المحمدية -محمد أكيام
يجمع عدد مهم من المهتمين بالمجال، أن الفضل يرجع لأول وزيرة ثقافة، اشتغلت بشكل تشاركي مع التنظيمات النقابية الفنية، وأولت اهتماما خاصا للوضعية الاجتماعية للفنانين من خلال التفكير في منحهم “بطاقة” تمكنهم من الظفر على الأقل بمكانة مجتمعية اعتبارية، إضافة إلى إمكانية استفادتهم من مجموعة من الامتيازات التي قد تصاحبها ؛ إلى الوزيرة الفنانة “ثريا جبران” رحمها الله التي تقلدت منصب وزيرة الثقافة بين سنتي 2007 و2009. إلى أن تم تقنين مرافعات التنظيمات الاجتماعية والمجهودات القطاعية بإصدار مرسوم رقم 2.17.567 في 25 أكتوبر 2017، الذي حدد شروط وآليات ومعايير منح وسحب “البطاقة المهنية للفنان” و”البطاقة المهنية لتقنيي وإداريي الأعمال الفنية”، استنادا على القانون 68.16 المتعلق بالفنان والمهن الفنية. الذي منح للسلطة الحكومية المكلفة بالثقافة الحق في منح بطاقة مهنية تسمى “بطاقة الفنان” لمن يطلبها من الأشخاص الذاتيين الذين يمارسون مهنة من المهن الفنية. هذا النص القانوني الذي كان يطبعه في البدء طابع الشمولية، سرعان ما شابه مجموعة من العيوب خاصة عند تنزيله وتفعيله مع الفئات المستهدفة من “البطاقة المهنية للفنان”. ومن خلال هذا المقال، سوف نحاول أن نعرج على بعض من فصوله من خلال ثلاث مستويات، مع وضعها في سياق التجربة السابقة التي كانت على أرض الواقع.
أولا على مستوى الوثائق المطلوبة، تنص المادة الرابعة من المرسوم على أنه “تحدد الوثائق المطلوبة لتقديم ملف طلب بطاقة الفنان وكذا طلب تجديديها بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالثقافة”، بمعنى أن القطاع هو المخول له تحديد الوثائق وليس المرسوم. فإذا قمنا بقراءة متأنية للوثائق المطلوبة لإيداع ملفات طلب الحصول على البطاقة ابتداء من 15 مارس 2021 (وفق الموقع الالكتروني الرسمي للقطاع)، سنجد أنه مطلوب من المترشح أن يقوم بجرد للأعمال الإبداعية الاحترافية المنجزة خلال الثلاث سنوات الأخيرة، وتعزيزها بشواهد العمل والعقود المبرمة مع المؤسسات والشركات والفرق المنتجة.
هذا الإجراء ينتابه عيبان، العيب الأول متعلق بأن السنوات الثلاث لإثبات العمل الإبداعي قبل 2021، تخص سنوات جائحة كورونا التي عرفت تجميد الأنشطة الثقافية والفنية. والعيب الثاني المتمثل في الإدلاء بشواهد العمل والعقود والتي بدورها شبه منعدمة عند معظم الفنانات والفنانين لأن أرباب المؤسسات التي يشغلونهم يرفضون التعاقد معهم، فيكون الخيار أمامهم إما القبول بالشغل دون وثيقة أو تغيير الفنان بفنان آخر. إضافة إلى أن طبيعة بعض العقود لا تدرج جميع الفنانين المشاركين في العمل الفني (مثال: عقد اشتغال فنان موسيقي بمهرجان يتم عقده بين إدارة المهرجان ووكيل أعمال الفنان مع ذكر اسم الفنان المغني، وليس شرطا أن يتم تدوين جميع أفراد الفرقة الموسيقية. مما يجعل الفنان الموسيقي ليست له وثيقة للإدلاء بها أمام هذه اللجنة).
