتَ قاصدها لإحضار ما تحتاجه مسرحيتك “المسيرة الحمراء” من ممثلين كما اتَّفقتَ مع كاتب ياسين . بوصولي إلى هنا اختفيتُ عن الأنظار مستعينة على قضاء حاجياتي اليومية بمبلغ أحضرته من الجزائر مَثَّلَ كلّ مدخراتي ، على أمل اللقاء بك من جديد ، ومع المدة أحسستُ بألم اليأس يمزّق أحشائي من الداخل ، إلى أن قرأت استجواباً أجراه معك في وجدة الاستاذ “بوتشيش” مراسل جريدة الرأي التابعة لحزب الاستقلال الناطقة بالفرنسية ، فغمرني التفاؤل لأعيش وكل همي أن أراك ، وبالفعل تحقَّق مرادي حينما علمتُ بوسائلي الخاصة ترشيحك للانتخابات والباقي أنتَ تعرفه .
– لن استفسر عن الإجراءات التي أدَّت لمثل الثقة وأنتِ تتجوَّلين برفقتي ووجهكِ مكشوف ظاهر للعامة دون انتباه أن الجهاز الذي تتبعينه كعميلة ، له من العيون ما تضمن بها رصدك بيُسر دون أدنى عناء ، لن أستفسرَ مادام الالتباس لم يُدحِض اليقين ، وعليكِ إتّباع الحذر لأني أقوي من المهمَّة الصعبة المدَبَّرة ضدي بواسطة طعمٍ أنثويّ ، لذيذ الطّلعة شقيّ السُّمعة أوله متعة وآخره دمعة . لن أكون منساقاً مع أي لحظة دون حُسْبان ما قد يعترض طريقي ، إذ ما نُسِبَ إليّ ومِن الجهتين الجزائرية كالمغربية يقيّدني بالتفكير الطويل المملّ قبل اتخاذ أي خطوة أتحمّل مسؤولية ما قد ابرّر بها قناعتي بكوني على حق ، إن حصل ما يُعاكس حِرصي الشديد على سلامة نفسي ، فإن كانت الجزائر الرّسمية حاقدة عليَّ لأنني أَبْكَيْتُ رئيسها من الغيظ وهو يقرأ رسالتي القصيرة “ستكون مسيرة خضراء رغم أنفك”، فإن المغرب في “وجدة” عند بعض مسؤوليه التنفيذيين (المتصرّفين في نفس الموضوع ، حقيقة من تلقاء أنفسهم) يريد أن أبقى متجمداً عساي أن أتمكَّن من التقاط أوامر تدخلني لدائرة الانضمام بالتطبيل والتزمير للمولود الحزبي الجديد ، بعدها القضية مرتبطة بحظوظي في جمع الفُتات . (يتبع)
التعليقات مغلقة.