بعد عقدين من انطلاقها الكلية متعددة التخصصات بتازة: لاشيء يُذكر
عبد الإله بسكًمار
إلى حدود سنة 2003 ظلت تازة تفتقر إلى أي مؤسسة جامعية تحضن طلبتها وحاملي الباكلوريا على وجه العموم، فقد كان أبناء إقليم تازة يتجهون في دراساتهم الجامعية والعليا ولسنوات طويلة إلى جامعة محمد بن عبد الله بفاس، منذ أواسط ونهاية ستينيات القرن الماضي، وانطلاقا من سنة 1978 بدأ أكثر حاملي الباكلوريا يتوجه نحو جامعة “محمد الأول” بوجدة، مما ضاعف من متاعب التنقل والإقامة والدراسة جميعا، مقارنة بجامعة فاس، الشيء الذي أدى بدوره إلى التفكير في إيجاد نواة جامعية بتازة، تناسب حجمها الترابي والسكاني والتاريخي، وكان من اللازم إقامة تلك النواة خلال سبعينيات القرن الماضي، بسبب العامل الذي ذكرنا، إذ بدأت فكرة تلك النواة تتبلور عبرالمنتديات العلمية والتوصيات والأنشطة الثقافية المختلفة ومن خلال المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية وعلى الصعيد ” الأهلي“، ولم تخرج ذات الفكرة إلى حيز التنفيذ إلا سنة 2003 في سياق تولي حكومة التناوب مع مجلس جماعي يتساوق وتوجهاتها العامة، وعلى هذا النحو أصبحت تازة مدينة ” جامعية ” فعلا ولكن السؤال الأساس، هل لبت تلك النواة الجامعية أفق انتظار الساكنة، أو على الأقل الحد الأدنى منه، بعد مرور كل تلك السنين؟.
لقد مضت ما يناهز عشرين سنة بالتمام والكمال على انطلاق الكلية متعددة التخصصات بتازة والتابعة لجامعة محمد بن عبد الله بفاس، ويحق لأي مهتم أو مواطن تازي ومغربي على وجه العموم أن يتساءل : ماهي المكتسبات التي حققتها المؤسسة الجامعية والحالة هذه أنها لم تعد فتية في جميع الأحوال، سواء على المستوى المحلي أو الجهوي أو الوطني ؟ لماذا تعثرت الكلية وأدت أدوارا باهتة لحد الآن ؟. حين تأسست النواة الجامعية بتازة سنة 2003 في عهد حكومة اليوسفي رحمه الله وكانت تسمى وقتذاك ” المركز الجامعي بتازة ” قبل أن تتحول إلى”كلية متعددة التخصصات” سنة 2005 عُلقت عليها الكثير من الآمال، بعد الجهود الجبارة، التي بذلت لهذه الغاية ونذكر من بينها كنماذج فقط، حجم المال العام الذي اُنفق سواء في الدراسات، أو على صعيد الإنجاز والذي فاق ثلاثمائة وخمسين مليون سنتيم، كما نذكر تخصيص المجلس الجماعي وقتذاك، وكان تحت رئاسة السيد عبد الجليل بوقطاسة قطعة أرضية بميدان رمي الحمامشرق مدينة تازة، على الطريق الوطنية رقم 06 الرابطة بين وجدة وفاس عبر تازة، تبلغ مساحتها ثمانية هكتارات، بغض النظر عن طبيعتها التي يمكن مناقشتها في سياق آخر، وكأن المجلس الجماعي خلال هذه الفترة قد استبق الأحداث – عن قصد أو غير قصد – فتم تفويت فرصة التهام هذه القطعة الأرضية من طرف مافيا العقار، التي تغولت واستأسدت فيما بعد كما هو معروف عند الجميع، وكان من الممكن أن تسطو عليها بكل الطرق والحيل والوسائل وتحولها إلى عمارات إسمنتية، لولا مبادرة المجلس آنذاك والتي أتت كما قلنا في وقتها.
من الآمال التي كانت معلقة على الكلية متعددة التخصصات، إنعاش الحركة الاقتصادية والاجتماعية، على مستوى تازة أو في الأقل، على صعيد محاور بير أنزران والقدس والمسيرة، وذلك بخلق مناصب شغل سواء داخل الكلية أو حولها من مطاعم ومحلات إقامة وكراء ووجبات سريعة ومكتبات وغيرها، ولقد كتبنا في الصحافة الوطنية والمحلية وقتذاك معرفين بالمشروع وآفاقه الواعدة، بالنسبة لمدينة تازة وإقليمها وأيضا على المستوى الجهوي الموسوم في تلك المرحلة، أي جهة تازة- الحسيمة – تاونات، لكن أفق انتظارنا جميعا سرعان ما ارتد وخاب، بسبب الواقع المرير وبعد مرور عقيدين من الزمن على خروجه إلى النور.