ثانيا على مستوى الامتداد، حيث تتحدث المادتان الخامسة والسادسة من نفس المرسوم أنه يتم إحداث لدى السلطة الحكومية المكلفة بالثقافة، لجنة اسمها “لجنة البطاقة الفنية” تتولى دراسة الطلبات المتعلقة بنيل بطاقة الفنان والبث في منحها أو سحبها عند الاقتضاء. وأن هذه اللجنة تتكون من ممثلي السلطة الحكومية المكلفة بالثقافة والاتصال والمغاربة المقيمين بالخارج، مع تمثيلية لفعاليات بتشاور مع المنظمات المهنية العاملة في المجالات الفنية، ويمكن الاستعانة بخبرات متخصصة في كل مجال. إضافة إلى مقرر وكاتب اللجنة. لكن ما يعاب عليها، أن هذه اللجنة ذات طابع مركزي في الوقت الذي تتبنى فيه البلاد الجهوية المتقدمة وما تمنحه من أدوار للفاعل المحلي في اتخاذ القرار. فالتوجه اللامركزي قد غذا شرطا أساسيا لكل للتنمية الشاملة، ومظهرا من مظاهر الفعالية والديمقراطية. عكس المركزية التي تحتكر السلطات والإمكانيات. وبشكل عملي، فعامل القرب له دور أساسي في تعرف أعضاء اللجن الجهوية على واضعي الطلبات إضافة إلى الاستعانة بالأجهزة الإدارية إقليميا ومحليا التابعة للجهة من إجراء تحريات وتدقيقات فيما كان صاحب الطلب يستحق البطاقة أم لا. ورغم ما يزخر به المركز من طاقات ثقافية وفنية لها وزنها على الصعيد الوطني والمشهود لها بالكفاءة والفعالية خلال الولاية السابقة إذ ساهموا في إرساء قواعد تقنين المشهد الفني وأنصفوا العديد من الفنانات والفنانين الذين كانوا يحسون بالغبن والإحباط من اعتراف القطاع بعطاءاتهم. إلا أن جهات المملكة لا تستحق أن تلعب فقط دور مكتب للضبط، بل لها من المؤهلات الإدارية والفنية والاجتماعية والمهنية وغيرها، ما يجعلها هيئة تقريرية يمكن أن تستقبل الطلبات وتدرسها ثم تصدر قرار الموافقة على الطلب أو رفضه. ويبقى دور اللجنة المركزية منحصرا في التأكد من محاضر اللجن الجهوية، وإصدار البطاقات وفق تسلسل وطني موحد، ثم البث في الطعون أو النزاعات التي قد تتسبب أثناء هذه الممارسة.
ثالثا على مستوى إعلان نتائج اللجنة، فتنص المادة العاشرة من نفس المرسوم، على أن اللجنة تقوم بتعليل كل قرار برفض منح البطاقة أو سحبها، وتوجهه كتابيا إلى المعني بالأمر عند طلبه داخل أجل شهرين. لكن في واقع الأمر، فإن معظم الفنانات والفنانين الذين يتم رفض ملفاتهم، لا يتوصلون بأي كتاب يقدم لهم شروحات حول سبب الرفض حتى يتمكنوا من الاستفادة منه خلال إيداع آخر. قد يفسر البعض أن العدد كبير للملفات التي لا يتم قبولها، مما يصعب عملية تعليل القرار للأعضاء اللجنة بالنسبة لكل مترشح على حدا، لكن أليس ممكنا تسطير جدول يضم خانة تضم أسماء المتقدمين بطلب البطاقة والذين تم رفض ملفاتهم، وخانة أخرى تلخص تعليل القرار بالرفض؟ على أن يتم نشره بالموقع الالكتروني الرسمي للقطاع و/أو تعليقه بالمديريات الجهوية للثقافة حسب الجهة التي ينتمي لها المترشح. كما تبرز المادة الثالثة عشر أن اللجنة تقوم بدراسة الملفات المعروضة عليها والبث فيها داخل أجل أقصاء ثلاثة أشهر. وتعلن عن نتائج أشغالها فور انتهائها. طبعا، كل متتبع للموضوع يعرف أن أجل البث في الطلبات قد يستغرق سنة أو ما يزيد. أعتقد أن هذا راجع لكثرة الملفات المقدمة أمام لجنة محدودة العدد أو ضياع بعض الملفات حيث يضطر بعض المشرفين على العملية بطلب المترشح لإعادة إيداع ملف الترشيح رغم توفره على وصل إيداع من لدن مكتب الضبط.
قد أصبح لبطاقة الفنان العديد من الامتيازات كتقديم تخفيضات ببعض الخدمات، وإمكانية التسجيل بالتعاضدية الوطنية للفنانين، إضافة إلى الاستفادة من الحقوق المجاورة بالمكتب المغربي لحقوق المؤلفين، وإمكانية الاستفادة من طلبات دعم العروض الفنية، وغيرها. لكن هذا التضارب بين التشريع والممارسة قد يساهم في عرقلة عملية تبطيق الفنانات والفنانين مع الاستفادة من الخدمات التي قد يستفيد منها الفنان عبر هذه البطاقة.
التعليقات مغلقة.