المنتزه الوطني لتازكة بتازة نموذجا متفردا للتنمية والسياحة الجبلية بالمغرب
عبد السلام انويكًة
ما هو عليه من حياة وملمح ايكولوجي متباين المعالم. فضلاً عن تركيب بيولوجي هنا وهناك على مستوى مجاله. يجعل من منتزه تازكا الوطني بتازة ومن خلاله منتجع/مصطاف “باب بويدير” الجبلي. مساحة جاذبة متميزة داعمة لسياحة قروية نموذجية. لِما لموقع هذه الامتدادات المجالية الغابوية الساحرة. وما هو كائن بها من فصائل نبات وإنبات وكذا ثروة وحيش. هي بحاجة لعناية أوسع تجنبا لأي اختلالات يقوم عليها نظام بيئي خاص يطبع المنطقة. وتجنبا أيضا لانقراض ما هو تراث بيئي بها.
ولعل المجال الطبيعي الذي يمتد عليه منتزه تازكا الوطني. هو فضاء لإرث إنساني ومشاهد سوسيو ثقافية، ترتبط بساكنة دواوير مجاورة. والتي هي بأنماط عيش ضاربة في الزمن. فضلا عن تقاليد تعني قدم وجود وتفاعل.
جدير بالإشارة إلى أن إحداث منتزه تازكا الوطني، يعود لقرار وزاري صدر شهر يوليوز 1950. علما أن المشروع بدأ التفكير فيه منذ ثلاثينات القرن الماضي. وقد أقيم على مساحة أولية آنذاك تقدر ب660 هكتارا. وكان الهدف الأساسي منه، خلال السنوات الأخيرة من فترة الحماية على البلاد. حماية أشكال حياة بيئية وموارد طبيعية بقمة جبل “تازكا” المطل على وادي “إيناون “من جهة الجنوب. وبصفة أساسية حماية غابة الأرز ذات الامتداد المعبر. تلك التي توجد ضمن وضعية عزلة فوق هذه القمة بعيدا عن غابات الأرز الأخرى المغربية. إن بالأطلس المتوسط أو جبال الريف. ويضم منتزه “تازكا” الوطني الذي يسجل له تفرد تركيبته الايكولوجية جهويا وطنيا ومغاربيا. مرتفعات يصل علوها لحوالي 2000 متر. منها جبل “تازكا” الذي يشرف على مناطق مجاورة بكاملها. بما في ذلك مضيق جنوب “الريف” الشهير في جيولوجيا المغرب. والمعروف محليا ب” الطواهر”، المنفذ البري الوحيد التي يصل شرق المغرب بغربه عبر ممر تازة.
ولعل منتزه “تازكا” الوطني بتازة بعناصره المتكاملة الطبيعية. يعد نموذجا وطنيا من حيث خصوصيته البيئية وأهميته النباتية الغابوية. وهي الخصوصية التي ترتبط أيضا وتتجلى في الحفاظ على ما تبقى من أشجار الأرز. إلى جانب الأهمية السياحية التي ينفرد بها. والتي تتجلى في جمالية مركب شجري ذو مناظر جادبة. هذا بالإضافة لكون المنتزه الوطني ل”تازكا” هو بمثابة مختبر قائم الذات في الطبيعة. نظرا لأهميته العلمية المنحصرة في دعم الأبحاث الإيكولوجية والجينية الخاصة بالكائنات الحية.
ويشهد هذا الكيان الطبيعي، منذ عدة سنوات. توسعا في المساحة لاحتواء مزيد من مكونات طبيعية هي بأهمية إيكولوجية وترفيهية وتربوية بالغة الاهمية. (تنوع نباتي، غابات بلوط، فلين، بلوط اخضر، وبلوط سنديان بالخصوص). ومواقع ايكولوجية سياحية من مغارات وشلالات ومناظر ومشاهد قروية… وقد انتقلت مساحة منتزه “تازكا” هذا إلى 13700 هكتارا تقريبا. لتشكل فيه غابة الأرز النواة الأصل الجاذبة.
