أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

بعض الإشكالات المتعلقة بمقترح القانون المتعلق بمجلس الجالية المغربية بالخارج

الدكتور خالد الشرقاوي السموني 

أستاذ بكلية الحقوق بالرباط و بالمعهد العالي للإعلام والاتصال 
 

في سنة 2007، قرر جلالة الملك محمد السادس إحداث مجلس الجالية المغربية بالخارج ،  بمقتضى الظهير الشريف رقم 208.07.1  الصادر في 10 ذي الحجة 1428 )، 21 ديسمبر 2007، وقد نصت المادة الأولى من الظهير: “تحدث هيئة استشارية بجانب جلالتنا الشريفة، تسمى مجلس الجالية المغربية بالخارج يتولى إعداد الرأي لدى جلالتنا الشريفة بخصوص شؤون الهجرة ولا سيما القضايا التي تهم مواطنينا”.

هذه المؤسسة التي ستحظى بأهمية ومكانة متميزة ضمن المؤسسات الدستورية التي نص عليها الدستور الجديد للمملكة لسنة 2011، و لا سيما الفصـل  163 منه، ضمن الباب الثاني عشر: “الحكامة الجيدة”، حيث حدد دورها الأساسي في ما يلي: “يتولى مجلس الجالية المغربية بالخارج، على الخصوص، إبداء آرائه حول توجهات السياسات العمومية التي تمكن المغاربة المقيمين بالخارج من تأمين الحفاظ على علاقات متينة مع هويتهم المغربية، وضمان حقوقهم وصيانة مصالحهم، وكذا المساهمة في التنمية البشرية والمستدامة في وطنهم المغرب وتقدمه.
فضلا على أن دستور سنة 2011 حرص على تكريس حماية حقوق الجالية سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي، حيث يشكل الفصل 17 من الدستور على الخصوص ثورة جديدة للدولة في تعاملها مع المواطنين القاطنين في الخارج، خاصة حقهم في المواطنة الكاملة، والفصل 18 الذي يؤكد على ضمان أوسع مشاركة ممكنة للمغاربة المقيمين بالخارج في المؤسسات الاستشارية، و هيئات الحكامة الجيدة التي يحدثها الدستور أو القانون.

و قد نص الفصـل  171 من الدستور  على أنه “يحدد بقوانين تأليف وصلاحيات وتنظيم وقواعد تسيير المؤسسات والهيئات المنصوص عليها في الفصول 160 إلى 170 من هذا الدستور”، والتي يوجد ضمنها مجلس الجالية المغربية، وهذا يعني أن المجلس سينظم بمقتضى قانون صادر عن البرلمان، على خلاف الظهير المحدث للمجلس الذي أصدره جلالة الملك ضمن اختصاصاته الموكلة له بمقتضى الفصل 19 من الدساتير السابقة.

وجدير بالذكر أن المهتمين بموضوع الجالية كان ينتظرون من الحكومة، بعد صدور دستور سنة 2011، أن تتقدم بمشروع قانون إلى البرلمان يتعلق بإعادة تنظيم مجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج، من أجل ملاءمة مقتضيات ظهير  2007 المحدث للمجلس مع المقتضيات الجديدة التي جاء بها الدستور، ولا سيما الفصول 17 و 18 و 163 منه.

فلا الحكومة التي رأسها عبد الإله بنكيران، ولا الحكومة التي رأسها سعد الدين العثماني، تقدمت بأي مشروع.

ونظرا لتلكؤ الحكومة في هذا الباب، لاحظنا أن بعض الفرق البرلمانية تقدمت بمقترحات قوانين في الموضوع، نذكرها فيما يلي:

– مقترح قانون يتعلق بتنظيم مجلس الجالية المغربية بالخارج تقدم به نواب من فريق الاصالة والمعاصرة بمجلس النواب سنة 2013.
– مقترح قانون يتعلق بمجلس الجالية المغربية بالخارج تقدم به نواب من فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب سنة 2017.
– مقترح قانون يقضي بإعادة تنظيم مجلس الجالية المغربية بالخارج تقدم به أعضاء من الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين سنة 2020.
– مقترح قانون يتعلق بمجلس الجالية المغربية في الخارج تقدم به الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية سنة 2014.
– و أخيرا مقترح قانون يتعلق بمجلس الجالية المغربية بالخارج تقدمت به المجموعة النيابية للعدالة و التنمية بمجلس النواب خلال السنة الجارية ( 2022).

