بات تبني الرئيس الأمريكي جو بايدن نهجا منافسا للصين شبه واضح بعد الاتفاق العسكري المعلن بين الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة في المحيطين الهندي والهادئ، والذي يعتبره كثيرون “طعنة في الظهر” بالنسبة لبعض حلفاء واشنطن مثل فرنسا. ويشكل هذا التوجه حسب الباحث الفرنسي بنجامان حداد “نوعا من الاستمرارية” مع شعار “أمريكا أولا” الذي رفعه عاليا الرئيس السابق دونالد ترامب.
تبدو مواجهة الصين، على ضوء إبرام واشنطن شراكة عسكرية مع لندن وكانبيرا في المحيطين الهندي والهادئ، على رأس أوليات الرئيس جو بايدن الذي يخط ببرودة مساره في هذا الإطار حتى لو أسفر عن أضرار جانبية مع بعض حلفاء الولايات المتحدة.
وتأتي محاولة بايدن لجم طموحات بكين المتعاظمة على حساب باريس التي تجد نفسها مستبعدة، خاصة وأنها خسرت صفقة ضخمة تشمل غواصات كانت بصدد بيعها لكانبيرا. فقد أكد بنجامان حداد، وهو باحث فرنسي بمعهد “أتلانتيك كاونسل” يقيم في الولايات المتحدة، أن “المنافسة مع الصين تحظى بالأولوية، أما ما تبقى فمجرد تفاصيل”.
واشنطن ترى بكين على أنها “التحدي الجيوسياسي الأكبر في القرن الحادي والعشرين”
ويشكل هذا التوجه، حسب الباحث، “نوعا من الاستمرارية” مع شعار “أمريكا أولا” الذي رفعه عاليا الرئيس السابق دونالد ترامب في الجوهر، فضلا عن أنه “إمعان في نهج متفرد نسبيا”. فقد اعتمد جو بايدن نفس الحزم الذي أبداه سلفه الجمهوري حيال العملاق الآسيوي، والذي وصفه وزير الخارجية أنتوني بلينكن بأنه “التحدي الجيوسياسي الأكبر في القرن الحادي والعشرين”.
وكان بايدن في بداية ولايته الرئاسية في يناير/كانون الثاني 2021 شدد لدى حلفائه على “عودة الولايات المتحدة” إلى الدبلوماسية الدولية المتعددة الأطراف، ساعيا إلى طي صفحة حقبة دونالد ترامب التي تميزت أساسا بنهج متفرد وسيادي.
وقدم ضمانات مع بادرات كثيرة باتجاه الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي والعزم المعلن لبناء جبهة مشتركة مناهضة للصين عبر الأطلسي.
إلا أن الانسحاب من أفغانستان أظهر محدودية هذا المسعى. فرغم المشاورات التي أجريت حول هذه المسألة الحساسة لم يخف الكثير من الحلفاء الأوروبيين على رأسهم الألمان والبريطانيون امتعاضهم من سياسة الأمر الواقع التي فرضتها الولايات المتحدة.
بايدن: “نحن منخرطون في منافسة حيوية مع الصين”
وهو الأمر الذي أكده بايدن غداة انسحاب آخر جندي أمريكي من أفغانستان، قائلا إن “العالم يتغير ونحن منخرطون في منافسة حيوية مع الصين”. فحتى على صعيد السياسة الداخلية يبرر خططه الهائلة للاستثمار الاقتصادي بضرورة الوقوف بقوة في وجه الصين.
ومن منظار واشنطن لا يتناقض التحالف في المحيطين الهندي والهادئ بالضرورة مع النهج متعدد الأطراف الذي روج له جو بايدن. وبحسب مدير الدراسات الآسيوية في مؤسسة “هريتدج” المحافظة والتر لومان، فإن هذا التحالف “يركز على الأهمية التي تولى للتحالفات والشراكات”. واعتبر أن مواجهة “التحدي الصيني” تحتاج “إلى كل الإرادات الطيبة”.
فبنظر والتر لومان، يشكل تزويد أستراليا غواصات تعمل بالدفع النووي قادرة على الإفلات بسهولة أكبر من رقابة بكين، “تطورا بغاية الأهمية” يبرر الطعنة الصغيرة الموجهة إلى العلاقة الفرنسية-الأمريكية. وقال: “في نهاية المطاف الفرنسيون لديهم خبرة ويدركون كيف تحصل صفقات بيع الأسلحة أكثر من غيرهم. وسيتجاوزون هذا الأمر”، مضيفا: “لكن من المهم الاحتفاظ بدور مستقبلي لفرنسا في استراتيجية الولايات المتحدة في تلك المنطقة، بشكل مواز ربما”.
إدارة بايدن ستعطي الأولوية “لتحالفات متقلبة وفقا لمصالحها”؟
من جانبه، حذر الباحث الفرنسي بمعهد “أتلانتيك كاونسل” بنجامان حداد من أن إدارة بايدن ستعطي الأولوية “لتحالفات متقلبة وفقا لمصالحها” لكنه تخوف من أن تتراجع “أوروبا أكثر فأكثر عن صدارة الاهتمام”.
فرغم أصوله الإيرلندية وتأييده للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، إلا أن الرئيس الأمريكي يميل أكثر من أي وقت مضى لتكريس “التحول” باتجاه آسيا الذي باشره قبل نحو عقد من الزمن الديمقراطي باراك أوباما (2009-2017) الذي كان بايدن نائبا له.
المصدر فرنس 24
التعليقات مغلقة.