في ظل العصر الرقمي وتنامي وسائل التواصل الاجتماعي، برز تطبيق “تيك توك” كمنصة ترفيهية تجمع بين الإبداع والحرية الشخصية، ولكنه للأسف أضحى في كثير من الأحيان أداة لهدم القيم والأخلاق، خاصة في المجتمعات التي تحكمها تقاليد عريقة وقيم أسرية متجذرة مثل المجتمع المغربي.
عندما ننظر اليوم إلى ما يحدث على منصات التواصل الاجتماعي، وخاصة تيك توك، نجد أن الأمور تجاوزت حدود الترفيه والإبداع إلى الانحدار الأخلاقي الذي لم يكن متخيلاً قبل سنوات. تيك توك لم يعد مجرد مساحة لنشر مقاطع الفيديو القصيرة، بل أصبح منصة لعرض السلوكيات التي تفتقر إلى الحياء، وتعكس تراجعاً كبيراً في القيم والمبادئ التي كانت تميز المجتمع المغربي.
اختفاء الحياء وغياب التربية
الحياء، تلك القيمة النبيلة التي كانت تاجًا يزين الرجال والنساء في المجتمع المغربي، تلاشت بشكل مقلق. أصبحت الفتيات والشابات وحتى النساء المسنات ينشرن تفاصيل حياتهن بشكل علني، يرقصن، يغنين، ويرتدين ملابس تثير الجدل. هذا الانفتاح المبالغ فيه على الفضاء الرقمي لم يترك للعائلة أي مساحة للحفاظ على خصوصيتها أو كرامتها.
عندما ترى فتاة في مقتبل العمر ترقص أمام ملايين الغرباء بملابس لا تليق بمكانتها أو بمكانة المجتمع الذي تنتمي إليه، يتساءل المرء: أين العائلة؟ أين التربية؟ وأين الدور الذي كان يلعبه الأب والأم في توجيه أبنائهم وحمايتهم من مثل هذه السلوكيات؟
الرجل والرقص على أنغام الانحلال
لم تقتصر هذه الظاهرة على النساء والفتيات، بل طالت الرجال أيضًا. الرجل المغربي، الذي كان رمزاً للشهامة والقوة والتحمل، أصبح اليوم يظهر في مقاطع فيديو وهو يرقص على أنغام موسيقى تافهة، متخلياً عن دوره القيادي في الأسرة والمجتمع. هذا السلوك يطرح تساؤلات جدية حول ما يحدث للرجولة في مجتمعنا، وكيفية استعادة الصورة الحقيقية للرجل المغربي الذي يحافظ على قيمه واحترامه لنفسه ولأسرته.
الأجيال القادمة في مواجهة مستقبل مظلم
عندما تكبر طفلة وهي ترى أمها أو أختها أو حتى جدتها ترقص وتنشر حياتها للعموم، ماذا تتوقع من هذا الجيل؟ إذا كان الرجل يرقص والمرأة تغني والفتيات يرتدين ما يشأن دون حدود، فأي قيم ستُزرع في نفوس الأجيال القادمة؟ إذا استمر هذا التدهور الأخلاقي، فإن المجتمع المغربي سيواجه مستقبلاً أكثر ظلامًا مما يمكن أن نتخيله.الحل لا يكمن فقط في إلقاء اللوم على تيك توك، بل في تحمل المجتمع مسؤوليته. يجب على العائلة أن تعود لدورها الأساسي في توجيه الأبناء وتعزيز القيم والمبادئ. كما يجب أن يكون هناك دور أكبر للمدرسة ولوسائل الإعلام في نشر التوعية حول مخاطر هذه السلوكيات التي تؤدي إلى تدمير النسيج الاجتماعي.
ما يحدث في المجتمع المغربي اليوم من انحدار أخلاقي هو جرس إنذار يجب أن يوقظ الجميع. لا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي ونحن نرى قيمنا تتلاشى وأخلاقنا تموت. إذا أردنا إنقاذ المجتمع، فعلينا أن نبدأ من الآن بإعادة إحياء التربية، تعزيز الوعي، وحماية الأجيال القادمة من الانزلاق في هذا المستنقع. التغيير يبدأ من العائلة، ويمتد ليشمل المدرسة، الإعلام، وحتى السياسات العامة التي تحمي الأخلاق والقيم في المجتمع.
التعليقات مغلقة.