أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

انقدو اطفال الجبال المنسية وامنحوهم فرصة البوح و التألق فهم شموس الغد..

حسناء آيت علي*
البرد يلقي بظلاله مرة أخرى مسدلا الستار عن صيف بهيج و ربيع وارف الظلال… خريف قبل الآوان، أوراق بريئة تتساقط واحدة تلو الأخرى في مد و جزر بين قساوة المناخ و قسوة الطبيعة.

الطيور فقدت برائتها و غدت تغني سمفونيات طفولية حزينة بين أنين و نحيب ،على الزمن المغربي يجود عليها بابتسامة عفوية معناها »كلنا وطن »،تجاعيد الجغرافيا لم تعد تمنح الكلأ للأغنام،لا أن تزود اما لسبعة أبناء، بحطب يتصدق على العظام بدفء مريح يسد الرمق و لو لبرهة قصيرة.

الآن، تحت الجدران، في الحوانيت و في كل فج عميق من هذه البيداء ،لا نقاشات إلا على الدقيق المدعم، »الشعب يريد أغروم »، هكذا تمتمت و ضحكت سخرية من الواقع الوقح الذي يغتال الأحلام الوردية ،إنها فعلا مفارقة كبيرة في مغرب الألفية الثالثة و العهد الجديد، عفوا يا بلد المتناقضات أنا حقا آسف لما آلت و تؤول إليه الأوضاع ».شعب يفكر في الخبز، هاجسه اليومي أن يحصل على كيس آخر من الدقيق المدعم ،الرخيص الثمن، بعدما تكاثر النسل و ازداد عدد الأفواه التي تنتظر رغيف خبز كريم.

نفس الأغنية تغنى كل يوم بل في كل لحظة ،أغنية الألم و العدم ،كيف لا و كل الدواوير لا توفر الشروط الأساسية للعيش الكريم، ما بالك بأن تبنى بنيات إدارية و إجتماعية لدعم سياسة القرب الحقيقية،لا سياسة القرب التي أسمع عنها و أراها في الإعلام ،إعلام للمركز و تهميش للهوامش ،متى جاء الإعلام ليشرك مواهب الجنوب الشرقي و ما جاورهما في مشروع فني وطني و في إطار ما يطلق عليه تلفازنا المخططات الإستراتيجية و ما إلى ذلك من المفاهيم النخبوية من قبيل الحكامة الجيدة أو الرشيدة أو الجديدة، مهما كانت النعوت فالفقراء في المغرب الغير النافع سئموا من سماع تلك الأغنية المنمقة التي لا تنتهي ،بل أن تلك المفاهيم النخبوية أصبح يرددها كل من هب و دب في المجتمع المغربي ،من كثرة البرامج التي تستهدف السياسة السابقة الذكر، لم نعد نستوعب تلك المصطلحات ،سأقولها بتعبير بوزبال ،بين ليا ،دلونا على حصتنا من الكعكة، فساكنة الجبل لم تحضى بشيء من القسمة.

إمنحوا أطفال القرى المنسية فرصة البوح و التألق، فلا الأسرة تقدم يد العون، و من أين للأسرة رصيد الدعم لتقدمه، فاقد الشيء لا يعطيه ،كل أفراد الأسرة في سلة واحدة، الأب سافر إلى »أزغار » لبناء أوراش المغرب الحديث و حفر الآبار لكبار الفلاحين ،الآباء غائبون حتى إشعار آخر ،أقل مدة قد يستغرقها الأباء بعيدين عن أبناءهم ،ثلاثة أشهر، إنهم مرغمون على قضاء وقت كبير في أماكن العمل لأنهم يستقرون طويلا حينما تتاح لهم إمكانية المجيء، إنها حقا حياة روتينية قدر أن يكون الفقر عنوانها العريض. ماذا عن المدرسة؟