وإذا أضفنا المقترح الثاني لنواب العدالة والتنمية إلى المقترح الأول الذي تقدم به فريقهم سابقا، يصير عدد مقترحات القوانين التي تقدم بها أعضاء مجلسي البرلمان هي أربع مقترحات: مقترحان من فريقين من الأغلبية الحكومية الحالية، و مقترحين من فريقين من المعارضة.

في الإطار أود أن أتقدم ببعض الملاحظات:

1- ليس هناك في الدستور المغربي ما يمنع تنظيم مجلس الجالية وتحديد اختصاصاته بمقتضى مقترح قانون يصادق عليه البرلمان، حيث يقتسم رئيس الحكومة وأعضاء البرلمان المبادرة التشريعية، أي أن لرئيس الحكومة ولأعضاء البرلمان على حد سواء حق التقدم باقتراح القوانين، وفي حالة النزاع بينهما يتم اللجوء إلى المحكمة الدستورية (الفصل 79 من الدستور)،  وإن كانت تعطى الأسبقية لمشاريع القوانين بمقتضى الفصل 82 من الدستور الذي ينص على أن مكتب مجلس النواب أو المستشارين يبرمج مناقشة مشاريع ومقترحات القوانين بالأسبقية، ووفق الترتيب الذي تحدده الحكومة.  

وبما أن هناك وحدة الموضوع لمقترحات قوانين، تعطى الأسبقية لدراسة النص التشريعي الذي أودع أولا على مكتب المجلس، بناء على مقتضيات النظام الداخلي، أو يمكن للفرق البرلمانية المعنية أن تتفق فيما بينها على صياغة مقترح قانون واحد يعرض على اللجنة البرلمانية المختصة للمناقشة، والتصويت وفق جدول الأعمال الذي يحدده المجلس باتفاق مع الحكومة.

غير أنه  في الحالة التي أمامنا، قد يصعب ذلك  من الناحية السياسية لأن الفرق التي تقدمت بمقترحات قوانين تنتمي إلى الأغلبية و إلى المعارضة معا، وكل طرف سيحاول تغليب تصوره بخصوص تشكيلة المجلس واختصاصاته، سيما أن هناك تجاذبات بين الأحزاب السياسية لاستقطاب أفراد الجالية المغربية إلى صفوفها، بيد أن هناك من استغل ذلك في حملاته الانتخابية في أوساط الجالية.

2 – بما أن الحل المتعلق بمقترح القانون قد أتوقع أن يصل إلى الباب المسدود ، لاعتبارات سياسية، يجب على الحكومة التسريع بتقديم مشروع قانون يترجم تصور الدولة حول طريقة تشكيل المجلس وتنظيمه وتحديد مجال اختصاصاته، وفق صياغة متجردة تخدم المصالح العليا للبلاد، نظرا لأهميته على الصعيد الدولي، و لاعتباره مؤسسة استشارية لدى جلالة الملك الذي ما فتئ يولي عناية خاصة للمواطنين المغاربة المقيمين بالخارج ويسهر على ضمان حقوقهم ومواطنتهم الكاملة، كإشراكهم في مؤسسات الحكامة وفي وضع النموذج التنموي الجديد ، واتخاذ كل التدابير من أجل استقبال القاصرين المغاربة غير المرافقين بأوروبا، وتسهيل عودة الجالية إلى المغرب و بأثمان مناسبة؛ إلى غير ذلك من التدابير.

هذا، وقبل إيداع مشروع القانون المتعلق بإعادة تنظيم المجلس المذكور من قبل رئيس الحكومة، جرت العادة بالنسبة لكثير من المشاريع المهمة، أن يأخذ رأي القطاعات الحكومية المعنية، وفي هذه الحالة، أخص بالذكر وزارة الداخلية ووزارة الشؤون الخارجية و التعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ومجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج ومؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج وكل الأجهزة الأمنية وعلى رأسها المديرية العامة للدراسات والمستندات

التعليقات مغلقة.