مسالك عدة مفتوحة للنزهة يوجد عليها منتزه “تازة” الوطني على ارتفاعات معبرة. وإذا لم يكن لزائره متسع من الوقت للقيام بجولة عبر مسالكه كاملة تلك التي تحيط بمنتجع “باب بودير” الجبلي. فهناك من الإمكانات الشيء الكثير للاستمتاع سياحيا بمناظر رائعة. وذلك من خلال التنقل بالسيارة عبر مدار جبلي ينقله إلى أحسن المواقع الجاذبة بطبيعتها متوحشة أولية موجودة جنوب تازة بشمال المغرب. مواقع ايكولوجية ساحرة تلتقي بها جبال “الريف” مع “الأطلس المتوسط” تلك التي تكسو سفوحها أشجار بلوط وفلين غنية بأخشاب وجبال متنوعة الاشكال. والتي تضم أودية ضيقة ووديان متدفقة موسمية ومغارات تمتد تحت الأرض بحيرات. وكذا تجمعات سكانية قروية ذات ثقافة جبلية أصيلة على امتداد طرق ضيقة. إنما على الزائر أن لا ينسى زيارة مغارة “فريواطو” البعيدة عن مدينة “تازة” جنوبا بحوالي 20 كلم. تلك التي تعد الأعمق على الصعيد الأفريقي. والتي تتوفر على مدخل يقدر عرضه ب30 مترا. وبعد هذه الزيارة لهذه المغارة التي تعد من أغلى مادة سياحية طبيعية ب”تازة” والمنطقة. يمكن مواصلة الرحلة عبر طريق “باب بودير” ليصادف كل زائر مركز إرشاد غابوي يقدم للعابرين من باحثين وسياح وعشاق طبيعة. عدة معروضات حول التراث الطبيعي للمنطقة.
وبعيدا عن هذا المركز، تحديدا عند مدخل ومخرج مسلك “بوهدلي”. يلتقي الزائر بمحمية لحيوان الوعل (LE CERF). وعلى بعد حوالي ثمانية كيلومترات من مركز باب “بودير” السياحي. يوجد طريق يؤدي نحو قمة جبل “تازكا” حيث يصادف الزوار عبره مسلكا نحو القمة. وكذا المتحف البيئي الجديد للمنتزه. مع ما توفره محمية “تازكا” أيضا من إمكانية استراحة في الهواء الطلق. على ايقاع منظر رائع وطبيعة بكر فيها كثير من الهدوء قد يكون الإنسان افتقده في زمن سرعة وتقنية. وإلى جانب كونها عبارة عن مسالك في الطبيعة فهي محاور مخصصة لزوار من السياح الذين يفضلون جولات على الأقدام. بقدر ما هي عليه من تعدد وتنوع. بقدر ما تأخذ هذه المسالك أسماء أنواع أشجار أو جبال أو طيور أو أحجار. ولعل من مسلك الفلين بعد استراحة في هواء طلق، يمكن أن تنطلق نزهة جبلية اولى بتنقل عبر هذا المسلك السهل. الذي يسمح بمشاهدة حيوان “الوعل” الذي أعيد توطينه داخل المنتزه أواسط تسعينات القرن الماضي بحوالي أربعين رأسا.
