النشر بالمغرب: كابوس الكاتب المرعب
رضا سكحال
يعاني معظم الكتاب بالمغرب من أزمة خانقة، تتمثل في معضلة الطبع والنشر، كابوس الكُتاب المرعب، الذي يؤرق مضجعهم، يترصد أحلاهم، يمنع حروفهم من التحليق برفوف المكتبات، ويقتل الإبداع برصاصات غادرة، اخترقت شريانهم في رحلة البحث عن ناشر يحتضن حروفهم.
كثير من الكتاب لم يكملوا المسير في طريق الكتابة بعدما ملوا من تكرار المعانات نفسها خلال كل كتاب جديد يصدرونه، وآخرون توقفوا دون أن ينشروا ما خطته أناملهم، احتفظوا بما كتبوا داخل زاوية حجراتهم، أوراق طالها النسيان، ماتت قبل أن تصل للقارئ خلال مخاض عسير، الكاتب وحده أعلم بتفاصيله الشاقة.
ترفع دور الناشر حججا من قبيل غلاء مصاريف النشر وارتفاع كلفة التوزيع للدفاع عن نفسها، والكاتب يتذمر من الشروط المجحفة التي تعيق استمراره في عملية الكتابة، أهما إسقاط صفة “الأجير” من ذهنية دور النشر، فكثير من الناشرين يصرون على التعامل مع الكاتب على كونه أجير منتدب لدارهم مع وقف التنفيذ.
وبين هذا وذاك ينتظر القارئ الشغوف بفارغ الصبر أن يقرأ الأعمال الجديدة الجادة، دون أن يعلم أي شيء عن المعركة المريرة التي يخوضها الكاتب في الخفاء من أجل أن تسطع شمس أفكاره، ويصل الكتاب إلى يده بسلاسة.
سنسلط الضوء من خلال هذه الورقة على أزمة النشر من زاوية الكاتب، في أفق استعراض وجهة نظر دور النشر، ولما لا وزارة الثقافة، حتى لا تنحصر الرؤية في زاوية أحادية، حيث نستضيف كل من الروائي يونس كلة، والروائي والقاص مصطفى لمدن.
يصف الروائي “يونس ݣلة” في حديث خص به جريدة “أصوات” تجربته الأولى في مجال الكتابة الأدبية، “يمكن القول أن “حلم موؤود” رواية متواضعة حد الخجل، خاصة وأنها أول تجربة جادة. انطلقت كفكرة للتعبير عن خواطر صاحبت وجداني منذ سنوات”.
يسترسل ذات الكاتب في سياق الحديث عن أول أعماله: “تحكي الرواية عن أحلام لم تكتمل، أو لنقل أنه تم وأدها وإقبارها في مهدها بفعل ظروف ومسببات سوسيو اقتصادية. تلتقي جميعها في واقع واحد، واقع مجتمعات الجنوب بأزماته المتعددة”.
هذا وقال ݣلة “لأصوات” عند تطرقه لمسألة النشر والتوزيع، “للآسف لا تلق النصوص الإبداعية الدعم والتشجيع الكافي، خاصة عندما يتعلق الأمر بالشباب وبتجربتهم الأولى في النشر والتأليف”.
ويضيف الكاتب الشاب في خضم الحديث عن عملية النشر، “تواصلت مع بعض دور النشر، لكن المحاولات الأولى باءت جميعها بالفشل، كون تكاليف النشر مفروضة على المؤلف وهو من يتحمل أعباء توزيع مؤلفه في الغالب. اللهم إن كان المؤلف مرموقا وله تجارب نشر عديدة”.
ويقول صاحب حلم مرؤود، “بعد عدة محاولات عديدة، تمكنت من الاتفاق مع (جامعة المبدعين المغاربة) بنشر العمل على نفقتي الخاصة، حيث تحملت أعباء التوزيع وتكلفة. وتعتبر حالتي مجرد حالة جزئية من حالات عديدة لمبدعين شباب عانوا مشاكل وصعوبات في نشر أعمالهم”.
ويضيف بكثير من الأسف،”هناك من تراجع عن نشر أعماله نتيجة للشروط المجحفة، والتي لا يتسع المجال لذكرها”.
وحول أزمة النشر بالمغرب، يشير يونس ݣلة إلى بعض الصعوبات التي تعيق النشر في المغرب. ويرى أن الدولة مسؤولة عن هذه الأزمة من خلال قوله: “المسؤول الرئيسي عن أزمة النشر في المغرب هي الدولة، كونها لا تخصص إلا جزءً بسيطا من الميزانية العامة لدعم النشر والناشرين، وكذلك الإبداع والمبدعين”.
وواصل ݣلة نقده، “أما وزارة الثقافة والتواصل والشباب ـقطاع الثقافةـ فهي المسؤول الثاني عن الأزمة. باعتبارها الوصي الرئيسي على الشأن الثقافي”.
وانتقد ذات المتحدث وضع شروط الدعم في أيدي دور النشر وشركائهم. معتبرا أن الأمر يعيق الإبداع في أصناف الرواية والشعر والقصة.
هذا وقال في إطار نفس السياق، “في الغالب تقف ملفات دعم الكِتاب والكُتاب على رغبة دور النشر التي تفكر في هامش الربح أكثر من تفكيرها في الكِتاب والكُتاب. حتى الجوائز المعروفة في مجال النشر والإبداع لا تسمح للمبدع والكاتب بأن يتقدم لها بنفسه. بل تتكلف دار النشر باختيار الأعمال الأدبية-الإبداعية لتقديمها قصد التنافس على الجائزة”.
وعن الحلول التي يرى فيها ݣلة على أنها قد تساهم في تجاوز أزمة النشر. يقول، ” وجب على الدولة أن تفكر في الرفع من ميزانية دعم التأليف، والاهتمام بالناشرين والمؤلفين معا”.
