أكد أحمد الصلاي، رئيس جمعية الجهوية المتقدمة والحكم الذاتي بجهة الداخلة وادي الذهب، أن النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية أحد أهم الأوراش المهيكلة التي أعطى انطلاقتها الملك محمد السادس، في 7 من نونبر 2015، بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء، وأن هذا المشروع المندمج يشكل خارطة طريق واضحة لتنمية مستدامة بالأقاليم الجنوبية يستمد أسسه من الوثيقة الدستورية لسنة 2011، والتزامات المملكة لتفعيل ورش الجهوية المتقدمة، القائمة على أساس الإشراك الفعلي للساكنة في تدبير شؤونهم بأنفسهم بهدف تحقيق التماسك الاقتصادي والاجتماعي وتيسير ولوج الساكنة إلى الخدمات الاجتماعية والاقتصادية والاستفادة من ثروات المنطقة وتوزيعها بشكل عادل ومنصف.
ورغم المجهودات المبذولة لتنزيل هذا المشروع المجتمعي سواء من طرف الفاعلين المؤسساتيين والشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين وفعاليات المجتمع المدني بالأقاليم الجنوبية، إلا أن حصيلة التفعيل تبقى دون مستوى الطموحات ولا ترقى إلى حجم الاستثمارات التي تم ضخها لإنجاح هذا الورش التنموي الكبير.
وإذا كان الخطاب الملكي الأخير بمناسبة الذكرى العشرين لعيد العرش المجيد قد أماط اللثام عن العديد من الاختلالات التي بصمت النموذج التنموي خلال السنوات الأخيرة، والمتمثلة أساسا في عدم قدرته على تلبية الحاجيات المتزايدة لشرائح واسعة من المواطنين، وعلى الحد من الفوارق الاجتماعية، ومن التفاوتات المجالية، فإن مؤشرات التنمية بالأقاليم الجنوبية باعتبارها جزء لا يتجزأ من هذا الورش الوطني لا زالت متدنية وتواجهها العديد من الإكراهات المتعدة الأبعاد رغم المكتسبات الحقيقية التي راكمتها السياسات العمومية بهذه الأقاليم منذ استرجاعها سنة 1975. أكد الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 20 لعيد العرش المجيد على أن” تجديد النموذج التنموي الوطني، ليس غاية في حد ذاته. وإنما هو مدخل لمرحلة جديدة، ستعرف جيلا جديدا من المشاريع ولكنها ستتطلب أيضا نخبة جديدة من الكفاءات، في مختلف المناصب والمسؤوليات”، وهي إشارة واضحة إلى أن تنزيل النموذج التنموي الجديد يتطلب الانفتاح على نخب جديدة من الكفاءات متشبعة بروح المسؤولية والمواطنة وقادرة على إحداث التغيير المنشود.
ومن هذا المنطلق، يحق لنا طرح التساؤل التالي : ما مدى جاهزية النخب بالأقاليم الجنوبية للانخراط المسؤول في تفعيل النموذج التنموي ومواكبة مختلف الأوراش الإصلاحية المرتبطة به، وماهي الصيغ البديلة لتدبير المرحلة الجديدة وفق مقاربة استباقية قوامها التفاعل الجاد مع انتظارات الساكنة وإشراكها في بناء منظومة اقتصادية جهوية محفزة للنمو وخلق الثروات ومدرة لفرص الشغل ولا سيما بالنسبة لشباب لا يمكن الحديث عن نموذج تنموي ناجح بالأقاليم الجنوبية دون استحضار العنصر البشري باعتباره الرافعة الحقيقية لأي تنمية مندمجة بهذه الأقاليم، ولعل من بين أهم العوامل التي أثرت سلبا على تنزيل البرامج والأوراش التنموية هو ضعف إشراك الساكنة في إعداد وتنفيذ المخططات التنموية الجهوية، بالإضافة إلى تغييب الفاعل المدني كقوة اقتراحية حقيقية قادرة على الترافع عن القضايا الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. فإن هذا النموذج التنموي يريد أن يضرب عصفورين بحجر واحد، فهو من جهة يريد تغيير وجه الأقاليم الجنوبية، ومن جهة أخرى يراهن على عدم جعل مواطني الصحراء رهينة المسار الأممي الجامد، وعزل تنمية المنطقة عن حل النزاع القائم في الإطار الأممي.
وتأتي هذه المبادرة “لتأكد جدية المغرب وإصراره الكبير على تنزيل مضامين مقترح الحكم الذاتي لإنهاء النزاع بالصحراء دونما ارتهان لتبدل مواقف بعض الاطراف الاقليمية والدولية ضمن رؤية متقدمة تستلهم مضامين الدستور الجديد، وتستند إلي توجيهات جلالة الملك خاصة في خطاب 6 نوفمبر الاخير، وإرادة الحكومة والأحزاب ومكونات المجتمع المدني في احداث التغيير الشامل الذي يستجيب لمتطلبات المرحلة .
في اللحظة التي تتحرك فيه الآلة الديبلوماسية لإيجاد حل سياسي ونهائي لمشكلة الصحراء، “فإن آلة التنمية تأبي الا أن تبحث لذاتها عن نموذج متقدم يحقق الإقلاع الاقتصادي لأقاليمنا الجنوبية علي قاعدة ” المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها” ، حتي اذا حانت لحظة الحسم في ملف الصحراء باعتماد الحكم الذاتي تكون المناطق الجنوبية في كامل جهوزيتها لإنجاح هذا الاستحقاق الكبير.
التعليقات مغلقة.