أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

“المُعرَّبون” في الارض!

جمال بودمة

نحن “المعربون” في الارض، ضحك علينا اخوتنا الكبار، عندما رأونا ندرس “الحوجلة” و”التحاكي” و”الكتل المعلمة” و”تعكر ماء الجير”، و”الشلجم” و”الهدلول”، ولا نفرق بين ال”accent grave” وال”accent aigu”، وضحكت علينا الدولة وحزب “الاستقلال”، حين جعلونا ندرس بالعربية وسجلوا ابناءهم في البعثات الأجنبية كي يتعلموا بلغات أخرى، وعندما اكملوا دراساتهم في فرنسا وكندا وإنجلترا والولايات المتحدة، اصبحوا يتحكمون في مصيرنا ومستقبل ابنائنا بعربيتهم الركيكة…

نحن جيل التعريب الفاشل، بعضنا افلت بأعجوبة من الفخ، وتمكن من إكمال مشواره الدراسي والحصول على شهادة وشغل، واخرون ضيعوا البوصلة والمستقبل بين مدرجات الجامعة، بسبب لغة التدريس، وضحالة المناهج، وإفلاس التعليم العمومي.

لقد تفاقمت مشكلة التعليم في المغرب حتى تحولت الى ورم، كلما لمسته يئن المريض ويصرخ، وليست الأحزاب السياسية من سيحل معضلة المدرسة العمومية، بكل تاكيد، لانها هي نفسها تحتاج الى من يعالجها، والمريض لا يمكن ان يتحول الى طبيب. التعليم اكثر جدية من ان يترك بيد سياسيين سطحيين، لا تهمهم الا مصالحهم الضيقة، بعضهم لا يملك حتى شهادة الباكالوريا، ومعظمهم لا يعنيه الموضوع أصلا، لان ابناءه يدرسون في القطاع الخاص ومدارس البعثة، وبإمكاننا ان نصدق من يناقشون مصير المدرسة، تحت قبة البرلمان وفي الاجتماعات الحكومية، في حالة واحدة: اذا صدر قرار يجبرهم على تسجيل ابنائهم في المدرسة العمومية مع بقية أبناء الشعب، حينها فقط يمكن ان ناخذ كلامهم على محل الجد…

لنفترض جدلا ان دراسة العلوم بالعربية خيار غير مفيد، لانه يعزل الطلاب عن مواكبة التطورات العلمية المتسارعة، باعتبار ان العلم الحديث لا يتحدث لغة الضاد. في هذه الحالة، أليس من الحكمة اختيار الإنجليزية لغة للتدريس بدل العربية والفرنسية؟ نعرف ان لغة شكسبير هي الأكثر انتشارا، والأسرع استيعابا للتطورات العلمية الحديثة، والفرنسيون أنفسهم مجبرون على تعلم الانجليزية اذا أرادوا مواكبة التطورات العلمية في مختلف المجالات….

الحقيقة اننا عندما نقف على الوضع المزري الذي وصل اليه التعليم في المغرب، يبدو الجدل حول لغة التدريس مجرد “نكاح ذباب”، على حد تعبير الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك. وعلى ذكر شيراك -أطال الله في عمره- فان فرنسا لم تغادر المغرب، رغم اكثر من ستين عاما على الاستقلال، ولن تغادره في المستقبل المنظور. من يسيطر اليوم على مفاصل الاقتصاد والسياسة في بلادنا هم ورثة المعمرين، يتصرفون مثلهم تماما، ويعتبرون بقية الشعب من “الأهالي”، الفرق الوحيد انهم مغاربة ومن سبقهم فرنسيون، ولا غرابة ان يفصَّل “القانون الإطار للتربية والتعليم” على مقاسهم، في وقت تحولت فيه المدرسة العمومية الى مصنع لتفريخ أجيال من “الضباع”، كما ظل المرحوم محمد جسوس يردد، دون ان ينتبه الى تحذيراته احد.

التعليقات مغلقة.