أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

الواحة والتحولات المجتمعية: الانسان، والمجال، والمجتمع محور ندوة عقدت بالريصاني

اِنتهت، مساء الجمعة 27 ماي 2022، أشغال الندوة العلمية الوطنية، التي نظمتها “مؤسسة فكرللتنمية والثقافة والعلوم” بشراكة مع “جمعية جهات المغرب”، وبمشاركة من وزارة الشباب والثقافة والتواصل، ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، وجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، وكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، والوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان، ووكالة التنمية الفلاحية، والتي تداولت في موضوع «الواحة والتحولات المجتمعية: الإنسان والمجال والمجتمع»، بالريصاني، إقليم الراشيدية، التي وقع اختيارها لاحتضان هذه الفعالية الكبرى، بالنظر إلى ما تمثله “الريصاني” من رمزية خاصة لدى المغاربة، لكونها منطلق الدولة العلوية الشريفة، ومهد أجدادها ومؤسِّسيها، وفي مقدمتهم “مولاي علي الشريف”.

وقد قُدِّم خلال هذه الندوة، التي نظمت خلال الفترة الممتدة من 25 مايو 2022 وإلى غاية 27 منه، عدد مهم من الأوراق، من قِبل باحثين قَدِموا إلى المنطقة من مختلف المُدن المغربية، ضمنها وجدة، فاس، مكناس، الراشيدية، تطوان، القنيطرة، الرباط، الدار البيضاء، بني ملال، أكادير، طاطا وغيرها، وقد توزعت المداخلات على ست جلسات، عالجت ستة محاور ذات صلة بموضوع الندوة، لا تكاد تخرج كلها عن ثلاثة كبرى، وهي المجال الواحي، وإنسان الواحة، وتحولات المجتمع الواحي بالمغرب.

 

فقد عرضت مداخلات الجلسة الأولى جملة من التجارب المؤسساتية والرسمية الرائدة في حفظ الواحات وتنميتها؛ فيما سلطت الجلسة الثانية الضوءَ على أهم الإكراهات التي تواجه الواحات بالمغرب، اليوم، (طبيعية، ترابية، سياسية…).

وقد أبرزت الأوراق المقدمة خلال الجلسة الثالثة موارد الواحةِ الطبيعيّة، وعرّجت على عدد من رهاناتها تنمويا وإيكولوجيّا؛ فيما دارت أوراق الجلسة الرابعة على محور «الهجرة والتحولات المجتمعية»، وعرّفت مداخلات الجلسة الخامسة تقديم مجموعة من الممارسات الاجتماعية داخل الفضاء الواحيّ بالمغرب، معرفة بجوانبَ من ثقافته وقِـيَمه؛ فيما انصبّ آخرُ محاور الندوة على الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في المجالات الواحية.

وقد اشتركت مداخلات الباحثات والباحثين في أمرين، أولهما، محاولة تشخيص الواقع الواحي بالمغرب، وإبراز إكراهاته وإشكالاته واختلالاته، دون إغفال الإشارة إلى ما يتسم به هذا الواقع من مميزات ومؤهلات؛ في حين انصب الثاني على تقديم اقتراح بدائل وخطط، وتوصيات رامية إلى الإسهام في تجاوز عدد من تلك الإكراهات والصعوبات على اختلافها.

 

وقد توجت اشغال هاته الندوة الوطنية الهامة موضوعا ومكانا ومشاركين باصدار مجموعة من التوصيات، والتي لها وجاهتها وأهميتها، بالنظر إلى قيمتها وإمكان إسهامها في الارتقاء بوضع الواحة المغربية اليوم، وهي مُجَمَّعَة من مداخلات السادة الباحثين والباحثات، وكذا المسؤولين الذين شاركوا في أولى جلسات التظاهرة.

وقد طالبت التوصيات بإحداث مراكز ثقافية تعنى بقضايا الواحات تاريخا وثقافة ومكونات طبيعية وإيكولوجية.

وثمنت هاته التوصيات جهود الدولة في مجال حفظ الواحات وتنميتها، مع الإقرار بعدم كفايتها، وبالتالي دعوتها إلى بذل مزيد من المجهودات لكي تتبوّأ الواحة المكانة التي تستحقها، وذلك بالنظر إلى أدوارها الكثيرة المهمة، مع الإلحاح على تبني مقاربة تشاركية مندمجة في هذا الإطار، تنفتح على كافة الأطراف التي يمكنها الإسهام في حماية الواحة وتنميتها، بما في ذلك جمعيات المجتمع المدني.

كما دعت الحكومة إلى الإسراع بتوفير الظروف اللازمة من أجل الإعلان عن الواحة تراثًا وطنيًا، مؤكدة على ضرورة الترافع لدى الهيئات الأممية من أجل تسجيل مظاهر من الواحة المغربية ضمن التراث الثقافي العالمي (مثل الخطّارات)، مشددة على ضرورة الحفاظ على خصوصية العمارة الواحية بالمملكة المغربية، داعية إلى ترميم كافة القصور الواحية التي تحتاج إلى ذلك، وكذا السواقي والخطارات الواقعة في سافلة الواحات (الريصاني مثلا)، لما لها من أهمّية واضحة في الحفاظ على المياه السطحية من التبخر…، وتشجير السفوح المُطِلّة على السدود، ولا سيما التلية منها، بالمجالات الواحية، لحمايتها من التعرية والتوحُّل…، وحفظ التراث الثقافي اللامادي للواحات، كالأغنية الزجلية في تافيلالت مثلا.

