وقد يسفر هذا الاقتراع عن تغيير غير مسبوق في المشهد السياسي للبلاد التي كان الإجماع دائما سيد الموقف فيه، حيث كان يتم دائما تقاسم السلطة منذ عام 1945، تاريخ إعلان الجمهورية الثانية من قبل الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب المحافظين.
وسجلت حالة الاستثناء مرتين فقط الأولى بين سنتي 1983 و 1986 عندما كان الحزب الاشتراكي الديمقراطي في الحكم إلى جانب حزب الحرية (اليمين المتطرف)، والثانية بين سنتي 2000 و2002 عندما قرر المستشار الأسبق زعيم حزب المحافظين وولفغانغ شوسل إحداث تغيير في التحالف بسبب الهزيمة الانتخابية التي تعرض لها الحزب الاشتراكي الديمقراطي وصعود اليمين المتطرف مما أتاح ميلاد تحالف بين حزب المحافظين وحزب الحرية (اليمين المتطرف) الذي كان يتزعمه حينها يورغ هايدر.
وقد أصبح هذا الائتلاف في ما بعد غير متحكم فيه قبل أن ينفض في شتنبر 2002، مما استدعى تنظيم انتخابات في 24 نونبر 2002. وبعد أزمة سياسية دامت ثلاث سنوات تأسس مجددا تحالف حكومي يضم حزب المحافظين وحزب الحرية النمساوي في 28 فبراير 2003 لكن مع تغيير ملحوظ هو أن اليمين المتطرف أصبح شريكا مساعدا فقط ولم يعد شريكا على قدم المساواة مع المحافظين كما كان سابقا.
وبعد مرور 17 سنة يوشك هذا السيناريو أن يتكرر مجددا حيث أفادت نتيجة استطلاع للرأي أجري مؤخرا أن الحزب الشعبي لا يزال يتصدر نوايا التصويت مبتعدا بفارق كبير عن منافسيه، حيث حصل الحزب على نحو 33 في المائة من نوايا التصويت، وذلك منذ تعيين الدبلوماسي الشاب والطموح سيباستيان كورز على رأس الحزب في ماي الماضي، يليه حزب الحرية النمساوي والحزب الاشتراكي الديمقراطي في المرتبة الثانية بحوالي 25 في المائة من نوايا التصويت لكل منهما.
لذلك، لا يستبعد سيباستيان كورز الذي كان وراء الدعوة إلى إجراء انتخابات تشريعية مبكرة ويخوض حملته تحت شعار “لائحة سيباستيان كورز – الحزب الشعبي الجديد” ، إمكانية قيادة ائتلاف يضم أقصى اليمين، على غرار ما فعل سلفه وولغانغ سوشل.
ولا يستبعد خبراء السياسة النمساويون حصول هذا الأمر، على اعتبار أن الاشتراكيين الديمقراطيين والمحافظين شاركوا في تحالفات مع حزب الحرية النمساوي على المستوى الوطني ويستمرون في ذلك على المستوى الإقليمي لكون هذا الحزب أصبح جزءا من النظام السياسي النمساوي.
وبالرغم من أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي لم يعبر بشكل صريح عن نيته إقامة ائتلاف مع حزب الحرية، فإن القادة البارزين للحزب لا يعترضون هذا القرار.
ويوجد في طليعة المدافعين عن هذا التحالف غير الطبيعي حاكم بورغنلاند الاشتراكي الديمقراطي، هانز نيسل، الذي يدافع منذ مدة عن فكرة التحالف بين حزبه وحزب الحرية النمساوي في منطقته الواقعة شرق البلاد، وقد بدأ هذه الخطوة سنة 2015، وسانده في ما بعد ميكاييل ريتش الزعيم البارز للحزب في فورارلبرغ (أقصى غرب البلاد) قبل أن تتوسع لائحة الشخصيات المطالبة بالتقارب مع الوطنيين كإيريش فوكلر.
ودعا نيسل مؤخرا حزبه إلى التفاوض دون شروط وعلى قدم المساواة مع حزب الحرية النمساوي وإلا فإن الحكومة المقبلة سيقودها حزب المحافظين والحزب الشعبي. لكن رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي المستشار كريستيان كيرن يعارض في الوقت الحالي هذا التوجه، حيث صرح بأنه “من غير المعقول العمل مع الأحزاب التي تثير الناس ضد الأقليات”، دون الإشارة إلى الأطراف التي يقصدها.
وعلاوة على ذلك، أظهرت نتائج دراسة أجراها معهد (أو جي إم) ونشرت في يوليوز الماضي أن ما يناهز نصف ناخبي حزب المحافظين يؤيدون إقامة ائتلاف حكومي يضم المحافظين واليمين المتطرف، مقابل تأييد 14 في المائة فقط من ناخبي الحزب الاشتراكي الديمقراطي إقامة ائتلاف يجمع بين حزبهم واليمين المتطرف.
ولا يتوانى زعيم حزب الحرية النمساوي كريستيان ستراش في حواراته ومناظراته التلفزيونية في التأكيد على أن التحالف بين الاشتراكيين الديمقراطيين والمحافظين لن يدوم بعد الانتخابات المقبلة، مسجلا أن حزبه سيحصل على نتائج جيدة خلال هذه الانتخابات الحاسمة حيث يلعب على ورقة التهديد الإرهابي و “غزو” المهاجرين المسلمين.
وتهيمن قضيتا الإرهاب والهجرة واللجوء على النقاشات الدائرة في هذه الحملة الانتخابية، مقابل تراجع الحديث عن المسائل المتعلقة بإنعاش التشغيل والصحة والتعليم ومكافحة التهرب الضريبي، وغيرها من الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية المعلقة.
وفي انتظار النتائج التي ستفرزها صناديق الاقتراع يعتقد المحللون أن الاشتراكيين الديمقراطيين، الذين يعانون من أزمة إيديولوجية، سيتكبدون الخسارة في الانتخابات المقبلة، كما هو الشأن بالنسبة لحزب الخضر الذي وضعته استطلاعات الرأي في المراتب الأخيرة نظرا لمعاناته من انقسامات داخلية، فيما يظل المحافظون واليمين المتطرف الأوفر حظا للاستفادة من السياق الانتخابي الحالي.
مثلما كان عليه الحال في السنة الماضية يأتي الدخول السياسي الحالي في النمسا في سياق انتخابي. فخلال أقل من سنة أجريت الانتخابات الرئاسية التي استغرقت عدة أشهر إثر جولات الإعادة قبل أن يفوز بها بصعوبة بالغة مرشح ينتمي إلى حزب الخضر أمام منافس ينتمي إلى أقصى اليمين. واليوم يدعى النمساويون مرة أخرى إلى صناديق الاقتراع للتصويت في الانتخابات التشريعية المبكرة المقررة في 15 أكتوبر المقبل.
التعليقات مغلقة.