عبر هذا المسلك يجد المتجول نفسه محاطا بأشجار ضخمة للفلين تميز هذا الجزء من المنتزه. وفي الطريق يلاحظ أن بعض الأشجار تم تجريدها من قشورها في إطار الاستغلال الأمثل للغابات. مع أهمية الإشارة إلى أن الفلين الذي تنتجه غابة “باب أزهار” ب”تازة” هو من أحسن الأنواع بالمغرب. ما يتم استغلاله في عدة صناعات وطنية ومتوسطية بعد عملية تحويله. أما مسلك “بوسلامة” بذات المنتزه فيمكن عبوره انطلاقا من أحد أطرافه وكلما توغل فيه الزائر بقصد الوصول الى إحدى القمم الجبلية. إلا ويجد نفسه وسط غطاء نباتي كثيف يتشكل من بلوط اخضر وأنواع أخرى من تشكيلات غابوية. ويمكن للمتجول أن يشاهد عدة أصناف حيوانية كالطيور، خصوصا حجل أروبا وفراشات وأصناف أخرى من وحيش ونبات. ويوجد في قمة جبلية واقعة على هذا المسلك برجا للمراقبة يطل ويشرف على “تازة” المدينة. وعلى تلال مقدمة “الريف” المقابلة وعلى كل تلك الأعالي من حوض “إيناون”.
أما المسلك الشهير في منتزه “تازكا” الوطني بمسلك “العقاب”. فيبدأ من مدخله المنتزه على مستوى موقع “سيدي مجبر” المصنف تراثا انسانيا وطبيعيا. بحيث عندما يصل الزائر إلى قمة الجبل الذي يؤدي إليه المسلك. يمكنه مشاهدة قمم الجبال المحيطة بالمنتزه.
وللإشارة فإن هذه المنطقة تتردد عليها طيور لاحمة خصوصا طائر “LE FAUCON CRECERELLE” الذي يصادف في غابات واجراف وبنايات أمومية. وينتهي هذا المسلك عند تقاطع طرق “مغراوة- باب بودير” الذي يسمح بالرجوع الى “تازة”. وبالوصول إلى مدخل مسلك آخر قريب منه يعرف بمسلك الصخرات الذي يؤدي إلى قرية “سيدي مجبر”. وفيما يتعلق بمسلك “السنديان” ضمن المنتزه أيضا. فهو يتميز بوجود صنف غابوي نادر هو شجر السنديان. ويستمد تسميته من هذا الصنف الذي يتميز بأشجاره الضخمة والنفضية وبجدوعها الطويلة المستقيمة التي تتلاءم مع محيطها الطبيعي. وينطلق هذا المسلك وكذلك مسلك الأرز من نقطة واحدة. لينقل الزائر إلى قرية “بني اسنان” الواقعة عند قدم جبل “تازكا”. ويعتبر مسلك السنديان أحد المسالك الطويلة بالمنتزه فهو يمكن للزائر من ملاحظة ومعاينة بعض الحيوانات الفريدة من وحيش المنطقة “تازة”، من خنزير بري وثعابين وحيوانات أخرى.. ويمتد هذا المسلك بجانب شلال موسمي لينتهي عند موقع “بني أسنان”، الذي ينطلق منه طريق يصل إلى مركز “باب بويدير” السياحي.
وفيما يخص مسلك “بوهدلي” فإن مدخله يقع عند آخر زاوية لمركز “باب بويدير”، تحديدا بالقرب من “مسبحه”. وهو أحد المسالك التي يرتادها الزوار داخل المنتزه الوطني ل”تازكا”. والذي يوجد في متناول الزائر. وعبر هذا الطريق يشاهد المتجول أنواعا عدة من زهور طبيعية. وأصنافا من حيوانات وفراشات. فضلا عن طيور شهيرة بهذا الجزء من المنتزه تعرف بLe rage gorge. أنثى هذا الطائر تبني أعشاشها بواسطة أعشاب عند قدم اشجار وثقب جدران. ويؤدي هذا الطريق نحو قمتين يصل ارتفاع أحدهما ل1800 متر. وتشرف على هاتين القمتين على جبال “الريف” من جهة الشمال. وتمكن من نظرة على جبال “الأطلس” من جهة الجنوب. فضلا عن نظرة بانورامية على “ضاية شيكر” الشهيرة بالمنطقة. حيث المركب المغاراتي الذي يشمل مغارتين هما الأهم والأعظم في المغرب هما “فريواطو” و”شيكر”.
التعليقات مغلقة.