قلت: بغض النظرعما يثيره البعض حول الدوافع الأمنية لتأسيس الكليات متعددة التخصصات على وجه العموم، نؤكد أنه حين ظهرت هذه المنشأة الجامعية بتازة، كانت آمال المتتبعين والمهتمين والغيورين كبيرة، أن تُنَشِّط لا البعد الثقافي والمعرفي والعلمي فقط، من بحث وتشجيع على الاكتشاف والإبداع والإنتاج الخلاق، وربط التكوين بسوق الشغل، بل أيضا تفعيل الشعار الرسمي ” انفتاح الجامعة على محيطها ” عبرالميدان الملموس والامتداد المتشعب للواقع، عن طريق توجيه البحوث والدراسات نحو المجال المحلي، وخلق مسالك موازية للأنشطة الاقتصادية والاجتماعية بالمنطقة، كالاستغوار والفلاحة والسياحة الجبلية ودراسة الآثار والمعالم التاريخية والتعمق في الرأسمال الرمزي لهذا الإقليم، وهو الذي يتسم بالتعدد والخصب والتنوع ومن ثمة، تسجيل إشعاع معتبر، جهويا ووطنيا، عربيا ودوليا، ومعه التسويق الترابي للإقليم، بهدف تحريك عجلة التنمية الاقتصادية والثقافية والسياحية بالمنطقة، غير أنه وبكل أسف ولوعة لم تتحقق أكثر تلك الآمال، لا بل أصبحت هذه المؤسسة الجامعية مع مرور الوقت بمثابة نبتة غريبة عن المدينة وإقليمها، يعزز ذلك أن أغلب أطرها من خارج الإقليم ولا يكلف بعضهم نفسه حتى الإقامة لبضعة أيام بالمدينة، وهو أمر يبعث على الأسى والأسف.
نقول هذا دون أي شوفينية محدودة الأفق أو نزعة إقليمية ضيقة، فجميعنا مغاربة ولله الحمد ولكن الغيرة على المنطقة والأمل في وضعٍ أفضل أولا وأخيرا، كلها عوامل تدفعنا إلى الإقرار بحقيقة تلك ” الغربة “، كما أثرهذا الوضع المعني أي عدم استقرار الأطر بشكل سلبي بليغ على التحصيل والزمن الجامعيين، مما يطرح سؤال التدبيرين الإداري والتعليمي بكل إلحاح.
نعم هناك عشرة مسالك متاحة أمام الطلبة، (عددهم يصل إلى 8000 طالب وطالبة) المقيمين والوافدين من جميع أنحاء الإقليم، سواء على مستوى التخصصات المفتوحة أوالعلوم الحقة معا، كما تشمل الإجازات المهنية ثلاثة تخصصات هي: علوم التغذيةS. des alimaents، علوم الماء Sciences de L’eau ثم العلوم البيودوائية والصيدلية Sciences biomédicales et pharmaceutiques ، وتضم شهادة الماستر: الجغرافية والحكامة الترابية علاوة على ”استراتيجية صنع القرار” وماستر” علاقات المغرب بالمشرق خلال العصرين الحديث والمعاصر”، وأخيرا ماستر”المعاملات العقارية“، هذا إضافة طبعا إلى شهادات الإجازة، التي تمنحها الكلية في التخصصات العشرة المعنية، وهذه المسالك والشعب والتوجهات لا تخرج في نهاية المطاف عن الصيرورة العادية للدروس وعبر نظام الوحدات والمجزوءات، وهو من صميم عمل الجامعة ولا نتحدث هنا عن الأنشطة الإشعاعية أو تلك المتعلقة بالبحث العلمي، سواء منه المتعلق بالمختبرات والمباحث الدقيقة أو البحوث والأطاريح الأكاديمية، هذا البعد الأخير هو الكفيل بتصنيف الكلية أو الجامعة وطنيا وعلى المستوى العربي أو الدولي، لأنه أصبح مع مرور الوقت بمثابة المعيار الحاسم في قيمة وجودة ما تقدمه المؤسسة الجامعية لطلبتها ولمحيطها ككل.