 

ودعت التوصيات إلى الاهتمام بوضع المرأة المغربية في الواحات، لكونها عنصرا أساسيا داخل الأسرة، تضطلع بأداء عدة أدوار حيوية، ولا سيما في حالات غياب ربّ الأسرة، وهجرته إلى خارج الواحة بحثاً عن شروط حياة أفضل له ولعائلته، وعلى ضرورة النظر للأسرة الممتدة بوصفها مدخلا للتنمية الاجتماعية الحقيقية في الواحات، وتثمين إرْثِها المادي والرمزي الغني.

كما وجهت دعوة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار للإسراع بإنشاء جامعة، بكامل الأوصاف، في جهة درعة تافيلالت، التي يضطر أبناؤها من حاملي شهادة البكالوريا إلى التوجه إلى جامعات أخرى لاستكمال دراساتهم العليا، في الراشيدية ومكناس ومراكش وغيرها (ولْتُسَمَّ مثلا «جامعة مولاي علي الشريف»)؛ والجهات المسؤولة إلى بذل مزيد من الجهود من أجل الحفاظ على الواحة كموروث ثقافي، وإيقاف مسلسل تدهورها، لما لها من دور أساسي في التخفيف من آثار التغيرات المناخية…، ومن أجل تنميتها كذلك؛ والجهات الرسمية إلى تغيير عدد من استراتيجياتها غير الفعالة، واستبدالها بأخرى ذات نجاعة في المجال الواحي.

وركزت التوصيات على ضرورة وضع الواحة في صلب أي مخطط تنموي يستهدف المناطق المُحتضِنة لها خصوصا؛ كجهة درعة تافيلالت مثلا؛ وتطوير الفلاحة وعصرنتُها بالواحات، مع العمل على استدامة التنوع البيولوجي فيها؛ وخلق وحدات صناعية مرتبطة بمنتجات الواحة (كالتمور)، حتى يكون بإمكان فلاّحِي الواحات الإشراف على جميع عمليات الإنتاج والتعليب والحفظ، وتحويلُها جاهزةً إلى الأسواق مباشرة؛ وتشجيع السياحة الواحية بصورة حقيقية، ولا سيما الإيكولوجية/ البيئية؛ والبحث عن بدائل حقيقية لضمان الاستقرار البشري في الواحات، ولمساعدة ساكنتها على مواجهة التحديات التي يطرحها العيش فيها، وعلى التكيف مع التغيرات الحاصلة بها مؤخرا.

وشددت على ضرورة الاستفادة من الاستثمارات والمشاريع والإعانات الموجَّهة إلى الواحات على نحو عادل، مع التركيز أكثر على صغار الفلاحين والحرفيين، وعلى الفئات الأكثر هشاشة؛ داعية إلى بذل مجهود إضافي من أجل الحد من تأثير العوامل الخارجية في المنظومة الثقافية والقيمية بالواحات؛ وتأهيل الترسانة القانونية المتعلقة بالواحات، والعمل على تجاوز الإكراهات والتعقيدات الإدارية التي يصادفها أهالي الواحات أحيانا (كما في استغلال أراضي الجموع، والتصرف فيها)؛والعمل على توفير المورد المائي بالواحة؛ بالتعاون مع مختلف الجهات المعنية مع التحسيس بضرورة الاستغلال المعقلن للموارد المائية (السطحية والباطنية) بعالية الأحواض في المجالات الواحية.

وثمنت التقنيات التقليدية المعتمدة في تدبير الموارد المائية المتوافرة بالواحات، وإدراجها ضمن مخططات تدبير هذه الموارد، ولا سيما في ظل توالي سنوات الجفاف، وقلة الماء بالواحات، مؤكدة على التحلي بالصرامة في تنزيل التشريعات المتعلقة بالماء (في الفضاءات الواحية…)؛ وتعميم ربط الواحات بمصادر طاقية أخرى، كالطاقة الشمسية.

وفي المجال التعليمي وجهت التوصيات دعوة للجامعات الموجودة في جهات الواحات إلى إحداث تخصصات تهُمّ الواحات، وكل قضاياها؛ والاهتمام بالواحات والتراث الواحي على المستوى الأكاديمي، وذلك بتوجيه الطلبة الباحثين إلى إعداد رسائل وأطروحات في هذا الإطار؛ والقيام بدراسات سوسيو اقتصادية للتعريف بمظاهر غنى الواحات، وأهميتها في توفير الأمن الغذائي لساكنتها؛ مثمنة الإحداث الرسمي لعلامة تراث المغرب، بهدف حماية هذا التراث، بكل أشكاله ومجالاته، لأنه يمثل جزءا لا يتجزأ من الثقافة المغربية، التي تمثل خلفية رئيسة وفاعلة لممارسات الإنسان المغربي في علاقته بالمجتمع والتاريخ، انطلاقا من صَرْحها الذي تُشيده المكونات العربية الإسلامية والأمازيغية والصحراوية الحسانية، وتُغْنيه الروافد الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية، والمتجلية في كل مناحي الحياة حكايةً وعمارةً وعاداتٍ وتقاليدَ وتعبيرات شفوية ومكتوبة وغيرَ ذلك من الأنساق الثقافية؛ دون إغفال المهن والحِرَف المرتبطة بالواحات، داعية إلى إعادة الاعتبار لها؛ مؤكدة على ضرورة تنظيم دورات تكوينية في مجالات ذات صلة بالواحة، لضمان استمرارية بعض الصنائع، والحرف التقليدية، والمظاهر الثقافية المهددة بالاختفاء فيها، من قبيل البناء الطيني، والزربية المحلية.

التعليقات مغلقة.