المدرسة فوق قمة عالية ،شامخة كالنسر ،يحتاج الطفل للوصول إليها إلى حبال التسلق لمدة تطول و تطول معها مغامرات الطريق المحفوفة بالمخاطر في دوار مرمي تم تأسيسه في إطار سياسة البعد تحت شعار ،الحرمان من أجل التنمية ،عفوا انسقت وراء القلم كدت أخرج على السكة، لنعد الى الأطفال فإنهم نساء و رجال الغد الذي ينتظر منهم الوطن الشيء الكثير ،إنهم آباء و أمهات المستقبل ،هم رجال و نساء الأفق البعيد ،المدرسة لا تقدم لهم الشروط اللازمة لتحقيق الغايات الكبرى التي سطرتموها في الميثاق الوطني للتربية و التكوين ،و أستغل الفرصة لإقتباس إحدى الغايات » توفير الشروط وفتح السبل أمام أطفال المغرب ليصقلوا ملكاتهم, ويكونون متفتحين مؤهلين وقادرين على التعلم مدى الحياة »،فأين أطفال الجبل من هذه الشعارات، هل يأخذون جغرافية منشأه بعين الإعتبار في مخططاتهم الإستراتيجية، ماذا عن احتياجات هؤلاء الأطفال و معاناتهم اليومية المريرة ،هل قمنا بدراسة سوسيولوجية بين ثنايا هذه الجبال العميقة لنعلم ما يملكونه حتى لا نقول ما ينقصهم ،و إلا فأين رواد السوسيولوجية القروية و معهم أولياء أمورنا من سلطات محلية و غير محلية لنخرج بأقل الخسائر و نجد مقاربة تنموية جريئة تتماشى و خصوصيات مواطن الجبال، إنهم أيضا مواطنون، فمتى تنتهي بيروقراطية الموطن من الدرجة الأولى و مواطن من الدرجة الثانية فالثالثة، فالدنيا، أكل المواطنون يساهمون بالضرائب المباشرة و الغير المباشرة,؟

ربما نعم ،و كلهم أيضا يستحقون أكثر من إلتفاتة، يستحقون أن تعبد الطرق و تبنى فصول الدراسة و مرافق الترفيه بل أكثر و أهم من ذلك يحتاجون إلى تغطية صحية و موازاة معها تغطية خبزية، أليس من العيب أن لا يعرف المستوصف إلا المواليد الجدد الذي ترافقهم أمهاتهم للتلقيح ضد الكزار أو السعال الديكي ، بل هناك من الأسر من لا يبالي بأمر اللقاح لسبب أو لآخر ،تعددت الأسباب و الموت البطيء يزحف نحو المنسيون ،لسان الحال يقول أيضا »إلى متى ستستعيد قرانا ألقها و ننال قسطنا من الكعكة »،إنه في الحقيقة:
نداء إمرأة تسللت الشيخوخة إليها في ربيع العمر،
نداء رجل أثقلت الأعباء اليومية كاهله و يتطلع للثريا لا الثرى،
نداء شاب يصارع الريح في ميدان البطالة الباطلة،
نداء طفل يرنو لرسم شلالات و شجيرات و نجوم الأمل تتلألأ في سماء البراءة.

إنه نداء استغاثة ،أراد أن يكون من خلال هذه الكلمات رسالة لكل الأحرار لينصب تذكارا للأمل ،و غدا مشرقا أمام هذه الطفولة التي تفقد آخر أزهارها في انتظار أن تلفظ الأنفاس بشكل تام و نهائي، فلا ينفع الندم بعد فوات الآوان، لأننا سنكون قد خنا أمانة جليلة ، والتي من الأجدر أن تنقش بحروف من ذهب في الآذهان و الأفعال…هذه الأمانة هي الإنسان، فأي كنز أغلى من الإنسان؟
هذا نداء لكل القلوب التي لا تزال تنبض حيوية، إنقدو مواطن المغرب الدفين حتى لا أقول العميق،تجاوز العمق و تخطاه، إنقذو أطفال الجبال،هم أطفال الحجارة،و أطفال البؤس و القحط ، أطفالا هم شموس الغد…

التعليقات مغلقة.