ودعا “إلى عقلنة تدبير الميزانية في المجال الذي خصص لها. مع الحرص على الرقابة المالية والإدارية لدور النشر وطرق استفادتها من الدعم. وكذا تمكين وزارة الثقافة من أدوات الرقابة على دور النشر والتوزيع، عبر وضع استراتيجية الدعم ذات أمد طويل”.
وختم ݣلة حواره مع جريدة “أصوات”، بضرورة الانفتاح على بعض التجارب العربية في جانب النشر والتوزيع للأعمال الأدبية والعلمية، حيث قدم التجربة المصرية واللبنانية كنموذجين يحتدا بهما.
وفي سياق متصل، استهل الروائي والقاص، مصطفى لمودن حديثه مع جريدة “أصوات”، عن جديد أعماله الأدبية، “الورطة”، وهي عبارة عن مجموعة قصصية تتضمن 23 نصا. جل هذه النصوص سبق أن نشرت بملاحق ثقافية ومجلات.
وأضاف “كل قصة تتحدث عن موضوع، وإن كان يغلب عليها نوع من الواقعية الممكنة الحدوث. أي ما يشتمل على وقائع منطقية”.
وعن معضلة النشر، سجل لمودن، المشاكل التي تعترض نشر أي كتاب كيف ما كان، على حد تعبير ذات القاص.
وصرح، “قد تفاقم الوضع مؤخرا لعدة اعتبارات، من أهمها ضعف المقروئية، وعدم الإقبال على اقتناء الكتب بشكلها المتنوع الإبداعي والمعرفي.. ونزوع نحو استعمال ما هو إلكتروني، ليس فقط في ما يخص الإبداع”.
استرسل ذات المتحدث، “سبق أن نشرت ثلاث مجموعات قصصية على حسابي، ورواية واحدة تكلفت بطبعها ونشرها إحدى الدور المتخصص”.
وعن مجموعه القصصية الجديدة، يقول لمودن لأصوات “عرضت مجموعتي القصصية الجديدة على بعض الدور، تلقيت عن ذلك أجوبة مختلفة، منها من يعترض عن النشر بدعوى أن ذلك لا يدخل في مجال اهتمامه.. اعتذار دبلوماسي”.
ويصف في ذات الإطار المتعلق بمعاناة الكاتب مع النشر، “هناك من قبلت من هذه الدور، لكن بجواب يحمل التباسا من ذلك. إما أن حقوقي ككاتب غير واضحة، أو تخصيص نسخ تكون من نصيبي تمثل في أقصى الحالات 10 % مما يقولون إنه سيُطبع. إحدى الدور اقترحت أن يكون الطبع على حسابي، وهي تتكلف بالتوزيع، مقابل أن أحصل على 60% من العائدات”.
وأكد المتحدث نفسه، “دار واحدة تقيم بإحدى الدول الأوربية، وبعد تفاوض، وافقت على تخصيص 16% من عائد المبيعات. لكن، عندما اطلعت على العقد لتوقيعه، ظهر أن الدار تراجعت، واكتفت بما يعادل 10 %. مما جعلني أتخلى عن العرض”.
وحول سؤاله عن مصير مجموعته القصصية الجديدة. أفاد لمودن، “ما تزال المجموعة القصصية مسودة على الورق، وقد لا تظهر مطبوعة”.
وعرج القاص لمودن في إطار حديثه مع جريدة “أصوات” على مشكلة القراءة، التي تراجع منسوبها، وحل الجفاف بأغلب المكتبات، يقول ذات المتحدث، “للأسف هناك عدم إقبال على القراءة، ولهذا عدة أسباب. لعل ما يعتمل في مقررات ومناهج التعليم أحدها. حيث هناك شبه غياب للقراءة الحرة من خارج ما هو متوفر بالمقرر. وعندما أتحدث عن الإقبال، أثير ما يستحق فعلا القراءة”.
وانتقد الروائي نفسه، وزارة الثقافة المغربية، مبرزا أن الدعم الذي تقدمه هذه الأخيرة لطبع الكتب، تعتريه عدة مشاكل. وقال “أي كتاب مرشح، يجب أن يمر عن طريق ناشر(ة).. أي لا يقع التعامل مباشرة مع الكاتب(ة)”.
وأضاف، “لا يتعدى الطبع ألف نسخة في الأقصى، وغالبا تحصل الكتب الإبداعية على دعم طبع 500 نسخة! بينما هناك الكثير مما ينتظر فعله لدعم نشر الكتب وترويجها”.
وأكد لمودن لأصوات، أن “الدولة تقدم جائزة الكتاب السنوية في شخص وزارة الثقافة. لكن، تكون لكتاب واحد، وليس لثلاثة. ولا يقع الحديث عن قائمة طويلة وأخرى قصيرة، لما في ذلك من تأثير على رواج الكتب، ولو على الصعيد الإعلامي”.
واستطرد ذات القاص حديثه لأصوات قائلاً، “في ما يخص الإبداع، دائما أثير مسألة ما يسمى جائزة “السرديات”، حيث يجمعون عدة أجناس أدبية في ملف واحد، وهذا فيه إقصاء لعدد من أشكال الكتابة الأدبية، من ذلك القصة القصيرة التي لم تفز سوى مرة واحدة، بينما تنال الرواية حصة الأسد”.
وختم لمودن حديثه بإغفال “عدة جهات دعم الأدب والمقروئية، ويطول ذكر هؤلاء الذين يمكن أن يدعموا، ليس بمفهوم الصدقة، ولكن من أجل بناء الإنسان والصرح الحضاري”.
التعليقات مغلقة.