تستعد فرنسا لمغادرة النيجر، آخر حليف لها في منطقة الساحل، في أحدث انتكاسة لباريس التي سبق طردها من مالي وبوركينا فاسو، ما أسدل الستار على عقد من التدخل العسكري لمكافحة الجهاديين في المنطقة.
في نهاية مواجهة يتعذر مواصلتها مع النظام العسكري على مدى شهرين، رضخ الرئيس إيمانويل ماكرون أخيرا بإعلانه الأحد عودة السفير إلى باريس وسحب 1500 جندي “بحلول نهاية العام”.
ويأتي هذا الانسحاب القسري بعد مغادرة مالي في غشت 2022 وبوركينا فاسو في فبراير 2023. في الدول الثلاث، طلبت الأنظمة العسكرية التي تسلمت السلطة بعد الانقلابات، من فرنسا الانسحاب معتمدة على الشعور المعادي لها والتحول، كما في مالي، نحو التعاون مع مجموعة فاغنر الروسية.
واعتبر الباحث إيفان غيشاوا، المتخصص في شؤون منطقة الساحل، على موقع إكس (تويتر سابقاً) أن الانسحاب من هذا البلد “يكرس الفشل الذريع لسياسة فرنسا في منطقة الساحل”.
وبحسب العديد من المراقبين، فإن باريس لم تلحظ أو لم ترغب في رؤية التطورات الجارية في المنطقة.
وقال دبلوماسي فرنسي إن ما حدث في “مالي امتد ببطء، كنا نعلم أننا أمام مثل هذا التوجه الواضح. لقد شهدنا هذه الموجة تتنامى منذ سنوات. شعرت فرنسا بأنها تفقد مكانتها، لكنها ظلت في حالة إنكار واستغراب”.
وأضاف “نجد أنفسنا الآن أمام عواقب العسكرة المفرطة في علاقتنا مع إفريقيا، في حين تعصف أزمات أمنية وبيئية ومجتمعية أيضا بمنطقة الساحل”، وهي من أفقر مناطق العالم.
منذ انتخابه لأول مرة، حاول إيمانويل ماكرون تغيير المسار في إفريقيا، وهذا ما تجسد في خطاب واغادوغو في عام 2017، ثم جدد تأكيده في فبراير 2023، عندما حدد الخطوط العريضة لنهج أقل عسكرة يعتمد على العلاقات مع المجتمع المدني و”القوة الناعمة”.
وشدد الأحد على أن “النفوذ الفرنسي في فرنسا ولى”. لكن تناقض مواقف باريس عرضها للانتقادات. وإذ دانت الانقلاب في النيجر، إلا أنها أيدت الانقلاب الأول في مالي عام 2020، وفي العام التالي دعمت تسلم محمد إدريس ديبي إتنو السلطة في تشاد من دون احترام العمليات الدستورية.
وفي نهاية المطاف، تم القبول بالأمر الواقع. ففي النيجر، بقي السفير الذي رفضت باريس استدعاءه معزولاً في السفارة الفرنسية، من دون حصانة دبلوماسية، مع اقتراب مخزون الطعام والماء من النفاد. وفي قاعدة نيامي وفي المواقع المتقدمة في الشمال الغربي النائي في ولام وأيولو، يجري إمداد القوات في “ظروف شبه معقدة”، وفقًا لهيئة الأركان العامة الفرنسية.
وكان من الممكن أن يجد الجنود والطيارون الـ1500 الموجودون في النيجر أنفسهم بدون مهمة، بعد أن ظلت مسيراتهم ومروحياتهم ومقاتلاتهم على الأرض. كما سرعان ما بدت فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، والتي لا تزال تحتفظ بعدة قواعد في إفريقيا، كما في تشاد وساحل العاج والسنغال والغابون وجيبوتي ــ معزولة.
وقد نأى حلفاؤها الغربيون بأنفسهم عن سياسة الحزم التي تنتهجها إزاء النيجر. وذكرت صحيفة وولف كوتيديان السنغالية “مع هذه الانتكاسة الأخيرة، ترى فرنسا أن نفوذها وسلطتها يتضاءلان بشكل كبير في غرب أفريقيا خاصة وفي أفريقيا عموماً”.
وأشار فهيرامان رودريغ كوني، كبير الباحثين في معهد الدراسات الامنية والمتخصص في شؤون الساحل، إلى أن “فرنسا لم تعرف كيف تنسحب في الوقت المناسب وأرادت الاستمرار في لعب دور القائد في سياق تشهد فيه البيئة الاجتماعية تغيراً كبيراً”.
وسيمثل الانسحاب من النيجر تحديا لوجستيا للجيوش الفرنسية إذا تم تنفيذه خلال ثلاثة أشهر، على خلفية تدهور الوضع الأمني في جميع أنحاء منطقة الساحل.
ففي النيجر وحدها، أسفرت نحو عشرة هجمات جهادية عن مقتل أكثر من مئة شخص، نصفهم من المدنيين، منذ الانقلاب.
التعليقات مغلقة.