بقلم : مصطفى الفن
مرت الآن أكثر من ثلاث سنوات على الإعفاء الملكي ل “محمد بوسعيد” من منصبه كوزير للاقتصاد والمالية في حكومة “العثماني” .
و إذا كان صحيحا أن بلاغ الديوان الملكي الذي نزل حينها بخبر الإعفاء ، لم يعط أي تعليل تفصيلي لهذا القرار ..
لكن علينا ألا ننسى أن البلاغ نفسه تحدث وقتها عما هو أهم من ذلك ، و هو أن قرار الإعفاء جاء تفعيلا لمبدأ دستوري يربط المسؤولية بالمحاسبة .
و هذا كلام صريح ، و لا يتضمن من التأويل إلا وجها واحدا وهو “الإدانة” بالمعنى الأخلاقي والسياسي أيضا..
شخصيا ، كنت أعتقد أن بلاغ الديوان الملكي في واقعة إعفاء “بوسعيد” سيكون له ما بعده ، بمعنى أن الأمر لن يقف عند حد قرار الإعفاء ، و إنما سيمتد ليشمل ربما حتى إمكانية المحاسبة على شكل مسطرة قضائية . لكن لا شيء من هذا وقع ، كما لو أن هناك جهة ما “تثاقل” إلى الأرض لتعسير مهام الجهات العليا.
بل إن العكس هو الذي حصل لأن “بوسعيد” ، الذي خرج “مذموما” بالأمس من البوابة الحكومية بقرار ملكي، ها هو يعود اليوم من نافذة حزب “الأحرار” أكثر قوة و نفوذا بقرار من “عزيز أخنوش” .
الواقع أن “بوسعيد” اليوم هو أكبر من مسؤول أو قيادي في حزب أسندت إليه مهمة ترأس و تشكيل الحكومة المقبلة ، فبوسعيد اليوم أقرب إلى مهندس التحالفات و التوافقات بجهة الدار البيضاء .. و لا خلاف في أن الرجل هو اليوم جزء من “لوبي” بأذرع كثيرة .. ، و هو الذي يحدد من ينبغي أن يكون في التسيير ، و من ينبغي أن يكون في المعارضة حتى لا نقول شيئا آخر ، و لا بأس أن أذكر أيضا بأن تفاصيل قضية إعفاء “بوسعيد” ، لا زالت ، إلى حد الآن، في طي الكتمان ، و لم تتسرب حول خلفياتها أي معلومة دقيقة …
فكل ما صدر ، منذ ذلك الوقت و إلى حدود هذه اللحظة، حول هذا الإعفاء يبقى مجرد “تخمينات” تتكامل فيما بينها.. لكنها “تخمينات” قد لا تصمد “ربما” أمام الحقائق التي أريد لها أن تظل محاطة بالكثير من السرية .
و أنا أذكر بكل هذا لأن الملك لم يعف وقتها وزيرا عاديا على رأس قطاع عادي ، كما أنه لم يعف وقتها قياديا في حزب إداري اسمه التجمع الوطني للأحرار فقط .. ، بل إنه أعفى وقتها وزير مالية المغرب في ظرفية حساسة كانت تتطلب التعجيل بتعويضه في أقرب وقت لإعداد قانون مالية للسنة الموالية … بل إن جلالته أعفى وقتها وزيرا شبه محسوب على “دار المخزن” ، و واحدا من خدام الدولة ، الذين اشتغلت بهم “آلة التحكم” في مواجهة الفاعل السياسي الإسلامي .
إذن من الضروري أن نعود لطرح هذا السؤال ولو بأثر رجعي: لماذا أعفي “بوسعيد” وقتها ؟ و ما الذي اقترفته يداه حتى استحق هذا الإعفاء ؟
الراجح عندي أن “بوسعيد” أعفي ليس كوزير ، و لكن كشخص في “ملف محدد” كانت له ربما ارتدادات في أكثر من اتجاه . صحيح أن كل هذا أصبح اليوم جزءا من الماضي ، لكن ما الذي تغير أو وقع حتى أصبح “بوسعيد” اليوم جزءا من الحاضر ، و من الواجهة رغم أن السيد هو ربما شبه مكبل بماضيه حتى عندما كان واليا للدار البيضاء؟
التعليقات مغلقة.