إذا استثنينا بعض المواعد العلمية التي يُطرح أكثر من سؤال حول قيمتها وأهدافها، كالندوات واللقاءات وبعض الأيام الدراسية القليلة، نلحظ مع ذلك وبكل مرارة أن تلك المواعد تتم عبر حلقية ضيقة من الأساتذة والباحثين، دون الانفتاح حتى على من مروا بها أو من خارجها، أو على جهات أخرى كالمؤسسات والإطارات ذات الاهتمام المشترك فيما يخص البحث العلمي والأكاديمي بمختلف تخصصاته، لأن المدينة لا تعدم مثل هؤلاء الباحثين المنتجين لا سيما في التاريخ والتراث والرأسمال اللامادي لإقليم تازة، ولثقافة القرب هنا أهمية بالغة كما لا يخفى، فتلك المواعد العلمية اقتصرت غالبا على بعض أساتذة وأطر الكلية وأحيانا قليلة، يتم الانفتاح على أطر وطنية لا نشك في كفاءاتها وعطاءاتها، وكان هذا خلال بداية الألفية الثالثة بالخصوص، ونشير هنا إلى ”مجلة الكلية” والتي صدرت في طبعات لا تصل إلى مستوى باقي المجلات المعروفة، وعبر أعداد تصنف على رؤوس الأصابع وهي أيضا ينسحب عليها سؤال القيمة والمستوى العام، ومدى جودة المنتوج المقدم للقراء والمهتمين، إذا استثنينا كل ذلك، نلاحظ جمودا شبه تام لأنشطة البحث العلمي خاصة خارج الكلية المعنية وهو منحى هام وبشكل أساسي بالنسبة لجميع المؤسسات الجامعية على الصعيد الدولي، إذ ليس دور الكلية أو الجامعة كما لا يخفى مقتصرا على تقديم الدروس والمحاضرات الروتينية اليومية والمعتادة ومعها الاختبارات والأشغال المختلفة، بل لا بد أن يتعداه إلى تفاعل الجامعة مع محيطها عن طريق الأنشطة الإشعاعية المختلفة ومعها فعاليات البحث العلمي، بما يواكبه من إنتاج وابتكار ونتيجة لكل ذلك، لم تستطع كلية تازة أن تحقق الحد الأدنى بهدف تحويلها إلى مركب جامعي مستقل عن الحاضنة الأصل أي جامعة “محمد بن عبد الله” بفاس، على غرار جامعتي بني ملال أو القنيطرة مثلا، وفي الوقت الذي ارتبطت كليات وجامعات معينة في المغرب بأسماء مضيئة ساهمت في تقدم الفكر والثقافة والعلم ببلدنا ك”عباس الجيراري” و”خالد بن الصغير” بجامعة “محمد الخامس” بالرباط و”محمد السرغيني” و”حميد الحمداني” و”عبد الرحمان طنكول” بالنسبة لجامعة “محمد بن عبد الله” بفاس، و”عبد العزيز بالفايدة” بجامعة “ابن طفيل” في القنيطرة على سبيل النماذج لا الحصر، نجد كلية تازة خلوا تماما من مثل تلك العلامات بكل أسف مرة أخرى.
تبعا لكل ما سبق نسجل ضعفا ملموسا في الأنشطة الإشعاعية للكلية، ليس كامتداد على المستوى الوطني أو الجهوي لأنه من باب الخجل مقارنتها بمثيلاتها أو بغيرها من الكليات والجامعات، ولكن أيضا وهنا صلب الإشكال على الصعيد المحلي أساسا، الشيء الذي عزز فرضية العزلة التي تحدثنا عنها سابقا، فكان من اللازم الانفتاح على الطاقات وتنويع مشاريع البحث داخل وخارج الكلية، بمعزل عن إكراهات وظروف مثل تلك البحوث والأنشطة الميدانية أو الفكرية أو الأكاديمية، ومن ثمة ضرورة المصالحة بين الكلية إياها ومحيطها السوسيو ثقافي.
وما زاد في الطين بلة بالنسبة للطلبة الثمانية آلاف الذين يتلقون تعليمهم بالكلية، عدم وجود معاهد متخصصة تكميلية لمتابعة الدراسة العليا بتازة بعد الفترة الجامعية، بخلاف واقع الحال في مدن أخرى، ومن ثمة التأهل للاندماج في سوق الشغل، لا بل أكثر من ذلك، لا ندري لماذا تراخى القوم عبر مشاريع الإصلاح الحالية في التشديد على ضرورة إيجاد مسلك للتربية والتكوين بنفس الكلية، قصد فتح المركز الجهوي المعني أمامهم على الأقل وبهدف إنقاذ فلذات أكبادنا من بطالة شبه حتمية، وهذه المؤسسة الأخيرة أي المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين هي الوحيدة بتازة التي أصبحت تعد تكميلية للجامعة فضلا عن أتاحتها لفرص الشغل أمام الشباب، ثم ألا يحق لنا طرح السؤال: ما مصير الشراكات التي وقعت بين الكلية متعددة التخصصات وعدد من الجهات بينها المجلسان الجماعي والإقليمي؟ سؤال يظل مطروحا وبحدة خاصة وأنه يتعلق بالمال العام وطرق تدبيره.
لقد آن الأوان لإعادة النظر في موقع بناية الكلية، فوجودها على الطريق الوطنية وقبالة السوق الأسبوعي وطبيعة البنية الطبوغرافية تفرض إعادة النظر هذه، كما أنه من المجدي وقد مضى على هذه المؤسسة الجامعية زمن يستغرق ولاية خمسة رؤساء أمريكيين !!! تقويم مسارها العام وإلى أين تسير، لا من حيث الأطر والكفاءات، ولكن أيضا من حيث الأهداف والتوجهات وطبيعة التكوين والتدبير والإشعاع والإنتاج، الشيء الذي يجعلنا كمهتمين أولا وقبل كل شيء نضع هذه الكلية بكل أسف في موقع جد باهت ضمن الخريطتين الجهوية والوطنية وهو الواقع الذي لا يرتفع إلى إشعار آخر.
التعليقات مغلقة.