عرفت حملة الرفض المتنامي لغلاء الأسعار في وسائط التواصل الاجتماعي بالمغرب اتساعا وتمددا، لا سيما أنها اتجهت رأسا إلى معضلة تتداخل فيها الثروة بالسلطة، والمصالح الشخصية بالمصالح العامة، ويتعلق الأمر بسوق الغاز التي يملك فيها رئيس الحكومة حصة الأسد، وذلك ما جعل الاحتجاج الصامت على الشبكة العنكبوتية يتخذ منحى سياسيا من خلال المطالبة بمساءلة رئيس الحكومة وتنحّيه، باعتباره طرفا في الاستفادة غير المشروعة من ارتفاع أسعار المحروقات.
الحسين اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز، ورئيس الجبهة الوطنية لإنقاذ “سامير” أكد أن أسعار المحروقات بالمغرب تحلق عاليا، محذرا مما يشكله ذلك من تلاعب بالسلم الاجتماعي.
وأوضح اليماني في تصريح صحافي أنه وبالرجوع لتطبيق العمليات الحسابية في تحديد أسعار بيع المحروقات للعموم، فإنه وخلال النصف الثاني من شهر يناير الجاري، لا يجب أن يتعدى لتر الغازوال 10.83 درهما للتر الغازوال، مقابل 11.52 درهما للتر البنزين.
وأبرز المتحدث أنه و بناء على مستوى الأسعار في السوق الدولية خلال النصف الأول من الشهر الجاري وعلى متوسط صرف الدولار، فإن ثمن وصول لتر الغازوال الى المغرب، لن يتجاوز 6.78 درهما، وثمن لتر البنزين لن يتعدى 5.93 درهما، ولكن بإضافة الضريبة (3.41 للغازوال)، وأرباح الفاعلين (2.83 للغازوال)، يقفز سعر لتر الغازوال إلى حوالي 13 درهما، وسعر البنزين لزهاء 14.40 درهما.
هذا الأمر، حسب اليماني، يعني بأن الأرباح الفاحشة او ما فوق الأرباح التي كانت قبل تحرير الأسعار، تصل الى 2.20 درهما في الغازوال و 2.87 درهما في البنزين، وهو ما سيعطينا إمكانية وصول مجموع الأرباح الفاحشة خلال السنة الجارية، الى أكثر من 10 مليار درهم.
ونبه الفاعل النقابي إلى أن هذا الغلاء يأتي في ظل ما تواجهه البلد من جفاف وتضخم وبطالة، معتبرا أن الوقت حان لمراجعة كل المنظومة المتحكمة في قطاع الطاقة البترولية، بإنفاذ القانون وجعل سلطة الدولة فوق كل السلطات، والتصدي لكل مظاهر الابتزاز واللعب بمقومات السلم الاجتماعي والأمن الطاقي للمغرب.
واعتبر اليماني أنه لم يعد من معنى للاستمرار في السكوت والتجاهل لنداءات إلغاء تحرير أسعار المحروقات وإحياء تكرير البترول بشركة “سامير” ومراجعة الإطار القانوني لقطاع الطاقة بشكل عام ومنه قطاع الطاقة البترولية.
تأميم شركة “سامير” وتدخل الدولة في القطاع
ذلك أن توقف الشركة الوحيدة بالمغرب المختصة بتصفية وتكرير البترول عن العمل، وعدم تدخل الدولة في حل المشكلة أو في القطاع برمته؛ سمح للوبي المحروقات بالهيمنة على سوق التوزيع، أما الضرورة فتقتضي تدخل الدولة في القطاعات التي تمس بشكل أو بآخر الاستقرار المجتمعي، فالمحروقات مجال حيوي ترتبط به جملة من القطاعات، ويتطلب حضور الدولة لضمان التوازن وعدم وقوع المجتمع تحت رحمة الشركات، في سياق اقتصادي تغيب فيه آليات الحكامة وتشوبه شبه الفساد.
ختاما: حينما يكون الفساد حالات فردية، فإن تأثيره يظل معزولا، لكن واقع الحال كما تجلى منذ تحرير قطاع المحروقات، ومع توالي تقارير اللجنة الاستطلاعية ومجلس المنافسة، ثم في السياق الراهن في عدم التناسب بين تحولات سعر الخام على المستوى الدولي وسعر البيع للعموم، مما نتج عنه رفض مجتمعي، فإننا أمام فساد بطابع مركب ومؤسسي، تلحق أضراره الدولة ويشكل تهديدا وجوديا لها، مستفيدا من الفراغ القانوني وآليات الرقابة، بما يقتضي حكم القانون وتفعيل آليات الرقابة والمساءلة. غير ذلك، فإن الدولة/السلطة قد تصبح أداة في يد قلة محتكرة، مما يفرز أزمات تهدد السلم والاستقرار المجتمعي، لذلك ينبغي النظر إلى يقظة المجتمع باعتبارها منبّها لطبيعة الخلل والأزمة، ومن ثم مدخلا للإنقاذ ومصالحة الدولة بالمجتمع، وبصيغة أخرى استعادة الثقة المهدورة.
ويعكس استحضار هذا الجانب، حسب بعض القراءات، انتباها من المؤسسة الملكية في المغرب لمخاطر الاستثمار في سياقات الأزمة، لكن ذلك يبقى في واقع الأمر رهين الخطب على الرغم من أهميتها في المشهد السياسي من حيث إنها تحمل صبغة توجيهية.
التعليقات مغلقة.